لا ترى بلدان آسيا العالم في حبة من الرمال، لكنها حددت تهديدات خطيرة للمصلحة الوطنية في النتوءات الصغيرة المتناثرة، والمناطق الضحلة قبالة سواحلها. وشهد الصيف سلسلة من النزاعات البحرية التي خاضتها الصين واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وتايوان والفلبين.

وأخيراً، كان هناك المزيد من أعمال الشغب المناهضة لليابان في المدن في مختلف أنحاء الصين، بسبب نزاع على مجموعة من الجزر غير المأهولة المعروفة لدى اليابانيين باسم «سينكاكو» ولدى الصينيين بـ «دياويو». وأغلقت شركتا تويوتا وهوندا مصانعهما. ووسط تصريحات ساخنة من كلا الجانبين، اقترحت إحدى الصحف الصينية بتخطي الدبلوماسية التي لا طائل منها، والانتقال مباشرة إلى المسار الرئيس من خلال قصف اليابان بقنبلة ذرية.

إن هذا يعد غلواً بشعاً، فالحكومة في بكين تسعى متأخرة إلى التقليل من شأن النزاع، إدراكاً منها للمصالح الاقتصادية في حفظ السلام. الأمر يبدو عقلانياً للغاية، إلى أن يتم التفكير في التاريخ، وخاصة التشابه بين صعود الصين وصعود ألمانيا الإمبراطورية منذ أكثر من قرن. في ذلك الوقت، لم يكن لأحد في أوروبا مصلحة اقتصادية في الصراع، لكن ألمانيا شعرت أن العالم كان بطيئاً للغاية في استيعاب قوتها، وسيطرت المشاعر غير العقلانية مثل القومية. تعاود الصين الظهور بعد ما اعتبرته 150 عاماً من المهانة، والحصار من الدول المجاورة القلقة، التي تحالفت العديد منها مع أميركا. وفي هذا السياق، يمكن أن تصبح الخلافات بشأن كتل من الصخور كبيرة، بمقدار اغتيال أرشيدوق.

جبل واحد ونمران

يشير المتفائلون إلى أن أحدث نزاع هو بالأساس مسرحية سياسية، وهو نتاج الانتخابات في اليابان، وانتقال القيادة في الصين. لقد اشتعل فتيل أزمة جزر سينكاكو الآن، لأن الحكومة اليابانية تشتري بعض الجزر اليابانية من مالكها. وكان الهدف هو الاحتفاظ بها بعيداً عن الأيدي الخبيثة لحاكم طوكيو، الذي أراد شراءها بنفسه. وشعرت الصين، على الرغم من ذلك، بالإهانة. فقد عززت مطالبتها بالجزر وأرسلت مراراً وتكراراً دوريات بحرية للانقضاض على المياه اليابانية. وهذا عزز صورة القيادة، وذلك قبل تولي «زي جينبينغ» مقاليد الأمور.

وبصورة أعم، حسبما يجادل المتفائلون، فإن آسيا أكثر انشغالاً بتحقيق الثروة من أن تضيع الوقت في خوض حرب. وتعد الصين حالياً الشريك التجاري الأكبر لليابان. فالسياح الصينيون يتدفقون إلى طوكيو لشراء الحقائب وأزياء المصممين المعروضة في واجهات المحلات في مدينة أوموتيساندو. والصين ليست مهتمة بالتوسع الإقليمي. وعلى أية حال، فإن الحكومة الصينية لديها ما يكفي من المشكلات في الداخل، فلماذا تبحث عن متاعب في الخارج؟

لدى آسيا بالفعل مبررات للحفاظ على علاقات جيدة، وهذا النزاع الأخير ربما سوف يزول، تماماً كما حدث للنزاعات الأخرى في الماضي. لكن في كل مرة يشتعل فتيل أزمة جزيرة، يحدث تصلب في المواقف تتآكل الثقة. قبل عامين، عندما ألقت اليابان القبض على قبطان سفينة صيد صينية هارب بتهمة دخول السواحل قبالة الجزر، اكتشفت محاولة انتقام عندما منعت الصين بيع معادن الأرض الثمينة ضرورية للصناعة اليابانية. إن تنامي النزعة القومية في آسيا، خصوصاً في الصين، يفاقم الخطر. ومهما كانت مشروعية مطالبة اليابان بالجزر، فإن جذوره تكمن في البناء الوحشي للإمبراطورية.

تلعب وسائل الإعلام في جميع البلدان على مسألة التحامل الذي كثيراً ما تم غرسه في المدارس. بعد أن ساعدت قادة الصين في خلق النزعة القومية، واستغلالها بالطريقة الملائمة لهم، فإنهم يواجهون الآن انتقادات لاذعة إذا لم يقاتلوا لمصلحة بلادهم. أظهر استطلاع حديث للرأي، أن أكثر من نصف المواطنين في الصين يعتقدون أن السنوات القليلة المقبلة ستشهد «نزاعاً عسكرياً» مع اليابان.

لذلك فإن مسألة الجزر تعود بشكل أقل إلى الصيد أو النفط أو الغاز بالمخاطر الكبيرة في لعبة عالية المخاطر بالنسبة لمستقبل آسيا. كل حادث، مهما كان صغيراً، يهدد بأن يشكل سابقة. فاليابان وفيتنام والفلبين تخشى من أنها إذا قدمت تنازلات، فإن الصين سوف تشعر بالضعف وتعد للمطلب القادم. تخشى الصين من أنها إذا ما فشلت في طرح قضيتها، فإن أميركا وغيرها سوف يستنتجون أنهم سوف يتآمرون ضدها.

التعاون والردع

إن عدم قدرة آسيا على التعامل مع الجزر يثير الشكوك حول كيف يمكن أن تتعامل مع أزمة حقيقية، في شبه الجزيرة الكورية، على سبيل المثال، أو عبر مضيق تايوان. فالرغبة المتزايدة من جانب الصين في إلقاء ثقلها يغذي شعوراً عميقاً بانعدام الأمن بشأن الطريقة التي سوف تتصرف بها كقوة مهيمنة. فالميل إلى أدنى درجة من الامتعاض للتصعيد باتجاه نزاع كامل، يشكّل متاعب لأميركا، وكلاهما يهدف لطمأنة الصين عن أن ترحب بنهضتها، وأيضاً يستخدم التهديد باستخدام القوة العسكرية، لضمان أن المحيط الهادئ هو جدير بهذا الاسم.

وفي ظل التوترات بشأن الجزر (وإصدارات التاريخ التي لا يمكن التوفيق بينها في التاريخ)، هناك حاجة إلى ضمانات فورية.

حلول طويلة الأمد

 

بعض الحلول سوف تستغرق جيلاً. يتعين على الساسة الآسيويين التخلص من ثعابين النزعة القومية التي زرعوها، حيث إن الكتب المدرسية الصادقة، من شأنها أن تساعد كثيراً لهذا الغرض. وخلال عقود مقبلة، سوف تكون نهضة الصين هي التركيز الرئيس للسياسة الخارجية الأميركية. ويعد «انجذاب» الرئيس الأميركي باراك أوباما نحو آسيا هو بداية مفيدة في إظهار التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها. لكن الصين تحتاج إلى الاطمئنان إلى أنه بدلاً من السعي لاحتوائها، كما فعلت بريطانيا في القرن التاسع عشر مع ألمانيا، فإن أميركا تريد الصين مسؤولة لتحقيق إمكاناتها كقوة عالمية. هناك شكوى أطلقتها منظمة التجارة العالمية السياسية بفجاجة، تضيف إلى المخاوف الصينية.