يبدو أن سيناريو الأحداث فيما يتعلق بالصحراء الغربية في طريقه إلى اعتماد حل واحد للأزمة وهو الخاص بالحكم الذاتي للسكان الصحراويين. فعلى الرغم من أن هناك التزاماً جماعياً لكل أعضاء مجلس الأمن باحترام توصية القرار 1754 التي تقول ان هناك اقتراحين لحل نزاع الصحراء وليس اقتراحاً واحداً فقط، وان المفاوضات المباشرة بين الجبهة والمغرب في أغسطس المقبل ستتم على أساس الاقتراحين:

الحكم الذاتي أو استفتاء تقرير المصير، إلا أن الجلسة التشاورية غير الرسمية التي عقدها مجلس الأمن الأسبوع الماضي أكدت أن السيناريو الأول الخاص بالحكم الذاتي هو الأقرب للتحقق ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية ضاعفت من دعمها لاقتراح المغرب الحكم الذاتي لحل قضية الصحراء الغربية.

وقالت المندوبة الأميركية السفيرة جاكي ساندرز لأعضاء مجلس الأمن والصحافيين في أعقاب جلسة مغلقة للمجلس ان الولايات المتحدة ترحّب بجهود المغرب التي تتمتع بالجدية والصدقية وترمي إلى تحريك العملية إلى الأمام بحثاً عن حلول، إننا نعتقد أن الوسيلة الواقعية التي لها فرصة نجاح في شأن الصحراء الغربية هي (اقتراح) الحكم الذاتي الحقيقي. والمبادرة المغربية مؤهلة لتوفير إطار واقعي لبدء المفاوضات على خطة تؤدي إلى توفير حكم ذاتي حقيقي رهن موافقة السكان المحليين عليه.

وخطة الحكم الذاتي التي تطرحها المغرب للصحراء هي خطة معدلة بدأ العاهل المغربي في تنفيذها في مارس 2006 في زيارة له إلى مدينة العيون، حيث أقدم على سلسلة من الخطوات الرامية إلى تعزيز مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية كحل للنزاع بشأن «مغربية الصحراء».

وعلى رأس هذه الخطوات تعيين العاهل المغربي أعضاء المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء وعددهم 140 عضوا، بينهم 14 امرأة. ويتألف المجلس من أعيان قبائل وممثلي منظمات من المجتمع المدني. وبهذه التعيينات أحيا محمد السادس هياكل المجلس الذي أسسه الملك الراحل الحسن الثاني عام 1981.

وطلب العاهل المغربي من المجلس الاستشاري تقديم اقتراحات بشأن مشروع الحكم الذاتي للصحراء الذي ستعرضه الرباط قريبا على الأمم المتحدة. كما طلب من المجلس اقتراح «كل المبادرات» من أجل «عودة واندماج مواطنينا المحتجزين في مخيمات تيندوف»، في إشارة إلى السجناء الصحراويين الذين تعتقلهم جبهة بوليساريو في معسكرات جنوبي غربي الجزائر. وقال العاهل المغربي إن الحكومة المغربية ستبدأ في عملية استشارة واسعة للأحزاب وأبناء الصحراء لمعرفة رأيهم ومقترحاتهم بخصوص نظام الحكم الذاتي لأقاليم المغرب الجنوبية.

وقد تمخض التفكير المغربي عن خطة للحكم الذاتي يمكن وصفها بأنها تعطي صلاحيات واسعة للسكان الصحراويين بما يعني أنهم سيتمتعون بالاستقلال فيما عدا ما يتعلق بالسيادة على الأرض، ذلك أن السيادة على الصحراء هي أمر غير قابل للنقاش أو التفاوض حسبما تؤكد المغرب في كل الاستحقاقات. وقد أرسل العاهل المغربي وفودا إلى كل القوى الدولية المعنية بالمسألة الصحراوية والى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن من اجل تسويق خطتها الجديدة حول الحكم الذاتي.

وحسبما كشفت المباحثات التي أجراها مسؤولون مغاربة في العواصم المعنية التي زاروها ومنها مدريد وباريس ولندن وغيرها، فإن هذه الخطة المغربية الجديدة تقوم على تشكيل حكومة وبرلمان محليين في المنطقة الصحراوية إضافة إلى مؤسسات اقتصادية واجتماعية، وان يعين العاهل المغربي رئيساً لحكومة الإقليم، استنادا إلى نتائج انتخابات محلية تجرى فيه.

وهذه الخطة الجديدة يعتبرها المراقبون بمثابة حل وسط بين التصور الصحراوي الذي تتبناه جبهة بوليساريو والقائم على الاستقلال عن المغرب، وبين التصور المغربي التقليدي القائم على وحدة التراب المغربي وان تعامل المنطقة الصحراوية مثلها مثل أي منطقة أخرى بالمغرب.

وحسبما تسرب عن مواقف الدول التي أجرى المغرب بها اتصالات ووفقا لتصريحات المندوبة الأميركية في مجلس الأمن، يمكن القول ان السيناريو القابل للتطبيق أصبح مقتصرا الآن على الحكم الذاتي للسكان الصحراويين، وبالتالي يمكن القول أيضاً ان المفاوضات التي ستجرى بين الطرفين سوف تركز عليه بالأساس انطلاقا من إدراك الطرفين المتفاوضين لأنه السيناريو الوحيد القابل للتطبيق، من هنا يمكن توقع أن تتناول المفاوضات نقاطا ذات صلة بالخطة المغربية لكنها في نفس الوقت كفيلة بنجاحها في الفترة المقبلة.

وعلى رأس هذه النقاط المهام التي ستسند إلى قيادات جبهة بوليساريو في منطقة الحكم الذاتي بالصحراء، فهذا الأمر يعد من الأهمية بمكان ويمكن أن يكون مفتاحا رئيسيا للحل. فجزء من المعوقات الحالية التي تؤكد عدم استجابة قيادات بوليساريو لأي مبادرات مغربية أو أي جهود دولية هو أنهم يشعرون بأن محصلة الجهاد الذي قاموا به منذ تأسيس منظمتهم وحتى الآن سوف يضيع سدى وإذا كان البعض منهم قد عاد إلى المغرب وتولى مهام قيادية في الإدارة المحلية للصحراء فالآخرون بالتالي يريدون أن يطبق عليهم مبدأ المعاملة بالمثل، وإذا لم يتم التوصل إلى صيغة لحل هذه المعضلة فلا يمكن توقع إنهاء المسألة الصحراوية بصورة سهلة وسريعة.

ومن النقاط الأخرى التي لابد وان تتناولها المفاوضات بين الجانبين ما يتعلق بالتنازلات التي يستطيع المغرب أن يقدمها لقيادات بوليساريو ولسكان المنطقة وتزيد عما هو موجود بالفعل في الخطة المغربية، ذلك انه لا يمكن أن نتوقع أن يوافق قادة بوليساريو على الخطة المغربية كما هي حتى ولو تم تسكينهم في مناصب كبرى في الإدارة المحلية، فجزء من الصفقة التي يمكن أن يسوقها القادة الصحراويون إلى سكان الإقليم هو أنهم حصلوا على مزايا ومكاسب تفوق ما كان معروضا عليهم من قبل.

وبالطبع فإن المفاوض المغربي لابد وانه وضع في اعتباره انه لابد من تقديم تنازلات إلى القادة الصحراويين من اجل تمرير خطتهم، وإلا فإنهم بدأوا المفاوضات كوسيلة لكسب الوقت أو باعتبارها مناورة سياسية منهم، وهذا الأمر سوف يتضح في الجولة المقبلة من المفاوضات.

كاتب مصري