بعد ما يزيد على عامين من الثورة الليبية، لا تزال الشرطة والجيش في ليبيا ضعيفين وبلا مضمون. ويعاني هذان الجهازان، اللذان أهملهما الرئيس الليبي السابق معمر القذافي لصالح وحدات أكثر ولاء يقودها أبناؤه، من سوء التجهيز ونقص العناصر والتضخم في الرتب العليا والتلطخ بارتباطه بالنظام القديم. وفي محلهما حلت الميليشيات الثورية الليبية الـ300، وهي الجماعات التي حاربت في ثورة عام 2011 التي أطاحت بالقذافي، أو نشأت في أعقاب تلك الثورة.

ومنذ فترة وجيزة، اقتحمت حشود من المتظاهرين في بنغازي مقر إحدى الميليشيات التي ترعاها الحكومة الليبية، وهي "درع ليبيا"، التي أطلق أعضاؤها النار، ما أسفر عن مقتل 27 شخصا على الأقل. وكانت تلك الحشود، التي سئمت الوجود الطاغي لـ"درع ليبيا"، قد طالبت بأن يأخذ الجيش والشرطة مكانها. وكان ذلك تذكيرا محبطا بالصفقة الخاسرة التي أبرمتها الحكومة الليبية الهزيلة والمكسورة مع الميليشيات.

وتمثل "درع ليبيا" جزءا من كوكبة من الميليشيات التي نشأت في بنغازي خلال الثورة. وقد سقطت بعض هذه الجماعات المسلحة تحت سلطة الحكومة، فيما لم تسقط غيرها، مثل أنصار الشريعة.

في أواخر عام 2011، حاولت الحكومة الانتقالية الليبية، التي كانت مجردة من وسائل ممارسة السلطة وتوفير الأمن، استمالة الميليشيات وإخضاعها لسيطرة رئيس أركان الجيش ووزارة الداخلية. وبذلك ولدت "درع ليبيا" واللجان الأمنية العليا.

وعلى امتداد البلاد، تلعب تلك اللجان و"درع ليبيا" دوري شرطة وجيش فعليين: فتعتقل تجار المخدرات، وتجري دوريات في الحدود الغربية والجنوبية، وتحاول وقف القتال القبلي في المحافظات الليبية. ولكنها تصبح، على نحو متزايد، قانوناً في حد ذاتها، ساعية وراء أجندات إقليمية وقبلية ومتشددة وإجرامية في بعض الأحيان.

اقتراح جذاب

وأخيراً، تحدث رئيس الوزراء الليبي علي زيدان، المنعزل بدرجة متزايدة، إلى الولايات المتحدة حول تدريب قوة عسكرية للأغراض العامة، تتألف بالكامل من عناصر جديدة من خارج الميليشيات. وللوهلة الأولى، يبدو هذا الاقتراح جذابا - تدعيم جيش "حقيقي" ليواجه المتطرفين، ويقنع الميليشيات بالتخلي عن السلاح والاندماج في المجتمع. ولكنه محفوف بالمخاطر، ويمكن أن يلقي بالبلاد في صراع أعمق.

والمطلوب، بدلا من ذلك، هو عقد اجتماعي جديد من شأنه التوفيق بين الفصائل الليبية، وإنتاج حكومة ذات شرعية حقيقية. وقد كانت الانتخابات البرلمانية التي أجريت العام الماضي خطوة أولى مهمة على ذلك الطريق. وتنم خطة يدرسها البرلمان الليبي لدمج الميليشيات في قوة وطنية واحدة، إلى حين تعزيز الجيش النظامي، عن حكمة أيضا. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة لا تخلو من العيوب، فإنها تحمل الأمل الأكبر بإقناع الميليشيات بالعودة إلى مظلة الدولة.

دستور واضح

وسوف تحتاج ليبيا، بعد ذلك، إلى دستور يوضح خطوط القيادة للجيش، ويلغي مركزية السلطة لتصل إلى حكومات البلديات. فالدستور، بالنسبة إلى العديد من الميليشيات، وخصوصا الميليشيات المتشددة في بنغازي، يمثل شرطا أساسيا لأي نزع للسلاح واندماج.

وقد أخبرني بعض قادة الميليشيات، أخيرا، محتذين بالنموذج الأميركي، بأنه يتعين على ضباط الجيش الليبي أن يتعهدوا بالدفاع عن الدستور، وليس عن رئيس الدولة. ذلك هدف نبيل. فالمسارعة إلى إنشاء حرس إمبراطوري جديد مع خطوط سلطة غير واضحة وحد أدنى من الدعم الشعبي ليست هي الحل.

 

جذور الأزمة

لا يعالج اقتراح رئيس الوزراء الليبي علي زيدان جذور الأزمة الليبية، بما في ذلك التنمية الإقليمية غير المتوازنة، والبطالة، وانعدام الشفافية في الحكومة، والتوترات بين النخب الليبية التي ساعدت نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، وبين تلك التي اضطهدت من قبله. وهذه مشكلات لا يمكن مواجهتها وجها لوجه بقوة مسلحة أخرى.