في 9 أبريل 2003، سقطت بغداد بيد تحالف تقوده أميركا. وكانت الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين وثيقة الصلة بسقوط سلسلة متتالية من الدكتاتوريين العرب في عام 2011، وهذه الحقيقة جرى التغاضي عنها بشكل واسع بسبب العدائية التي ولدتها حرب العراق.
وكان عدد محدود من الشباب والشابات الشجعان وراء الربيع العربي على استعداد للإقرار علناً باحتمال وجود رابط بين ثوراتهم ونهاية الحكم الدموي لصدام حسين منذ 10 سنوات، وفي معظم الأحيان، نفى الناشطون بقوة أن تكون مطالبهم بالحرية والديمقراطية، الأساسية ومحلية المنشأ، لها أي علاقة بحرب العراق التي اعتبروها غير شرعية وإمبريالية.
عودة إلى التاريخ
ولرؤية العلاقة بين الإطاحة بصدام حسين عام 2003 والإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك عام 2011، يفترض العودة إلى عام 1990، عندما غزا الجيش العراقي الكويت، وما تلا ذلك من حرب الخليج الأولى.
ويميل الناس إلى الالتفاف حول قادتهم عندما يواجهون هجوما خارجيا، لكن ملايين العراقيين انتفضوا ضد صدام حسين بعد حرب عام 1991، وفعلوا ما لم يكن في الحسبان، إذ دعوا القوات الأجنبية التي كانت تقصفهم لمساعدتهم في التخلص من دكتاتورهم.
والرد الوحشي لصدام حسين على انتفاضة 1991 أدى لمصرع عشرات الألوف من العراقيين، وللمرة الأولى تحول خطاب نظامه الذي يدعى بالقومية العلمانية، إلى خطاب طائفي بكل وضوح، وكان مقدمة لما نراه في سوريا اليوم. وكان يتعين حينئذ أن يلقى العراقيون حتفهم زرافات ووحدانا، فيما يعاد إحياء النظام العربي بالقوة من قبل الجيوش الغربية. وتلك الوفيات بين العراقيين كانت بروفة أولية لما سيجري في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط لاحقا.
حققت حرب الخليج الأولى أهداف أميركا، لكن الشعب العراقي دفع ثمن هذا النجاح، فقد ترك هذا الشعب يعاني من عقوبات دولية على امتداد 12 سنة إضافية. وبحلول لحظة الغزو الأميركي عام 2003، كانت الطبقة الوسطى العراقية قد استنزفت، ومؤسسات الدولة قد التهمت، وتعززت مشاعر عدم الثقة والعدائية تجاه أميركا.
وكل من إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش والمعارضة العراقية لصدام حسين في الخارج، بخسا كثيرا من الثمن الباهظ الذي دفع خلال عملية الاستعداد للحرب عام 2003. لم نكن نعلم حينئذ ما نعلمه اليوم. بعضهم حذر من مخاطر غطرسة أميركية. لكن الغطرسة الكبرى كانت التفكير أن ما تفعله أميركا أو ما لا تفعله هو كل ما يهم. واللوم عن الكارثة العراقية بعد 2003 يجب أن يلقى على النخبة السياسية العراقية الجديدة. فعلى الرغم من التحذير من خطر اندلاع صراع طائفي بعد سقوط صدام حسين في عام 1993 ، فإن سوء التقدير الأكبر كان الأمل في أن يتصرف قادة العراق الجدد لصالح العراق مجتمعا.
حقيقة أساسية
ومع كل حماقات غزو العراق لإدارة بوش، إلا أن الغزو كشف عن حقيقة جوهرية في السياسة العربية الحديثة، وهي أن دعم واشنطن طويل الأمد للأوتوقراطية والدكتاتورية في الشرق الأوسط، وهو مبدأ أساسي في السياسة الخارجية الأميركية على مدى عقود، ساعد في تغذية مشاعر الضيق السياسي العميق في المنطقة. وبحلول 2003، لم يعد هذا الدعم مستداما سياسيا.
