في تطور جديد حول الأزمة السورية، اجتمع معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض مع وزيري الخارجية الروسي والإيراني في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي اختتم أعماله مؤخرا وذلك في أول اجتماع مباشر له مع مسؤولين بارزين من هاتين الدولتين، ما يبعث بصيص أمل في إمكانية فتح باب الحوار لحل هذه الأزمة الطاحنة.

وقال المحللون الصينيون إن إستعداد الخطيب للحوار وإمكانية توصله إلى "اتفاق ما" مع روسيا وإيران، وهما من أقوى حلفاء النظام السوري، لبدء حوار بين حكومة الأسد والمعارضة يمثلان في حد ذاتهما أمرا إيجابيا ويصبان في صميم مصلحة حل الأزمة السورية سياسيا. ومع ذلك، فإن تجسيد هذا الحوار على أرض الواقع ليس بالأمر الهين وإذا تحقق فسيكون نتاج "محصلة قوى" المجتمع الدولي بأسره.



-- تحول موقف المعارضة إيجابي وواقعي

وقد قال وو سي كه، المبعوث الصيني الخاص لقضية الشرق الأوسط، إن المعارضة السورية أدركت أنه من الصعوبة بمكان حل الأزمة السورية عسكريا، وبالتالي تحولت إلى السعي وراء حل سياسي وتوسيع الاتصال مع مختلف الدول، وهو ما يعد تطورا إيجابيا وموقفا واقعيا.

ولفت السيد وو إلى أن الجهات المعنية إذا قامت بتنحية المصلحة الذاتية جانبا وعملت إنطلاقا من مصلحة الشعب السوري بعد مرور عامين على الصراع ، يمكن أن تعى جيدا أن الحل العسكري لن يؤدي سوى إلى خسائر أكبر للجميع.

كما أوضح وو بينغ بينغ، نائب مدير قسم اللغة العربية بجامعة بكين، إن تحول موقف المعارضة يأتى من منطلق واقعي، مشيرا إلى إن استمرار الصراع بين الحكومة السورية والمعارضة طوال الـ23 شهرا الماضية جعل المعارضة تنتبه إلى أنه ليس في مقدور أى منهما التغلب على الجانب الآخر.

وكانت المعارضة السورية تعلق آمالا عريضة على تغير سياسة الأمن الأمريكية بعد إعادة انتخاب أوباما لفترة ولاية جديدة، ولكن بعد الانتخابات، اتضحت جليا السياسة الأمنية للولايات المتحدة تجاه المعارضة السورية حيث وعدت الأولي بتقديم دعم اقتصادي فقط للأخيرة والاحجام عن تزويدها بالسلاح ، ومن هنا أدركت المعارضة أنه من أجل التوصل لحل للأزمة في البلاد ، لا يمكنها الاعتماد على الولايات المتحدة والغرب فحسب، بل عليها الاستناد أيضا في ذلك إلى التواصل مع روسيا وإيران.

وشاطره ما شياو لين، الخبير فى شؤون الشرق الأوسط ورئيس موقع اتحاد كتاب المدونات في الصين، الرأي بشأن سبب تحول موقف المعارضة، قائلا إنه بعد عامين مضنيين من المواجهات العسكرية التي خاضتها المعارضة بغية الإطاحة بنظام الأسد، استيقظت المعارضة على ثلاث حقائق وهى أنه يصعب عليها الإطاحة بالنظام اعتمادا على قوتها الذاتية، وأن الصراع لن يصب في مصلحتها إذا ما طال أمده، وأن الدول الغربية ليست مستعدة في الوقت الحاضر للمجازفة بخوض عملية عسكرية مباشرة ضد نظام الأسد، ولهذا تحولت إلى التواصل مع روسيا وإيران سعي لإيجاد مخرج من الأزمة .



