صادفت أخيرا الذكرى السنوية العاشرة لبدء الحرب العراقية، وعلى الرغم من إنفاق اكثر من تريليون دولار على تلك الحرب، إلا أن العراق يبقى، بعد عقد من الزمن، دولة مجبولة بعدم الاستقرار والانقسام.

والحرب كانت خطأ قاتلا، والاعتراف بهذا الأمر لا ينتقص من وطنية البريطانيين بأي شكل من الأشكال، فالتدخل لم يكن قانونيا في إطار القانون الدولي.

كان المجتمع الدولي منقسما بشكل حاد قبل فترة طويلة من انطلاق أول صفارة إنذار للتحذير من غارة جوية فوق بغداد. في بريطانيا، سار مليون شخص في الشوارع، ورفضوا البقاء صامتين فيما كانت الحرب تشن باسمهم. وانشق بعض الشجعان، بما في ذلك أكاديميون وخبراء ومسؤولون حكوميون وطواقم عسكرية وصحافيون، عن الجموع الغفيرة للتحذير من أخطار الصراع المسلح.

التدخل الإنساني

ولقد دمرت حرب العراق الثقة بمبدأ التدخل الإنساني وحسنت فرص نجاح الانعزاليين. لكن الفشل في العراق لا يغير مسؤوليتنا الجماعية في دعم الحرية وحماية حقوق الإنسان حول العالم برغم التشكيك فيها. وعدم القيام بأي شيء يمكن أن يكون سيئا بقدر خوض مغامرة شهمة. والمسألة تبقى طريقة التدخل وتوقيته، وهذه دوما عبارة عن أحكام صعبة.

ولا توجد توجيهات سهلة للسياسيين ليسيروا عليها. لكن هناك أربعة اختبارات يجب تطبيقها دوما، ويمكن تلخيصها بالأسئلة التالية: هل يعد التدخل قانونيا؟ وهل يتطلب دعما محليا وإقليميا؟ هل نحن واثقون من أن التدخل سوف يرفع معاناة السكان؟ وهل تقف الأمم المتحدة وراءه؟ أو في ظل غياب الموافقة من الأمم المتحدة، هل توجد أسباب للتدخل على أرضية إنسانية واضحة؟

وحكومة الائتلاف التزمت بهذه الاختبارات. في سبتمبر 2010، كان خطاب بريطانيا إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة، واضحاً بأننا تعلمنا دروس العراق وعازمون على المضي قدما ببريطانيا في سياسة خارجية متشددة قائمة على القيم الليبرالية. ونحن فخورون بسجلنا في سنوات التدخل.

في ليبيا، استخدمت بريطانيا الغارات الجوية والقوات الخاصة على الأرض لإزالة دكتاتور وحشي، لكن، بإلحاح أكبر، من أجل تجنيب سكان بنغازي المجزرة. ولقد حققنا الهدفين، وذلك بالشراكة مع الدول العربية وحلفائنا في أوروبا وأميركا. وفي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضمنت بريطانيا تفويضا قويا لعمل عسكري، وأصدر النائب العام نصائحه بشأن الأسس القانونية لنشر قواتنا في ليبيا.

والتدخل لم ينتج مجتمعا منسجما وديمقراطيا في ليبيا فجأة، ولا يمكننا أن نضمن حدوث ذلك، ونحن نعمل بقوة لدعم الحكومة الجديدة في ليبيا والشعب الليبي، لكننا واقعيين، فمستقبلهم هو إلى حد بعيد في أيديهم. وكانت بريطانيا أيضا القوة الدافعة وراء جهود الاتحاد الأوروبي للرد بإيجابية على الربيع العربي ككل.

وأخيرا في مالي، حيث شكل الفرنسيون رأس الحربة، تمكن المجتمع الدولي من صد متمردين خطيرين يهددون دولة فقيرة ويسعون إلى تحويل المنطقة إلى ملاذ للإرهاب.

وتلك الاختبارات تحققت هناك: الدعم القانوني والمحلي والإقليمي لرفع المعاناة وطلب الدعم من الأمم المتحدة.

