تبدو الأوضاع في سوريا كما لو أنها شارفت على نهايتها، واللحظة المهمة كانت اغتيال أربعة أعضاء من مجموعة الرئيس السوري بشار الأسد الحاكمة بقنبلة مازالت ملابساتها غامضة.

 وطاحونة الشائعات ولدت على الفور روايتين سمع مثيل لهما من قبل في الأيام الأخيرة للأنظمة المتقادمة في تونس ومصر وليبيا، وهذه الشائعات مفادها أن زوجة الرئيس السوري هربت إلى الخارج (إلى روسيا) وأن الرئيس نفسه لم ير في أي مكان. والأسد ظهر في نهاية المطاف، لكن عندما يضطر الدكتاتور إلى الظهور على شاشات التلفزة ليبرهن فقط على أنه حي، فإن النهاية تبدو وشيكة.

وبالطبع، قد يكون هناك تحول مغاير في هذه القصة المؤسفة. فخصوم الأسد الأكثر تفاؤلا يذكرون زخم عملية "عاصفة الصحراء" التي أشارت إلى أن أيام الرئيس العراقي السابق صدام حسين باتت معدودة في عام 1991، قبل أن يصبح تعداد هذه الأيام 12 سنة إضافية، ونظام دمشق مازال يملك ترسانة أسلحة فتاكة وله حليفان قويان، ويمكنه التشبث بالسلطة، وهو يقاتل حربا أهلية طائفية قد تدوم شهورا، أو حتى أكثر، كما في لبنان في سنوات السبعينيات من القرن الماضي.

تأثير باتساع المنطقة

لكن لنفترض أن بيت الأسد ينهار، فإن انهياره سيحول بجلاء سوريا الدولة من شكل إلى آخر. وهذا الانهيار سيؤثر جذريا بشكل أوسع في المنطقة أيضا. فسوريا التي لها حدود مع الأردن والعراق ولبنان وتركيا وإسرائيل لا تبقي نفسها محصورة في الداخل السوري.

وكما قال مسؤول سابق في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما: "سوريا لن تنهار بل ستنفجر"، لكن بصراحة، فإن المعركة على سوريا هي صراع على الشرق الأوسط برمته. ولننظر إلى النتيجة الأكثر احتمالا لإزاحة الأسد، إنها جولة من عمليات القتل الانتقامية المرتكبة من قبل الأكثرية ضد الأقلية الحاكمة وحلفائها.

وإذا ما اندلع هذا النوع من العنف الطائفي، فليس من المتوقع أن يبقى محصورا في سوريا. وحتى لو لم تمتد عمليات القتل عبر الحدود، فإن المزيد من السوريين سوف ينضمون إلى 125 ألف شخص سبق أن هربوا باعتبارهم لاجئين. وهذا سيحدث من دون أن تصبح سوريا موقعا لحرب شاملة بالوكالة، بدعم واصطفاف إقليمي.

ولن يبقى الغرب متفرجا لفترة طويلة، والبعض يقول إنه متورط أصلا من خلال دعم ضمني لشحنات الأسلحة إلى الثوار. والحديث أخيرا انتقل من التدخل المباشر، الذي كان المراهنون عليه قلائل، إلى إرسال قوة حفظ سلام دولية عقب خروج الأسد.

ولقد اقترح المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية بروس رايدل الذي قاد مراجعة أوباما للسياسة الأميركية في أفغانستان وباكستان عام 2010، هذه القوة أخيرا مشيرا إلى المفارقة بان أولى مهام هذه القوة ستكون "حماية الأقليات من الانتقام". وكل من أميركا وإسرائيل ينظر أيضا بقلق إلى إمدادات سوريا من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التي يقال الآن إنها لم تعد وراء أبواب موصدة، متخوفين من أن يختار الأسد السقوط عزيزا بحريق مميت.

وهذه ليست قضية محلية تؤثر على سوريا وحدها. والتأثير الأكثر مباشرة ستشعر به قوة إقليمية ستخسر ليس فقط حليفها العربي المحوري لكن أيضا بوابة سوريا إلى لبنان. ومنذ ست سنوات فقط، وخلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، كان قادة حزب الله أبطالا لديهم شعبية في الشارع العربي السني. وهذا يقول المحلل في شؤون الشرق الأوسط دانيال ليفي، لن يحدث في ظل المناخ الطائفي القائم.

نتائج أبعد مدى

وسقوط الأسد سيؤدي إلى أكثر من ذلك، فهو سيشكل نهاية لثقافة سياسية برمتها في المنطقة، ذلك أن الأسد هو الممثل الأخير لشكل من أشكال السلطة ساد في الشرق الأوسط على مدى نصف قرن، وهو الرجل القوي العلماني، الدكتاتور المدعوم من قبل جهاز استخباري لا يرحم.

وما بدأ مع الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر في مصر، أو حتى الرئيس التركي الأسبق أتاتورك في تركيا، سينتهي مع الأسد. وهو شكل النظام الذي يقمع الخلافات المحلية والعرقية باسم القومية، المركزة حول شخصية القائد.

وحسبما يقول شيهادي، سيحل مكانه في البداية فوضى من مئات الأحزاب الجديدة وأعداد اكبر من "السياسيين العاديين"، لكن في نهاية المطاف، يأمل شيهادي أن يفتح هذا الوضع الطريق أمام شرق أوسط مع بعد الدكتاتورية، أي مكان حيث الحكام يصعدون أو يسقطون ليس لقدرتهم على استغلال المشكلات، باعتبارها تحركات في لعبة السلطة الجيوسياسية، بل لقدرتهم على حلها.

 

توقع تفاؤلي

 

هذا توقع تفاؤلي لمنطقة توشك على الانفجار في عنف دموي، لكن مصير سوريا سيكون حاسما في كلا الاتجاهين. إذا تمكن الأسد من الصمود، فإن اليقظة العربية لعام 2011- 2012 سوف تشكل نجاحا جزئيا، ليس إلا. لكن إذا نجح الثوار السوريون، فسيكونون قد حققوا نصرا كاسحا.

سيكونون قد أقاموا ثورة من دون التدخل الأجنبي التام، الذي كان مطلوبا في ليبيا، وبشكل اكثر اكتمالا مما في مصر، حيث الجهاز الأمني يبقى في السلطة. وبما أن الانتفاضة أخذت هذا القدر من الوقت، فإن هذا قد يكون أيضا علامة للقوة، حيث يبرهن على عمق ومرونة تلك الانتفاضة التي لا تجاريها انتفاضات قامت في يوم واحد في أماكن أخرى.

إن سوريا على شفا الهاوية، وما سيلي ذلك ليس واضحا نظرا لطبيعة الانقسامات داخل المعارضة. وهذا حدود ما نعرفه: يتوقف على مصير سوريا مصير المنطقة الأكثر قابلية للاشتعال على وجه الأرض.