-- الطريق إلى الحوار طويل ووعر

وقد لاقت دعوة معاذ الخطيب ترحيبا واسعا لدى أطياف المعارضة السورية في الداخل، بيد أنها فجرت "قنبلة" في أوساط المعارضة السورية في الخارج التي ترفض تماما الحوار مع النظام وتطالب بتنحي الأسد كشرط للدخول في مفاوضات مع أشخاص سوريين محسوبين على النظام، معتبرة أن ما قاله الخطيب رأي شخصي لا يمثل الائتلاف .

وذكر ما شياو لين إن إعلان الخطيب رغبته في الحوار خطوة أولى وجيدة على طريق التسوية، ولكن الجلوس إلى طاولة التفاوض وإجراء حوار حقيقي وجاد سيتطلب قطع طريق صعب ووعر وسيستلزم أيضا وقتا طويلا .

ومن جانبه لفت وو بينغ بينغ إلى أن إمكانية بدء حوار كهذا تعتمد في جانب أساسي منها على انتهاء حالة الانقسام بين أطياف المعارضة، وشرح رؤيته قائلا إن الخطيب يمثل الطرف المعتدل في المعارضة التي مازال بداخلها قوى متطرفة نسبيا ترفض الحوار وتلجأ إلى السلاح وتضع تنحي بشار شرطا مسبقا للحوار، الأمر الذي لا يمكن أن تقبله الحكومة السورية.

واتفق ما شياو لين معه في الرأى بشأن الخلاف القائم بين مختلف أطياف المعارضة، مضيفا أن الخطيب لن يتنازل عن آخر "ورقة دعم" في يده ألا وهي تنحي الأسد حتى لا يفقد تأييد أطياف المعارضة الأخرى له.

وذكر ما شياو لين أن ثمة عوامل أخرى تؤثر على توجه الأزمة السورية، أبرزها الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا حول طريقة معالجتهما لها، حيث ترى الأولى أن "بشار لم يعد زعيما مناسبا للشعب السوري ولا بد أن يتنحي" فيما تتمسك الأخيرة بدعم الحكومة السورية وتصر على أن العقوبات أحادية الجانب والسعى للقيام بتدخل عسكري دون موافقة الأمم المتحدة لا يصبان في مصلحة حل الأزمة .

وأضاف ما شياو لين أن عدم رغبة الولايات المتحدة وروسيا في فقدان نفوذهما في بلد هام استراتيجيا مثل سوريا يجعل الأزمة تراوح مكانها حتى الآن.



-- "محصلة قوى" المجتمع الدولي.. وأهميتها في حل الأزمة

وأكد وو بينغ بينغ أن أهم شيء لبدء الحوار هو ترسيخ دعائم الثقة المتبادلة بين الحكومة والمعارضة وطرح برنامج قابل للتنفيذ، مضيفا أنه يتعين على الطرفين توحيد جبهتهما الداخلية للتحدث بصوت واحد إذا كانا يضمران نية حقيقية في الحوار.

وأضاف بقوله إنه من أجل حل الأزمة السورية سلميا، لا بد أن تتخذ كل من الحكومة والمعارضة موقفا صادقا وتنطلقا في الحوار دون تردد أو تراجع حتى لا تذهب جميع الجهود سدى.

ومع تفاقم الوضع السوري وتصاعد مخاوف المجتمع الدولي من عبور الأزمة السورية إلى خارج حدودها ولا سيما بعدما تحدثت تقارير إعلامية عن غارة شنها الطيران الحربي الإسرائيلي على مركز البحوث العلمية السوري، باتت جهود المجتمع الدولي من أجل تحقيق وقف إطلاق النار ضرورة ملحة للغاية.

وذكر وو سي كه أن المجتمع الدولي يراقب عن كثب في الوقت الراهن السياسة الخارجية التي لم تتضح معالمها بعد للحكومة الأمريكية الجديدة، وذلك رغم أعراب وزير الخارجية الأمريكي الجديد جون كيري عن رغبته في الدفع من أجل تسوية المأزق السوري سياسيا.

وأضاف قائلا إن روسيا والصين لا تدخرا جهدا في إيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا، وأكد أيضا على أهمية "محصلة قوى" المجتمع الدولي في تسوية الأزمة وقدرها على إنقاذ البلاد من براثنها.