اختبار المبادئ

وحاليا، فان انتباه بريطانيا مسلط بالتأكيد على سوريا. والوضع هناك يختبر مبادئنا إلى اقصى حد. لماذا لا نتدخل بجرأة اكثر في سوريا؟ وهذا سؤال يجب أن نساله على أنفسنا كل يوم، ونقيم باستمرار ما بإمكاننا القيام به، وأين يقع ميزان الخطر.

وحتى الآن، تبقى الحقيقة أن الأمم المتحدة منقسمة، ونحن حكمنا على أن الخطر الذي يفرضه تدخلنا العسكري أو تدخل حلفائنا مرتفع جدا وسيقود إلى وضع معقد على الطراز العراقي. وفوق كل شيء، لم يكن واضحا بشكل كاف أن التدخل سيحسن الوضع الإنساني.

لكن يفترض بنا أن نبذل أقصى إمكانياتنا، وهذا ما نقوم به، لمساعدة أولئك الذين يعارضون الرئيس السوري بشار الأسد، ولتخفيف معاناة الشعب السوري. وكانت بريطانيا جهة مانحة رئيسية تؤمن المساعدة إلى اللاجئين السوريين.

وأخيرا، أعلنت وزارة الخارجية أن بريطانيا إلى جانب شركائها، سترسل المزيد من المعدات غير القاتلة إلى المعارضة السورية. ولقد رفضنا عن حق أي استبعاد للمضي قدما، إذا تغير ميزان المخاطر.

وانا واع بكل الذرائع الممانعة لتخفيف حظر الاتحاد الأوروبي المفروض على الأسلحة. أولا، يفترض أن تكون الحلول سياسية وليست عسكرية، لكن الواحد لا يستبعد الآخر. ثانيا، هناك خطر أن تنتهي الأسلحة في الأيادي الخطأ، لكن هذا تحديدا ما يحصل الآن.

ثالثا، هذا قد يشجع زيادة إمدادات الأسلحة من روسيا إلى النظام السوري، لكن النظام لا تنفد منه الأسلحة في هذه اللحظة، بل يجري إعادة إمداده بها بشكل منتظم. ولا توجد خيارات سهلة، بل مجرد خيارات صعبة.

ويجب أن تدفعنا الحاجة إلى رفع المعاناة عن الشعب، وتفادي بكل الوسائل أي عمل يمكن أن يزيد المعاناة ويطول أمد الصراع. لكن ما كنا نقوم به إلى الآن لم ينفع، والبرهان على ذلك هم ألوف القتلى والجرحى السوريين.

والوضع في العراق يدفعنا لأن نكون يقظين لتعقيد الوضع في سوريا، في ظل وجود جماعات المعارضة المختلفة والأجندات المتنافسة، لكن هذا لا يعني الامتناع عن القيام بشيء. ولقد طرحت أسئلة عدة للتوصل إلى عمق ما حصل على نحو خطأ في العراق، ويفترض أن يقدم تحقيق لجنة "تشلكوت" الإجابات النهائية.

وفي هذا الإطار، يتعين علينا أن نضمن أن الهيكلية القانونية التي نعمل في إطارها لا لبس فيها. ويتعين أن نؤمن المزيد من الشفافية، فنحن ندين لقواتنا المسلحة ولكل من سار ضد الحرب العراقية بأن نعمل بوعي وهدوء لعالم اكثر سلما واستقرارا.

المسؤولية الجماعية

 

حجة الغزو المعطاة من قبل حكومة رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، امتلاك الرئيس العراقي صدام حسين أسلحة الدمار الشامل، أثبتت أنها غير صحيحة. والتدخل أدى إلى سنوات من عدم الاستقرار والعنف الطائفي والتشدد الديني داخل العراق وما وراءه، وعزز قوة الدول الإقليمية في زعزعة استقرار جيرانها وقوض مصداقية الأمم المتحدة.

 ولقد دمرت الحرب في العراق الثقة بمبدأ التدخل الإنساني وحسنت فرص نجاح الانعزاليين. لكن الفشل في العراق لا يغير برأي نائب رئيس الوزراء البريطاني السابق، نيك كليغ: "مسؤوليتنا الجماعية في دعم الحرية وحماية حقوق الإنسان حول العالم".