إذا صحت الاعترافات التي نسبت لقائد فتح الإسلام شاكر العبسي في اتصال هاتفي عند بدء المعارك في مخيم نهر البارد مع الشيخ ماهر حمود إمام مسجد القدس في صيدا، إنه لا يعرف بالضبط عن الجهة التي ورطته بهذا الحمام من الدم والمسار الذي ذهبت به الأمور إلى هذا الحجم من التدهور مع الجيش اللبناني، فإن هذا يعني بالتأكيد أن وراء الأكمة ما وراءها من أسئلة وعلامات استفهام كبيرة.

وان هذا الرجل السوبر مان الخطير ما كان إلا واجهة كرتونية سخيفة تم استعمالها بأسلوب دموي ووحشي لحساب جهة تمتلك أجندة أوسع وأخطر هي أكبر من أهداف دول إقليمية وتتعدى طموحات دول مجاورة لها حسابات ضيقة ومحدودة الأفق والصلاحية في آن معاً.

إذا كان العبسي الذي ظهر بصورته الأخيرة المشوهة والممزقة لا يعرف شيئاً عن فلتان الأمور في نهر البارد فإن هنالك علامات استفهام كبيرة حول افتعال هذه المعركة الشرسة والقاسية إذن، وهنالك أيضاً وأيضاً ألغاز كبيرة جداً حول اختتام هذه المواجهة العنيفة التي استمرت أكثر من ثلاثة أشهر، التي بدأت بهذا الهجوم الوحشي الذي يشبه هجوم الرعاع والقراصنة على مواقع الجيش وذبح أكثر من ثلاثين عنصراً في مهاجعهم وعلى أسرتهم وفي خيامهم.

بحيث لم يتركوا لقيادة الجيش الرصينة من خيار سوى الذهاب إلى المواجهة الحتمية والدخول بمعركة كل شروطها ظالمة ومجحفة وغير أخلاقية، إلى هذا الاختتام التراجيدي المجلّل بالفرح الراعف، وصورة نمطية واحدة لآثار القذائف التي كانت تثير عاصفة من الغبار والدخان الكثيف فوق الأسطح والأبنية المتداعية، ودماراً كاملاً لمخيم كامل كان يستوعب أكثر من خمسين ألف إنسان زادتهم هذه الحرب مأساة فوق مأساة، وتشريداً فوق تشريد.

هل المعركة كانت ضرورية وملحة إلى هذا الحد؟

الخبراء العسكريون، والمتقاعدون في الجيش الذين أصبحوا محللين استراتيجيين اجمعوا على أن المعركة كانت ضرورية لإنقاذ كرامة الجيش، ولكن الثمن كان باهظاً وكان كبيراً على الجيش نفسه الذي يخوض تجربة كبيرة بهذا الحجم بعد توحيده منذ سنوات قليلة.

المعركة التي انتهت بنصر عزيز ومهم للجيش اللبناني وللشعب اللبناني كانت ضرورية ولكن لم تكن إلزامية وإجبارية، إذ كان على المخططين في القيادة العسكرية وضع تصورات وخطط عسكرية بديلة غير هذه الحرب التقليدية والكلاسيكية التي خاضها الجيش اللبناني باللحم الحي كما يقال، وكان ينبغي أن يلجأ الجيش إلى ضرب حصار عسكري محكم ومشدد على الإرهابيين.

كما اقترح أحد الخبراء في حينه، وإنشاء ذراع أمنية طويلة تستطيع أن تقوم بعمليات كوماندوز داخل جبهة الإرهابيين وتعمل على تصفيتهم بأعصاب هادئة بالداخل أو العمل على خطفهم من جحورهم التي يختبئون فيها كما حصل في الماضي القريب عندما نفذ الجيش اللبناني أروع عملية أمنية ضد العملاء المتعاملين مع الاحتلال الصهيوني.

حيث تم اعتقال شبكة لبنانية متهمة بالتخريب من داخل الشريط المحتل بأسلوب احترافي وبعملية أمنية نظيفة في ذلك الحين حيث تم سوق هذه الشبكة المتعاملة مع الموساد الإسرائيلي إلى قوس العدالة وإعدام الرأس المدبر لهذه الشبكة في نفس المكان الذي فجر فيه حياً مدنياً في الضاحية الجنوبية وذهب يومها ضحيته العشرات من الأبرياء.

لا خلاف على النصر الذي حققه الجيش اللبناني فهو محل تقدير واحترام وثقة كل اللبنانيين وكل المحبين للبنان في أصقاع العالم، ولكن الواجب يقتضي حالياً استخلاص العبر من هذه المعركة القاسية، لأن المثل اللبناني يقول إن الضربة التي لا تقتل تقّوي»، لهذا فإن الجيش اللبناني الذي خرج من هذه المواجهة جريحاً، خصوصاً بهذه الخسائر التي وقعت في صفوفه إلا أن هذه المعركة الشرسة ساهمت بشكل أكبر بتصليب عوده «وفولذة» قوته وجعلته أمضى وأمنع في مواجهة الصعاب.

ولهذا فإن المسؤولية الوطنية تقتضي المسارعة بإجراء تحقيق شامل وجدي لمعرفة أسباب هذه المنظمة التي جنحت إلى هذا العنف والقتل المبرمج والمدروس في ظل اعتراف زعيم هذه المجموعة انه لا يعلم الأسباب عن الجهة التي ورطته وأدت إلى هذه النهاية المفجعة والمواجهة العنيفة.

في مطلق الأحوال إذا كانت المعركة قد انتهت في مخيم نهر البارد وموت معظم قادة فتح الإسلام بوسائل وأساليب مختلفة من العبسي إلى أبو سليم طه مروراً بابي جندل وابي هريرة ومن معهم حيث أصبح مقتولاً أو أسيراً أو جريحاً يبقى السؤال لماذا كان الهجوم على الجيش بهذه الشراسة دون سواه؟!