يعكف المسؤولون الأميركيون على تقييم النتائج التي يمكن أن تترتب على القرارات التي أصدرها الرئيس المصري د. محمد مرسي، أخيرا، بإحالة كبار القادة العسكريين المصريين إلى التقاعد، وإسناد مناصب شرفية لهم. ويبدو أن هؤلاء المسؤولين يثقون في وزير الدفاع المصري الجديد الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي كانت له اتصالات مكثفة بالولايات المتحدة من خلال منصبه السابق كرئيس للمخابرات العسكرية المصرية.

ويبدو أن قيام د. مرسي بتغيير القيادة العسكرية على هذا النحو السريع كان مفاجأة للولايات المتحدة، ولكن المسؤولين الأميركيين لم يقرعوا أجراس الخطر برغم ذلك، واكتفوا بالقول إن الحدث في جانب منه تغيير للأجيال، حيث يتم إبعاد شخصيات أصبحت لا تحظى بالشعبية وتعاني من العزلة في مصر ما بعد الثورة.

شخصية معروفة

ونحى المسؤولون الأميركيون بصفة خاصة جانباً الشائعات التي دارت في أعقاب قرارات مرسي، التي تدور حول أن السيسي قائد ذو ميول إسلامية تربطه اتصالات سرية بجماعة الإخوان المسلمين، وهم يقولون ان الأمر على النقيض من ذلك، فالسيسي شخصية معروفة جيدا للعسكريين الأميركيين بعد أن أمضى عاما في دورة تدريب أميركية، ونـُظر إليه باعتباره قائدا فعالا بشكل عام للمخابرات العسكرية.

والأمر الذي لا يعد موضعا للجدال هو أن الإخوان المسلمين الذين ينتمي إليهم د. مرسي منذ زمن بعيد قد أحكموا قبضتهم الآن على مصر، وسيطروا على المؤسسة العسكرية وعلى مؤسسة الرئاسة ومجلس الشعب. وهذا إما أن يكون نموذجا للديمقراطية في صورتها العملية وللسيطرة المدنية على العسكريين، أو انقلابا قام به الإخوان المسلمون بحسب رؤية من يتأمل هذه القضية، وربما كان الأمر يضم عناصر من الجانبين معا.

تتمثل وجه النظر الأميركية في أن حالة القادة العسكريين الموغلين في العمر للتقاعد ليس في حد ذاتها أمرا يدعو للقلق، ولكن القلق سيكون مطروحا إذا تحرك مرسي لإحداث تغيرات في القضاء المصري الذي كان مركزا مستقلا مهما للسلطة منذ اندلاع ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير 2011. وقد ساد القلق حول السلطة القضائية المصرية نتيجة لتحرك آخر من جانب مرسي، وهو تعيين قاض بارز هو محمود مكي نائبا للرئيس. والخوف هو أن يرفض مكي، باعتباره فقيها قانونيا، الأحكام التي تصدرها المحاكم المصرية.

رمز لعدم الكفاءة

وقد أصبح المشير محمد حسين طنطاوي، الذي جرد من منصبه كوزير للدفاع، رمزا للابتعاد عن الشارع السياسي وغالبا للافتقار إلى الكفاءة. وقد كان واضحا أن أيام المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة المصرية قد أصبحت معدودة، ولكن تحركات د. مرسي جاءت مفاجئة تماما.

ولا يبدو أن المسؤولين الأميركيين لديهم أدلة على أن هذه القرارات قد تم التخطيط لها، أو دار النقاش حولها من قبل القيادة العليا للإخوان المسلمين. وقد استغل د. مرسي الهجوم الإرهابي الذي حدث في سيناء أخيرا كمبرر لإيجاد قيادة عسكرية جديدة، وقد كان أول تغيير رئيسي هو إعفاء رئيس المخابرات مراد موافي من منصبه بعد أن كان قد حظي بالإشادة ممن المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين والأوروبيين، حيث كان يضغط على امتداد شهور من أجل الإيقاع بالجماعات الإرهابية التي تضرب جذورها في سيناء.

 

قلق إسرائيلي

ينظر إلى السيسي باعتباره زميلا متعاونا لموافي، وإن كان أقل مشاركة في عمليات التصدي للإرهاب، وقد التقى بجون بريمان المسؤول الرئيسي عن التصدي للإرهاب في البيت الأبيض، وقال أحد المسؤولين الأميركيين عن السيسي:" إنه رجل قوي أظهر مستوى راسخا من التعاون". وشأن موافي فإن السيسي كان له بعض الاتصال بإسرائيل بمقتضى دوره كرئيس للمخابرات العسكرية.

ويتردد أن الإسرائيليين أكثر شعورا بالقلق حيال هذه التغييرات في مصر، حيث يؤرقهم أن د. مرسي سيتخذ سلسلة منة الخطوات التي ربما تفضي إلى صدام مع تل أبيب، ولكن بالنسبة لواشنطن وتل أبيب، فإن مراقبة التطورات في مصر تشبه إلى حد ما ركوب نمر هائج، وربما يكون أمرا خطيرا للغاية ولكنه من المستحيل التحكم فيه.