في غضون السنوات الأخيرة، بدأت استحقاقات العمر تقطف كوكبة من كبار الشخصيات العربية في غير ميدان ومكان، هكذا في حجرة الغرف والتأمل الأخير رحل ياسر عرفات، وكأن عصراً كاملاً رحل. تصادف هذه الأيام الذكرى السنوية لرحيل ياسر عرفات، ذلك الوجه الطافح بالحزن الفلسطيني، دقيق الملامح.

الذي تعلوه غيمة من الحزن والكآبة حين ينكسر الحلم. يحمل في صوته، دفء فلسطين وحنين اللاجئ الظامئ إلى برتقال الوطن. وخفقات الأشرعة التي عشقها، عاش كالسندباد مغامراً.. مسافراً.. بين امتدادات الوطن العربي، غصن الزيتون بيد والكلاشينكوف بالأخرى.

عرفات الذي جسد بكوفيته الحلم والطموح الفلسطيني سيبقى أحد المآثر الكبرى للشعب الفلسطيني. الرقم الصعب، ليس من السهل في هذه الفترة تعويضه حيث استطاع عبر أربعة عقود أن يحكم قبضته على كل المفاتيح لحل القضية الفلسطينية.

والمتحكم بشبكة قوية على المستوى الوطني، وكذلك على المستوى الإقليمي والدولي. وبرحيل »الختيار« خسرت فلسطين قائداً ومؤسساً ورمزاً من رموز النضال الوطني الذي كان له الفضل في تعزيز الكيانية الفلسطينية، عاش طيلة سنواته العشر الماضية يترنح بين حلم الدولة.

وآمال الثورة دون أن يتمكن من تحقيق حلم الشعب الفلسطيني برؤية وطنهم محرراً ومستقلاً، ودون أن يتمكن من العودة إلى مرحلة الثورة رغم كل الدعوات في الساحة الفلسطينية بالتمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية، الهوية والكيان.

رغم كل ما يقال عن ياسر عرفات، إلا أنه استطاع بذكائه وحنكته ومواهبه المتعددة أن يسير المركب الفلسطيني منذ حوالي أربعة عقود إلى تعزيز مكانة القضية الفلسطينية على مستوى الساحة الدولية.

فلا يجوز أن نبخس نضالاته وتضحياته وإنجازاته، أبو عمار جسد عبر سنوات نضاله، حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها، باعتباره حامياً للحلم الفلسطيني، فقد عبر عن طموحات وأماني الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.

وعمل بدأب ودون كلل، وبعناد، وحكمة، وحنكة على معالجة كل المشكلات التي كانت تواجه مسيرة الثورة الفلسطينية الشائكة والمعقدة والمتداخلة مع مشكلات إقليمية، ومطامع التدخلات السافرة في شؤونها وإدارة دفتها.

كان رحمه الله متمسكاً بالثوابت الوطنية الفلسطينية والهدف الوطني الفلسطيني، لذلك اكتسب بحق شرف تمثيل الشعب الفلسطيني، وكان عنواناً جامعاً في مختلف محطات النضال للإرادة الفلسطينية.

وفي أحلك الظروف التي مرت على الشعب الفلسطيني، لم يدخل اليأس قلبه ولا عرفت نفسه الجزع. ولم يفارقه التفاؤل أبداً بأن الشعب الفلسطيني قادر على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين.

فلنؤكد خطوات »الختيار« رحمه الله نحو المستقبل، بالمحافظة على القيم والمبادئ في حق العودة وتقرير المصير، ففلسطين التي عاش ومات من أجلها أبو عمار بحاجة إلى مواصلة الدرب من خلال التمسك بالثوابت الوطنية مرسخين بذلك حقنا المشروع في إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة دون تفريط بحقوق شعبنا في حق العودة إلى دياره التي شرد منها.

ستحمل رفاتك يوماً إلى القدس، فنم قرير العين، وعزاؤنا أنك حاضر أبداً في ضمير الشعب الفلسطيني، فذاكرة الشعوب تقسط بالعدل وتنصف وتحفظ.