تشير تطورات عديدة الى أن تحولات سوف تطرأ على علاقة الدولة بالتيار الإسلامي بها، وذلك بعد الكشف عن خلية إرهابية تعمل من أوروبا ذات صلة بتنظيم القاعدة، والمؤشرات حول التحول في العلاقة متعددة، لعل في مقدمتها ما صرح به العاهل المغربي محمد السادس عندما قال الأسبوع الماضي في خطاب إلى المسؤولين وكوادر الأجهزة الأمنية الداخلية والخارجية، في معرض الإشادة بجهودهم في حماية أمن البلاد انه لا مجال للتساهل والسلبية في الحرب الدائرة على الإرهاب.
واعتبر، أن لا وجود لمنزلة وسط بين الديمقراطية والإرهاب.. عدو الوطن والحياة الإنسانية. كما جدد العاهل المغربي التأكيد على انخراط بلاده في الحرب المحلية والدولية على الإرهاب الذي وصفه بأنه لا يعرف حدوداً جغرافية ولا وازعاً عقائدياً أو أخلاقياً وليس له مرجعية إلا الأضاليل الظلامية التكفيرية بشبكاتها الإجرامية الهدامة وأهدافها التخريبية الدنيئة، موضحاً أن هناك ما وصفه بالمؤامرات الإرهابية التي تستهدف المغرب، إنما تحاول يائسة النيل من النموذج المغربي المتميز في خصوصياته الدينية والروحية القائمة على الإسلام السنّي ووحدة المذهب المالكي وإمارة المؤمنين.
وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها العاهل المغربي منذ تفكيك آخر خلية إرهابية ضمت 35 متهماً سيحاكمون بتهم إرهابية تشمل التخطيط لاغتيال شخصيات سياسية وعسكرية وأمنية ويهود ينحدرون من أصول مغربية. وفي مقدمة المؤشرات أيضا حالة الحشد الإعلامي التي تقوم بها الدولة وهو ما أعطى انطباعات بأنها سعي إلى تهيئة الرأي العام للتحولات التي سوف تشهدها العلاقة بين الطرفين.
فالمغرب كانت له تجربة مختلفة عن باقي الدول العربية في العلاقة مع التيار الديني، حيث اتسمت بعدم الصدام ومحاولة إدماجهم في العملية السياسية، من خلال الأحزاب القائمة، بل ان الجماعة الكبرى فيما بينهم وهي العدل والإحسان لم تكن معادية للدولة فضلا عن ان الدولة لم تكن معادية لها. كذلك سمحت الدولة للإسلاميين بالعمل السياسي.
وهنا لابد من الإشارة إلى ان حزب العدالة والتنمية الممثل في البرلمان ليس هو الحزب الوحيد المعبر عن التيار الاسلامي، ففي الانتخابات التشريعية الماضية كانت هناك ثلاثة أحزاب ذات مرجعية إسلامية دخلت المنافسة على 325 مقعدا برلمانيا. ففضلا عن العدالة والتنمية كانت هناك أحزاب «البديل الحضاري» و«النهضة والفصلية»، اللذين يوصفان في المغرب بالحزبين الوليدين، وهما ينتميان معا إلى نفس التيار السياسي الإسلامي المغربي.
وحزب العدالة والتنمية كان يعرف من قبل باسم الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، ويصنفه المحللون باعتباره إسلاميا معتدلا، وهناك من يعتبره قريبا من القصر الملكي ويطلق على أعضائه لقب إسلاميو القصر الملكي، ذلك أن أعضاء من «حركة الإصلاح والتجديد» ـ وهي حركة إسلامية مغربية كانت قريبة من القصر في فترة من الفترات قرروا الالتحاق بالحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بعدما فشلوا في تأسيس «حزب التجديد الوطني» ذي التوجه الإسلامي .
وذلك في مايو من عام 1992. وقد سمح الدكتور عبد الكريم الخطيب الأمين العام للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية لهذه المجموعة من «الإصلاح والتجديد» بالعمل في إطار حزبه بشرط دخولهم كأفراد وليس كتنظيم.
