بدأت الحكاية الجديدة والقديمة في آن واحد حينما أعلن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، في خطابه عن الشرق الأوسط الأسبوع الماضي عقد مؤتمر سلام دولي في الخريف القادم، بمشاركة الإسرائيليين والفلسطينيين ودول مجاورة تعترف بحق إسرائيل في الوجود كدولة، وستكون كوندوليزا رايس رئيسة لهذا المؤتمر!
قد يكون الخبر جديداً في هذه المرحلة، وخاصة فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية الفلسطينية، من خلال الصراع الدائر بين مختلف الفصائل الفلسطينية، سواء تلك التي تم انتخابها من قبل الشعب الفلسطيني في الداخل، ولأسباب مختلفة، أو تلك التي تعتقد أنها تمثل الشعب الفلسطيني في نضاله على مدى نصف قرن من الزمان.
إن الأوضاع الداخلية في فلسطين غير سارة تماماً، وقد انحدرت مؤخراً إلى مستوى خطير من الضعف أنسى الفرقاء الفلسطينيين قضيتهم الرئيسية ودخلوا في صراعات مع بعضهم البعض أمعنت في إضعاف موقفهم على كافة الأصعدة. فقد تلاعبت في الساحة الفلسطينية، بدهاء وخبث، قوى متعددة الانتماءات، إلا أن لها مصلحة مشتركة، وهي تأجيج الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني، سواء على المستوى الداخلي أو العربي أو الإقليمي وحتى العالمي.
كان الضحية الأولى في ذلك الصراع، كما كان متوقعاً، هو الإنسان الفلسطيني في الداخل مهما كانت انتماءاته الأيديولوجية والذي اعتاد جني الحصاد المر الذي لم يعرف غيره على مدى عمر أكثر من جيلين من أبنائه، فقد تراجع دخله المادي، الضعيف أصلاً، ليزيد من حجم الفلسطينيين الذي يعيشون تحت مستوى خط الفقر.
ومما زاد من حجم الإحباط لدى الإنسان الفلسطيني والعربي هو أن الحلم في إنشاء دولة فلسطين وإنصاف هذا الشعب المنكوب، منذ انتقل إلى صالات التفاوض وموائد المؤتمرات الدولية بعيداً عن رعاية أهله وحرصهم على رؤيته يتحقق على أرض الواقع، قد أصيب بأمراض مزمنة استوجبت نقله إلى غرفة الإنعاش الأميركية، فهو لم يعد يستطيع العيش خارجها، ليشرف عليه نطاسيون كبار ممن يرون أن هنالك ترهلاً كبيراً فيه وأن شفاءه يكمن في ترشيقه والتخفيف كثيراً من حجمه.
ويبدو أن أولئك النطاسيين يرون كذلك أن من حقهم الاستفادة من هذا الحلم وتوظيفه لمصالحهم، طالما هو في غرفة إنعاشهم يحافظ على بقائه من خلال الأنابيب المتعددة التي يربط بها جسد من يدخل هذه الغرفة، حيث تجري في هذه الأنابيب سيول من الوعود وفيض من مواعيد للقاءين وضغوط تزداد للترشيق والتأهيل.
فدعوة الرئيس بوش في هذه المرحلة لا يمكن إلا أن تفسر برغبته في الخروج، ولو لبعض الوقت، من دائرة أزمات شديدة تضيق باستمرار على إدارته، وذلك لجر الإعلام إلى ساحة بعيدة عن الواقع المأساوي في العراق وأفغانستان والذي تعاني منه إدارته الأمرين في الكونغرس نفسه وأمام الرأي العام الأميركي.
وبتزامن مع ذلك، ومن دون مقدمات مسبقة، سربت بعض الأوساط الإعلامية أنباءً عن محادثات بين إسرائيل وسوريا، تجرى بوساطة بعض رجال الأعمال الدوليين، بل وبعض الأطراف الإقليمية النافذة مثل تركيا التي حقق رئيس وزرائها نجاحاً كبيراً في الانتخابات البرلمانية، وهو ممن لديهم صلات وعلاقات قوية مع الطرفين، مما دفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى طرح الموضوع وبصورة قانونية وعلنية في مجلس الشعب السوري في خطاب بالغ الأهمية بالنسبة للسياسة السورية، لأنه خطاب القسم للرئيس لولايته الثانية.
والذي يحدد فيه سياسته في مدة تلك الولاية موضحاً الشروط السورية للحل النهائي بين الطرفين، وبطلب ضمانات من قبل الطرف الإسرائيلي خاصة ما يتعلق بعودة الجولان إلى سوريا، وهي الإشكالية الأساسية بين الطرفين. أما ما قد يترتب على ذلك سواء فيما يتعلق بالعلاقات السورية ـ الإيرانية أو علاقة سوريا بالقوى الأخرى مثل حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين، فهي قابلة للنقاش.
