اعتاد المجتمع الدولي على تجاهل تهديدات كوريا الشمالية المتكررة والمصاغة بلهجة حكام روما إبان العهود الغابرة. لكن تطوراً جديداً طرأ في الآونة الأخيرة يرسم أكثر من إشارة استفهام بشأن الريادة الأميركية التي بدأت مطلع تسعينات القرن الماضي بفضل 12 عاماً من حكمٍ حصيفٍ وغير متراخٍ لإدارتي رونالد ريغان ونائبه جورج بوش الأب الجمهوريين.
فأن يتوعد زعيم بيونغيانغ كيم جونغ أون، البالغ من العمر 29 عاماً، الأراضي الأميركية بضربة نووية اختار لها مصطلح «وقائية»، وهو التعبير الذي دأبت واشنطن على استخدامه سابقاً في تبرير هجماتها ضد من يهدد أمنها القومي، وأن تضطر واشنطن إلى تعزيز دفاعاتها الصاروخية في ولاية ألاسكا رداً على ذلك، فلهذا دلالات مقلقة عن التأثيرات المستقبلية لحكم الرئيس الديمقراطي باراك أوباما على التوازن الدولي.
ومن الجلي أن «غضبة» الكوريين أتت بعد تمحيصٍ دقيق في مواقف أوباما المترددة بخصوص التدخل في ليبيا ومالي وسوريا، وانفتاحه على أنظمة مثل ميانمار وإيران وكوبا مجاناً في أو مقابل تنازلات غير جوهرية.
تهديد وتغلغل
ولم يكن تهديد بيونغ يانغ في نهاية المطاف سابقةً معزولة، إذ لم يستبعد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية نيكولاي ماكاروف قبل نحو عام بأن تستهدف بلاده منشآت الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا بضربة «استباقية»، في حين يركض أوباما وراء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنيل موافقته على توقيع اتفاقية تخفيض إضافي لترسانة البلدين النووية، من دون نتيجةٍ.
وما بين «الاستباقية» الروسية و«الوقائية» الكورية الشمالية، تغلغلت الصين بين ثنايا الاقتصاد الأميركي مع امتلاكها نحو خُمس سندات الخزينة الأميركية، لتصبح قيمة الدولار في السوق رهن إشارة بكين، حتى بات الأميركيون يتندرون بوجوب تغيير عبارة «في الله نحن نثق» المطبوعة خلف الدولار إلى «في الصين نحن نثق».
تخفيض وارتفاع
ومع كل ذلك، يصر أوباما، بعقليته اليسارية المنفصلة عن الواقع، على تخفيض النفقات العسكرية بما يعادل 510 مليارات دولار على مدى الأعوام العشرة المقبلة، تضاف إلى 800 مليار خفضت فعلاً بين 2008 و2012، ما سيعني جيشاً أميركياً هو الأقل عدداً منذ الحرب العالمية الثانية، براً، والأقل منذ الحرب العالمية الأولى، بحراً.
وفي المقلب الآخر، ارتفعت صادرات موسكو من الأسلحة لتزيد عن 15 مليار دولار في 2012، وتصل حتى الشهر الثالث من العام الجاري إلى 2.5 مليار دولار.
أما الصين، المتوسعة إفريقياً والمتمددة أفغانياً استغلالاً للانسحاب العسكري الأميركي المرتقب في 2014، فتشير التوقعات إلى أنها في طريقها إلى التفوق في حجم الإنفاق العسكري على بلاد العم سام في غضون عشرين عاماً، في وقتٍ تتغاضى عن البرنامج النووي لحليفتها كوريا الشمالية، رغم مسايرتها واشنطن في سياسة العقوبات الاقتصادية غير المجدية على بيونغيانغ إثر تجربتها النووية مؤخراً.
ومن هنا، يُفهم السبب وراء امتلاء ملاعب كرة القدم بإعلانات «غاز بروم» الروسية، أكبر شركة تستخرج الغاز الطبيعي في العالم، وغزو شعارها قمصان الأندية المختلفة، بينما تتلاشى دعايات «مكدونالد»، التي اعتاد الجميع على رؤيتها، في ظل تقهقر النفوذ الأميركي بإرادة أوباما وخياراته المتهورة وتساهله مع أعدائه ليس إلا.
فهل تمهد «بريسترويكا» الرئيس الأسود لإطلاق عصر «غاز بروم» وحقبة «باكس روسيانا» بدلاً من «باكس أميركانا»؟.
