خلال الفترة الماضية، اندلعت واحدة من أكبر المواجهات البحرية في السنوات الأخيرة بين الصين واليابان. قبالة جزر سينكاكو المتنازع عليها (التي تسمى دياويو في الصين)، و تعرض ما يصل إلى 20 سفينة مراقبة بحرية صينية إلى التعقب من قبل 50 زورقا لخفر السواحل اليابانيين، في الوقت الذي انتظر اليابانيون في حالة من التوتر لأسطول صيد قوامه ألف سفينة من الصين. وعلى الرغم من أن وصول الأسطول الخاص لم يظهر قط، إلا أن هذه هي المواجهة الأحدث في سلسلة من المواجهات التي تزيد من احتمال أن مواجهة سوف تندلع، حيث يرجع ذلك للصدفة بقدر ما يرجع إلى الحسابات.
وتعد جزر سينكاكو أبعد نقطة من الأراضي اليابانية التي تطالب بها، وهي قريبة من سلسلة جزر ريوكيو التي تمتد إلى الجنوب الغربي من كيوشو، وهي واحدة من الجزر الرئيسية في اليابان. و قد بدأ المخططون الاستراتيجيون في طوكيو الإشارة إلى هذه السلسلة باسم "الجدار الجنوبي الغربي" وهو عبارة عن سلسلة من المواقع التي تسيطر عليها اليابان التي يمكن أن تستغلّ لمنع وصول البحرية الصينية إلى غرب المحيط الهادئ.
نزاع تاريخي
و في حين أن بكين وطوكيو كانتا قد تنافستا على جزر سينكاكو من قبل، حيث كان آخر هذه المنافسات في عام 2010، فقد بدأت الأحداث المؤسفة الأخيرة عندما اشترت طوكيو هذه الجزر من أصحابها المنتمين إلى القطاع الخاص، أخيراً.
هذه ليست مسألة مواجهة عسكرية فحسب. فقد هاجم المتظاهرون في بكين شركات يابانية فيما لا يقل عن 85 مدينة. وقامت شركات يابانية رئيسية في الصين، مثل هوندا وتويوتا، بتعليق عملياتها هناك. وخفضت الخطوط الجوية اليابانية عدد الرحلات الجوية بين البلدين، فيما قامت شركات التجزئة الكبيرة، مثل محلات آيون، بإغلاق فروعها في الصين.
وفي خطوة أجّجت الموقف، دعا مستشار وزارة التجارة الصينية بكين إلى التخلص من سندات حكومية يابانية بقيمة 230 مليار دولار. وفي الوقت نفسه، أشار مصدرون يابانيون إلى أن الصين تؤخر قبول البضائع اليابانية في المنافذ الجمركية على امتداد البلاد، حيث بدأت تنتشر شائعات تفيد بأن بكين سوف تقلص مجدداً المعروض من معادن الأرض الثمينة إلى اليابان، والتي تعتبر حيوية للإنتاج الصناعي الياباني.
النزعة القومية
ويعتقد الصينيون أن النزعة القومية اليابانية أشعلت الأزمة. فهم يقولون إن رئيس الوزراء الياباني يوشيهيكو نودا هو المسؤول عن قلب الوضع الراهن عن طريق إضفاء النزعة القومية على مسألة الجزر رداً على خطة حاكم طوكيو شينتارو ايشيهارا لشرائها. فقد لعب نودا أيضاً بورقة الاقتصاد، محذراً بكين من أن تصرفاتها ربما تسبب هروب المستثمرين الأجانب، الأمر الذي يضعف النمو الاقتصادي المتباطئ للصين.
في مثل هذا الموقف، فإنه من السذاجة أن نفترض أن الجانبين سوف يتجنبان الوصول إلى المواجهات دون خسائر. وبالتأكيد، فإن كلا من طوكيو وبكين يستعرضان القوة بشأن بحر الصين الشرقي، وربما ليس لديهما أي نية لأعمال عدائية. ولكن الطريقة التي تمت بها إزكاء مشاعر القومية في كلا البلدين، خاصة الصين، فإن احتمالات وقوع حادث أو سوء تقدير آخذة في الارتفاع. وأصبحت التوترات في بحر الصين الشرقي سيئة بما فيه الكفاية لكل من وزير الدفاع الأميركي والمفوض العسكري للصين للتحذير من أن الحرب يمكن ان تندلع. و ناشدت واشنطن كلا البلدين حل النزاع سلمياً.
ولكن مرة أخرى في عام 2010، أعلنت الولايات المتحدة طلباً مماثلاً، ومن الواضح أنه لم يتم الالتفات إليه من قبل طوكيو أو بكين. فلم يستطع أي من الطرفين ايجاد وسيلة لحل القضية دبلوماسياً. ولن يتنازلا عن مطالباتهم، و يتركا الرأي العام المحلي يدفع سياستهما على نحو متزايد.
بكين لها تاريخ في تأجيج النزعة القومية من خلال فزاعة اليابان ذات النزعة العسكرية. لكن مخاطر أمن اليابان عالية بلا منازع. فإذا فشلت في حماية سيطرتها الإدارية على جزر سينكاكو، حينئذ تكون قد خاطرت بجميع أراضيها المتنازع عليها، ليس في بحر الصين الشرقي فحسب، ولكن أيضاً في تلك الموجودة في بحر اليابان والمحيط الهادئ الشمالي. علاوة على ذلك، فإن الاستسلام يعني صعود الصين على حساب قوة اليابان الرئيسية في المنطقة و من شأنه أن يشجع المزيد من الصينيين للضغط على المياه اليابانية.
لعبة صعبة
ماذا لو دفعت الحاجة الماسّة اليابان إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد السفن الصينية؟ يمكن أن يورط هذا القوات البحرية في البلدين، والتي لم يتم نشرها حتى الآن في هذه الأزمة. هذه لعبة أرقام لا يمكن أن تفوز بها اليابان، ذلك أن ما تمتلكه من 50 فرقاطة و مدمرة سيواجه نحو 200 مدمرة بحرية و فرقاطة و زوارق صواريخ موجهة، ناهيك عن الـ 65 غواصة و مقاتلة و مئات الطائرات الهجومية. سوف تضطر طوكيو إلى اللجوء إلى الولايات المتحدة للحصول على الدعم بموجب معاهدة الأمن المتبادل بينهما.
ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى أزمة بين القوى العظمى الغائبة منذ الحرب العالمية الثانية، مع حدوث تداعيات اقتصادية لا توصف، ناهيك عن إمكانية حدوث عمليات عسكرية آخذة في الاتساع. بالنسبة لواشنطن فإن ترك اليابان تواجه الصين وحدها من شأنه أن يدمر نظام التحالف العالمي الذي تتزعمه أميركا، في حين أن السماح بإعادة رسم حدود الصين في آسيا من شأنه أن يعجل بتراجع النفوذ الأميركي.