وكان نظام المعتقدات الذي مثله صدام حسين قد تحجر قبل فترة طويلة من عام 2003، وخسر القدرة على إلهام الناس. وبالتالي، بالكاد كانت هناك حرب للتحدث عنها في عام 2003. والهيكل الرهيب لصدام انهار تحت ثقله، ولقد تفكك الجيش نفسه، حتى قبل أن يقوم الحاكم الطاغية بول بريمر بإصدار أمره الشائن وغير الضروري بطرد أعضاء حزب البعث من الجيش.
وإسقاط صدام حسين وضع النظام الذي كان يشكل جزءا لا يتجزأ منه تحت التمحيص. وإذا كانت حرب عام 1991 حول إعادة إحياء النظام العربي، فإن حرب 2003 طرحت شكوكا حول شرعية النظام نفسه.
ولقد جعل الثوريون الشباب الصراع ضد الدكتاتوريات أولوياتهم السياسية، تماما كما حاول العراقيون عبثا أن يفعلوا ذلك منذ 20 سنة بعد حرب الخليج الأولى. وبالتالي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، طالبت حركة جديدة لا زالت تتشكل بنظام سياسي يستقي شرعيته من المواطنة الحقة. وكل ما كان يطالب به بائع الخضار التونسي محمد بو عزيزي في ديسمبر 2010 كان الكرامة والاحترام. وهكذا بدأ الربيع العربي، وقد فسح إسقاط أول دكتاتور عربي وهو صدام حسين، المجال أمام الشباب في تخيل هذا الأمر.
دروس العراق
والربيع العربي يتحول الآن إلى شتاء عربي، فقد انقلبت القواعد القديمة التي حكمت السياسيات العربية رأسا على عقب، وهنا أيضا يقدم العراق دروسا.
استخدم صدام حسين الطائفية والقومية كأداتين ضد أعدائه في الداخل عندما كان ضعيفا. والأحزاب الشيعية العراقية اليوم تفعل أسوأ من ذلك، إنها تظهر حكمها المبني على أسس طائفية. وفكرة العراق كدولة متعددة العرقيات تم هجرها، والدينامية نفسها تعمل الآن في سوريا.
وتزيد الحرب في سوريا من تقويض شرعية مجمل النظام العربي. وسوف تستمر هذه الحرب حتى زوال الأسد وربما الدولة التي نعرفها كسوريا أيضا. وقصة النجاح الوحيدة يبدو أنها تعود للأكراد، الذين بنوا منطقة مزدهرة شبه مستقلة في شمال العراق قد تستدعي استقلالا في نهاية المطاف للحفاظ على نجاحاتها.
تصدع الهيكل
بعد عام 2003، بدأ هيكل النظام العربي في التصدع في أماكن أخرى خارج العراق. في عام 2005، سار ألوف اللبنانيين في الشوارع لإخراج الجيش السوري، وتمتع الفلسطينيون بأول انتخابات حقيقية، ولوى المسؤولون الأميركيون ذراع الرئيس المصري حسني مبارك للسماح للمصريين بانتخابات لا يتخللها الكثير من التزوير في عام 2006، وبدأ نوع جديد من الكتابات النقدية في الانتشار على الإنترنت.
وبدأت العقلية السياسية العربية في التغير أيضا، والأفكار السياسية العربية المشروعة ما بعد 1967، العروبة والكفاح المسلح ومعاداة الإمبريالية الصهيونية، وهي الأفكار التي تشكل دعامة النظامين العراقي والسوري، كانت تحتك بحقائق الحياة تحت سلطة صدام حسين. ولقد جعل الثوريون الشباب الصراع ضد الدكتاتوريات أولوياتهم السياسية، تماما كما فعل العراقيون عبثا منذ 20 سنة بعد حرب الخليج الأولى.
