يطالب بعض قوى الموالاة في لبنان بإصرار شديد يصل الى حد العناد على ان سوريا هي العنصر الأساسي في عرقلة الحلول الدولية والعربية المقترحة لإنهاء الوضع المتوتر وانتخاب رئيس جمهورية جديد لهذا البلد الذي يترنح على نار الفتنة المتنقلة.
واذا كانت سوريا ليست ذلك الملاك الطيب الذي يعمل على تجنب شرور الآخرين ويتقبل سيئاتهم برحابة صدر، الا ان فريقا سياسيا فاعلا ومؤثرا في لبنان يعمد منذ مدة على استفزاز سوريا وتحميلها وزر كل ما يجري في لبنان من اغتيالات وسجالات سياسية ساخنة
وقد بلغ الخلاف السياسي بالبعض الى دعوة الفنانة المعروفة فيروز الى عدم تلبية الدعوة الى الشام لإحياء مسرحية «صح النوم» بمناسبة إعلان دمشق عاصمة ثقافية، في وقت مبكر أعلن الرئيس سليم الحص بأن بعض اللبنانيين يرفض تصديق ان الجيش السوري أصبح على الحدود التركية،
فيما يؤكد الوزير السابق البير منصور بما يشبه الجزم بأن سوريا لن تعود الى لبنان مجددا حتى لو كان هناك إجماع دولي جديد على ذلك، فيما يؤكد حليف دمشق الاستراتيجي الوزير سليمان فرنجية بأنه سيقف ضد سوريا لو كررت العودة مجددا الى لبنان بالصيغة القديمة.
ان منطق إطلاق التبعة في كل ما يحصل في لبنان من أحداث أمنية وسياسية على دمشق كما تفعل قوى 14 آذار حاليا يلغي كل فرصة للتلاقي بين البلدين الجارين، ويطيل في عمر الأزمة كما ان الإصرار على إلصاق تهمة العمالة لسوريا لكل طرف لا يتماشى مع أجندة الموالاة هو ظلم واضح لا يحتاج الى دليل
خصوصا ما يحصل مع تيار الجنرال ميشال عون، الذي تلصق به ظلما وعدوانا تهمة العمالة لسورية وطهران دون تبصر ودون دليل وهو بريء منها طبعا، والهدف هو التشهير بقوى سياسية حية ترفض ان تتلوث بألاعيب مشبوهة يلجأ إليها البعض، وهنالك مثل معروف لأولئك الذين يعملون في مطابخ إطلاق الشائعات و«اذا أردت ان تقتل إنسانا فأطلق عليه إشاعة»،
فلذلك ان العدو الذي لا تستطيع قتله بالرصاص فلا ضير ان تقتله بالشائعة المغرضة التي تستهدف سمعته وشرفه وكرامته، التي تعتبر رصيده السياسي والأخلاقي، ولهذا فإن البعض يطلق العنان لخياله المريض بإطلاق شتى النعوت والاتهامات الظالمة ضد خصومه، وعندما يتم مطالبته ومحاسبته يقول لك بأنه كان يتهم بالسياسة وهكذا ينطبق عليه قول الشاعر:
ان لجراحات السيوف التئام ولا يلتئم ما تجرحه الألسن
ان الكثير من اللبنانيين مستعدون لتصديق مقولة ان المعارضة بأطيافها الحالية تأتمر بأوامر سوريا كما ان هذه القوى او بعضها على الأقل لا يخبأ تحالفه الاستراتيجي معها مثل حزب الله وحركة امل وغيرهما وفرنجية وارسلان
ولكن لا يمكن ان يصدق احد ان عون وتياره السياسي العريض يمكن ان يكون تابعا لدمشق مهما تعددت وتنوعت الأسباب لان هنالك ملفا حافلا بالدم والصراع بينهما لا يزال ساخنا وحارا ولم تمضي عليه سوى سنوات قليلة، ولكن واقعية الجنرال عون هي مدعاة للإعجاب،
فقد اعلن منذ الانسحاب السوري من لبنان منذ العامين ان سوريا في سوريا ولبنان في لبنان ونتعامل مع دمشق كجارة تجمعنا الهموم المشتركة، والمصالح المشتركة. ان هذه الواقعية السياسية التي اعتمدها الجنرال عون هي التي أثارت عليه كل هذا الغضب وكل هذا التحامل الظالم، الذي استبيحت خلاله كل المحرمات،
كما ان موقفه الوطني الجريء بإقامة تفاهم واضح مع حزب الله هو الذي ساهم بإسقاط الفتنة الطائفية ودفنها في المهد، وكانت بلا شك خطوة شجاعة وجريئة ستظل تحسب له، وقد توج عون هذا الاداء السياسي الناضج والبارع بالتنازل عن ترشحه لرئاسة الجمهورية، في وقت لم يترك له الخصوم وبعض حلفاء الأمس «سترا» لم يرموه به،
فهو المتعطش للسلطة، وهو المحتكر لساحة العمل السياسي، وعندما لم تنفع كل هذه الألعاب وكل هذه المناورات لجأوا الى سياسة « تحطيم الخصم» للإجهاز عليه وإضعاف شعبيته الواسعة والمؤثرة. اذا كان الجنرال عون يملك أدواته للدفاع عن نفسه في وجه الاتهامات التي يدبجها خصومه ضده واذا كان بإمكان سوريا الدفاع عن سياستها الإستراتيجية في لبنان والمنطقة،
ولكن ما ليس مفهوما ان ينحدر الخطاب السياسي في لبنان الى مستوى بعض القيادات التي تطالب جهرا واشنطن بإرسال السيارات المفخخة الى دمشق ودعوتها لإسقاط النظام في سوريا، وتزعل وترتعد فرائصها عندما تتهم بالعمالة للإدارة الأميركية.