ولعل هذا ما دفع وزير الخارجية الأردني عبد الإله الخطيب إلى الإدلاء بتصريح مفاده بأن السلام مع سوريا ليس بديلاً عن السلام مع الفلسطينيين، وهو بذلك يؤكد بأن لب القضية في المنطقة هو القضية الفلسطينية وبدون حل هذه القضية لن يكون هناك سلام فيها، ومعلوم أن إسرائيل ومنذ مدة ليست بالقصيرة لعبت لعبة المسارات وأولوياتها جيدا. وقد حققت نتيجة تلك السياسة مكاسب كبيرة وتنازلات أكبر حتى من طموحها من هذا الطرف أو ذاك.
ويبقى التساؤل المهم، هو أين دور العرب والمبادرة العربية التي اتفقوا عليها كمدخل للوصول إلى التسوية الدائمة، والتي تقف المملكة العربية السعودية وراءها منذ عدة أعوام وتحديداً منذ مؤتمر بيروت عام 2002؟
من المتوقع أن يشهد هذا الأسبوع تحركاً دبلوماسياً غير عادي، حيث سيقوم وزير الخارجية الأردني ووزير الخارجية المصري بزيارة القدس وهما يمثلان الجامعة العربية، إضافة إلى ذلك سيقوم مبعوث اللجنة الرباعية الجديد إلى الشرق الأوسط توني بلير بزيارة إلى المنطقة.
إلا أن هنالك تخوفاً مشروعاً لدى العديد من المتابعين للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني يتعلق بمأساة اتفاقات أوسلو! حيث يخشى الكثيرون تكرار تلك التجربة من جديد، فالظروف الدولية والداخلية قد تغير فيها الكثير منذ عقد تلك الاتفاقية، ولكن ليس لصالح الفلسطينيين حيث أضعفت الأحداث الأخيرة التي جرت في غزة كثيراً من موقف المفاوض الفلسطيني ومن قدراته.
إن حالة الإحباط التي تخيم على الشارع العربي والإسلامي، بسبب الفشل في نيل الحقوق في الكثير من القضايا ومنها القضية الفلسطينية، هي التي أدت إلى تنامي تيار الإسلام السياسي، كتيار بديل للتيار القومي أو للتيارات العلمانية أو حتى المعتدلة، في أوساط الشارع في العالم الثالث. ومن هنا فإن هذه المبادرة قد تحقق التوازن في الشارع السياسي وخاصة في فلسطين والعراق وأفغانستان، وقد تكون بداية لمرحله جديدة.
أمر آخر يجب ألا يفوت المراقب السياسي وهو أن إسرائيل دأبت ومنذ سنوات وعندما تشتد أزماتها الداخلية إلى التنفيس عن الوضع الداخلي المأزوم بعد تقرير لجنة فينوغراد بإنجازات خارجية، وهذا ما كان بعد الانتفاضة الأولى والثانية وما أعقبهما من اتفاقية أريحا وغزة أولاً إلى اتفاقية أوسلو إلى خريطة الطريق والتي لم يبق منها على أرض الواقع شيء سوى السراب بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي بات يلعق جراحه وهو يرى البندقية الفلسطينية تخطئ طريقها إلى صدور الفلسطينيين أنفسهم.
في ظل هذه الأجواء تتناقل وسائل الإعلام خبراً جديداً، ذا صبغة اقتصادية، حيث إن من المتوقع أن توقع السلطة الفلسطينية وإسرائيل اتفاقا سياسياً - أمنياً تقدر قيمته بأربعة مليارات دولار أميركي. وهو متعلق بشراء الغاز الطبيعي من شركة الغاز البريطانية، والذي سوف تستخرجه قبالة شواطئ غزة برخصة من السلطة الفلسطينية حسب ما نقلته صحيفة معاريف الإسرائيلية.
وهذا بحد ذاته سيوفر دخلاً مقداره مليار دولار سنويا لحكومة الرئيس الفلسطيني أبومازن. ويبدو جلياً أن هذا الغاز هو الذي يحرك السياسة في هذه المرحلة، ومن هنا فإن الغاز قد يساهم بخلق توازن بين إسرائيل ومشروع الدولة التي قد ترى النور لاستكمال الإطار القانوني لعقد الصفقة عبر دولتين الأولى موجودة فعلاً والثانية سيتم إبرازها شكلاً، وبذلك يصبح الغاز هو الحل بعدما كان النفط هو المحرق.
كاتب إماراتي