ومع دخول تلك الجماعة في الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية جرت محاولات لتغيير اسمها حتى تعبر عن الوضع الجديد، وفي نهاية عام 1998 أصبح اسم هذه التشكيلة السياسية «حزب العدالة والتنمية». وكانت النقلة النوعية في مسيرة هذا الحزب في انتخابات عام 2002 عندما أصبح حزب المعارضة الرئيسي، على الرغم من أن المقاعد التي حصل عليها لم تكن تؤهله للعب هذا الدور، ولكن تشكيلة الحكومة المغربية هي التي مكنته من أن يلعب هذا الدور.
وكل ذلك لم يكن ليتم ما لم تكن الدولة قد قررت إعطاء دور للإسلاميين في العمل السياسي، وهو ما تم تفسيره على انه محاولة من العاهل المغربي الحسن الثاني تجنب السيناريو الجزائري، وذلك باحتواء التيار السياسي الإسلامي.
ولكن يبدو أن الخلايا الإرهابية المتعددة التي تم كشفها بالمغرب خلال العامين الماضيين دفعتها إلى تعديل سياستها والبحث عن سياسة بديلة، ويكشف عن ذلك انه تم حظر حزب البديل الحضاري على خلفية أحداث الكشف عن الخلية الأخيرة، وهو ما يعني انه من المرجح أن يتم التضييق على التيار الإسلامي السياسي في المستقبل. وتضييق هامش الممارسة الذي سمح له به.
وهناك من المراقبين من يخشى بأن يمثل الرد المغربي المتعجل على الكشف عن الخلية الإرهابية الأخيرة انتكاسة عن سياسة ناجحة في مواجهة التيار الديني كانت تعتبر في السابق نموذجا للتعامل الناجح مع هذه الظاهرة.
وهم يتوقعون ان يؤدي هذا التراجع إلى إعطاء شرعية وزخم للظاهرة الإسلامية، يدخلها في احتمالات الدخول في حالة من حالات الاحتقان بين الدولة والإسلاميين، قد تكون نتيجته زيادة المواجهة بين الجانبين وليس احتواءها، خاصة مع ظهور تنظيم القاعدة في المنطقة تحت مسمى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. فوجود التنظيم معطوفا على حالة الاحتقان المتوقعة إذا ما تم تنفيذ هذه السياسة سوف يساعده في جذب وتجنيد قطاعات من العناصر الإسلامية التي سوف يتم تهميشها سياسيا.
وهنا لابد من الإشارة إلى ان المغرب بهذا السلوك تصبح منخرطة فيما يسمى بالحرب على الإرهاب، وبالطبع فهي دخلت مجبرة في ظل ما شهدته من تهديد زادت حدته بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 وهو موعد بدء هذه الحرب. وهنا نشير إلى موقفين في مواجهة القاعدة، التي تعد هي الطرف الآخر في هذه الحرب، من الناحية التحليلية، الأول يقلل من تهديدها وخطورتها والثاني يعطى للتنظيم أهمية وخطورة بها الكثير من المبالغة.
ولكن التصدي الصحيح لهذا التنظيم يتطلب أن يوضع في قالبه الصحيح باعتباره واحدا من تجليات الحالة الإسلامية خاصة المتعلق منها بالسلفية الجهادية، وهي حالة نتاج ونبت للتسعينات من القرن الماضي ومن توابع حربي الخليج الثانية وما واجهه تنظيم القاعدة الإسلامي في أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
ولكن تبدو مواجهة المغرب الحالية ومع هذه الخلية خلافا لخلايا أخرى تم الكشف عنها هناك خلال العامين الماضيين تتسم بحشد الرأي العام وتتسم أيضا بقدر كبير من العصبية هو ما يمكن ان يعطي مؤشرات حول احتمالات الصدام بين الدولة والإسلاميين في المرحلة المقبلة، وهي مواجهة يمكن ان تحدث تحولا نوعيا في طريقة التعامل بين المغرب والإسلاميين ولا يستطيع احد ان يتكهن بتجليات هذا التحول.
كاتب مصري