هناك عبارات ومصطلحات يرددها كثير من المسؤولين العرب وتنقلها غالبية وسائل الإعلام صارت أقرب إلى الكوميديا السوداء.. هي عبارات جميلة وجيدة، لكن ولأنها في الحقيقة لاتعني شيئاً على أرض الواقع، بل هي مخالفة له تماماً، أصبحت تثير في رأسي صداعاً كلما سمعتها، صداع يتحول إلى حالة من الصدع في بعض الأحيان، ورغبة في خبط رأسي في اقرب حائط يقابلني.
تعالوا نتأمل بسرعة بعضاً من هذه العبارات والمصطلحات التي يرددها كثير من مسؤولينا العرب ليل نهار، ونحن بدورنا نرددها خلفهم في وسائل الإعلام، ثم يزداد حالنا بؤساً: العالم لا يحترم إلا الكيانات والتكتلات الكبيرة.. عبارة يقولها غالبية المسؤولين العرب ليل نهار، في إشارة إلى ضرورة الوحدة الاقتصادية العربية، لكن نظرة خاطفة إلى الواقع تقول انه كلما رددنا هذه العبارة زاد حجم تعامل كل دولة عربية منفردة اقتصادياً مع الخارج وقل تعاملها مع شقيقاتها العربيات.
السلام القائم على العدل.. نقولها كل لحظة في معرض صراعنا مع عدونا الأزلي إسرائيل، وبدلاً من العمل على تحقيق ذلك، يقوم بعضنا بنصرة إسرائيل احياناً ضد حركة حماس الفلسطينية أو حزب الله اللبناني. العالم لا يحترم الضعفاء، أو بعبارة وصياغة أخرى «إذا أردت السلام فاستعد للحرب»، هذه العبارة اسمعها منذ بدأت أعي القراءة،
ومن يومها وتحديداً بعد حرب أكتوبر 1973، نشتري نحن العرب الأسلحة ونكدسها، ولم نستخدمها مرة واحدة ضد العدو الذي يستحق أن نوجهها إليه، استعملنا هذه الأسلحة كثيراً في حروبنا الأهلية، أو صدأت الأسلحة في المخازن، وجرى استيراد أسلحة أخرى أحدث منها وهكذا، حتى صار السلام هو خيارنا الاستراتيجي الوحيد.
الدم الفلسطيني خط أحمر، عبارة كانت حتى شهور قليلة مضت حقيقية وصادقة، حتى جاء الوقت ليصبح هذا الدم خطا أخضر ومفتوحا، يقتل الفلسطيني أخاه، بينما يقوم الإسرائيلي بقتل الاثنين معاً، تبدأ الوساطات ويتفق الفرقاء، لكن كل طرف يضمر لأخيه شراً في قلبه.
وحدة وسيادة العراق، مصطلح بدأنا نردده منذ الاحتلال الأميركي الكارثي للعراق في ابريل 2003، ومن يومها فإن السياسة العربية أو لنقل معظمها المنفذة على أرض الواقع تعمل على تقسيم العراق، وفي أحسن الأحوال فإنها تقف متفرجة ببلاهة منقطعة النظير وهي ترى العراق يضيع من أمته.
«العلاقات المتميزة بين الأشقاء» أو «بلدي الثاني..» عبارة نسمعها بصدد العلاقة بين أي دولتين عربيتين، لكن الواقع يخبرنا عكس ذلك تماماً، هذا التميز لا نراه إلا في البيانات الإنشائية التي تعقب المباحثات، لأن المواطن العربي البسيط عندما تقوده قدماه إلى غالبية منافذ الدخول في الدولة الشقيقة ذات العلاقات المتميزة مع دولته يدرك حقيقة الأمر.
«نحن نعيش عصر الريادة الإعلامية»، عبارة تسمعها من كثير من المسؤولين في بعض البلدان العربية، وعندما تدقق في الأمر تكتشف أن غالبية وسائل إعلامنا صارت أشبه بالطابور الخامس الذي يدمر الأمة من داخلها. ما سبق هو عينة بسيطة وسريعة من العبارات الطنانة والجوفاء التي يرددها بعضنا صباحا ومساء، وحصر هذه العبارات يحتاج كتبا ومجلدات بسبب كثرتها،
والكارثة أن بعض المسؤولين العرب يعتقد جازماً أن كثرة ترديد هذه العبارات قد يحولها إلى واقع، أو أن الناس سوف تصدقه وهو لا يدرك أن الذي يعمل فعلاً لا يتحدث كثيراً أو يطنطن بمثل هذه العبارات الجوفاء. العبارات جوفاء لأن غالبية السياسات في وطننا الكبير جوفاء، أو بعبارة أدق لا توجد سياسات حقيقية أو مشروع وطني فعلي، وعلى حد تعبير كاتب عربي كبير كيف لدولة أن تتحدث عن محاولتها دخول عصر التكنولوجيا النووية وهي لا تستطيع تنظيف بعض شوارعها من القمامة!!!
Emadiraqi@yahoo.com