الكلمة المسموعة والمرئية تتعرض للاغتيال في العراق. حملة الأقلام والميكروفونات والكاميرات، يدفعون حياتهم ثمناً للبحث عن حقيقة ما يجري فوق أرض الرافدين التي لم تجف حمامات الدم على امتدادها على مدى قرابة الثلاث سنوات.

شهيدة الكلمة الزهرة العراقية أطوار بهجت، مراسلة قناة العربية الفضائية، واحدة من هؤلاء الأبطال الذين يقومون بتغطية الأحداث فوق الأرض التي تسيل دماً. سقطت في الميدان وهي تؤدي واجبها الصحافي. دفعت حياتها ثمناً للبحث عن الحقيقة. والقتلة السفاحون عندما ذبحوها بدم بارد لم يفرقوا بين شيعة وسنة.

كانت الشهيدة أطوار، التي يعرفها العراقيون، لديها من الأسباب ما لا يجعلها هدفاً لأولئك الذين يتلذذون بإزهاق أرواح العراقيين صبحاً ومساءً، كما قالت صحيفة «التايمز» البريطانية، فنصفها سني ونصفها الآخر شيعي، وهى من مواليد مدينة سامراء، ويعرفها العراقيون كمراسلة صحافية. ولاؤها الأوحد للحقيقة بحلوها ومرها. ومع ذلك أطلق القتلة عليها نيرانهم في طريق يعلوه الغبار على بعد عشرة كيلومترات شمال مسقط رأسها، بينما كانت تستعد لإعداد تقريرها حول الجريمة النكراء التي استهدفت قبة مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري بمدينة سامراء.

بأي ذنب قتلت أطوار هي وزميلاها الشهيدان المصور خالد محمود ومهندس البث عدنان خيرالله؟ إن الإرهاب الأسود الذي ابتليت به أرض الرافدين لا يفرق بين شيعي وسني ولا أي طرف له صلة بالمأساة العراقية التي تدمي قلوب كل العرب والمسلمين. لقد صار أصحاب الكلمة وحملة الأقلام هدفاً لهؤلاء الموتورين الذين يعيثون في أرض الرافدين قتلاً وتخريباً.

الأرقام تشير إلى أن 72 صحافياً لقوا حتفهم في العراق منذ بدء الحرب في مارس 2003، ومعظم الضحايا، كما يقول تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود»، من أبناء هذا الوطن المنكوب، وفقدت قناة «العربية» وحدها 11 إعلامياً.

نزيف الدم لا يتوقف، وحملة الأقلام والكاميرات الذين يفتشون عن الحقيقة، لن يتوقفوا أيضاً عن أداء واجبهم المقدس حتى لو دفعوا الثمن مثل الشهيدة أطوار وزميليها.

ويبقى أن نسأل: إلى متى ينزف العراق ونحن العرب لا نرد على ما يحدث سوى بالشجب والاستنكار والرثاء، وكأن هذا البلد الغالي لا يعنينا من قريب أو بعيد.

العنف الدامي الذي يبطش بأرض الرافدين لم يعد يحتمله المواطن العراقي البسيط الذي لا يجد مغيثاً لانتشاله من حالة الانفلات والفوضى الأمنية التي لم تستطع قوات الاحتلال ولا القوات العراقية أن تكبحها.

المشهد الدامي المفجع الذي شاهدناه منذ الأربعاء الماضي، لا يبعث على التفاؤل على الإطلاق. ما نراه بات ملحمة يومية كتبت على المواطن العراقي الصابر، وكأن قدره أن يعتاد الحياة وسط نزيف الدم الذي يسيل على أرضه.

هل آن لأشقاء العراق على امتداد الوطن العربي الكبير أن يتحركوا لإغاثة أبناء الرافدين؟