تستخدم الجماعات المتشددة سيطرتها على المناطق الحضرية الرئيسية في مالي لتجنيد أعداد متزايدة من المقاتلين وتسليحهم و تدريبهم، ويمكن أن تشكل تهديداً لأوروبا في غضون عامين، حسبما تعتقد مصادر حكومية و أمنية.
المتمردون الذين لهم صلة بتنظيم القاعدة حققوا سيطرة حصرية على شمال مالي، بعد أن أزاحوا الطوارق الانفصاليين العلمانيين. يقول دبلوماسي غربي رفيع المستوى في العاصمة باماكو: "إذا استمر المتشددون في السيطرة على مساحات شاسعة من مالي حيث يمكن أن يفعلوا ما يحلو لهم، حينئذ سوف يشكل ذلك تهديدا مباشرا لأوروبا". ويضيف: "لا يمكنك أن تنسى مدى قرب هذه المنطقة إلى أوروبا. وهم حاليا يقومون بتجنيد أشخاص في شمال مالي، ويقدمون لهم المال والتدريب والأسلحة، وإذا استمر هذا الوضع، فما هي إلا مسألة وقت قبل أن يؤثروا على أوروبا مباشرة."
متاعب الشمال
ظل شمال مالي تحت سيطرة المتمردين منذ الإطاحة بالحكومة في انقلاب عسكري في مارس الماضي. متمردو الطوارق، الذين يطالبون بدولة مستقلة في منطقة أزاواد في الصحراء، انضموا في البداية لقوات من جماعات مدعومة من قبل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بما في ذلك جماعات أنصار الدين و الموجاو ومنظمة بوكو حرام النيجيرية.
لكن التحالف تفتت، أخيراً، مع نشوب القتال بين الفصائل المختلفة. و عزز المتشددون سيطرتهم، أخيراً، حيث قاموا بطرد متمردي الطوارق من آخر معقل لهم في بلدة أنسوغو تاركين شمال مالي كله، بما في ذلك "قاو" وهي القاعدة الرئيسية للجيش مالي، في أيدي المتشددين.
وقد أحاط المتشددون قاو بالألغام الأرضية، مما يجعل من المستحيل تقريبا دخولها. وحصلت "الغارديان" على مقاطع من فيلم يصور المتشددين الأجانب وهم يقومون بدوريات في "قاو" وبسحل جثث كبار المتمردين الطوارق في أرجاء البلدة وراء شاحنات صغيرة و يقومون بجلد ثلاثة من الشباب على الملأ بتهم ارتكاب "جرائم" تشمل التدخين وممارسة علاقات محرمة خارج إطار الزواج.
تقول فالنتينا صوريا، و هي محللة في مجال مكافحة الإرهاب والأمن في معهد "رويال يونايتد سيرفسز": "المتشددون المدعومون من قبل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يحكمون سيطرتهم الكاملة على المنطقة، و يحصلون على كمية كبيرة من الأسلحة آتية من ليبيا.
وهذا يمكن أن يتطور إلى تهديد أمني مباشر أكبر لأوروبا، من خلال تمكين التنظيم إما من التخطيط لهجمات وتنفيذها مباشرة في أوروبا و الولايات المتحدة، أو توفير ملاذ آمن لأشخاص مرتبطين بمنظمات إرهابية للحصول على بعض التدريب والوصول إلى السلاح".
وأضافت: "الساحل هو أقرب إلى أوروبا من أفغانستان أو باكستان، ويسهل على الناس من أوروبا الدخول والخروج، لذلك فهو يقدم جميع أنواع المزايا من وجهة النظر اللوجستية بالنسبة لمن يرغبون إقامة روابط مع التنظيم و الجماعات المشابهة للتفكير نفسه".
تفاصيل مروعة
لقد ظهر المزيد من التفاصيل عن عدد لا يحصى من الجماعات المتشددة العاملة في مالي. جماعة موجاو، وهي فرع من التنظيم في غرب افريقيا، تسطير على المنطقة على نحو متزايد، بعد أن أطاحت بجماعة المتمردين الطوارق و قضت على جماعة متشددة أخرى، و هي جماعة "أنصار الدين". يقول أحد المحللين من مالي: "أنصار الدين لا وجود لها في الواقع. زعماء الجماعة هم جبهة من تنظيم القاعدة استغلوا تمرد الطوارق".
ويظهر مقطع الفيديو الذي اطلعت عليه "الغارديان" أيضاً الماليين وهم يتعاونون مع جماعة "موجاو". يضيف المحلل: "نعم هناك أفغان وجزائريون، لكن 70٪ من المتشددين هم من الماليين. وهناك أناس غادروا باماكو وذهبوا إلى قاو لينضموا إلى المتشددة. إن هذا وضع أكثر تعقيداً بكثير مما نود في مالي أن نعترف به".
وفي حين أن بعض الماليين ينضمون إلى حركة التمرد، فإن البعض الآخر يسلّحون أنفسهم لإعادة البلاد إلى الحكم العلماني المدني. و في باماكو، انضم عدة مئات من الشباب إلى الجناح العسكري لتنظيم "حركة الشباب لإنقاذ الشمال"، وهي عبارة عن جيش من المتطوعين.
يقول محمدو ديوارا، زعيم التنظيم، البالغ من العمر 26 عاماً و هو من مواليد قاو و أحد الزعماء الشباب السابقين، و يدعي أنه يجري حاليا تدريباً لـ 1500 من أفراد الجنود المتطوعين لمساعدة المجندين، فضلا عن الحصول على الأسلحة و دعم الجيش المالي، الذي تعهد أعضاء جماعته بتقديم الدعم له: "إننا مستعدون للموت لإنقاذ بلدنا. إننا محاربون، وهذا وارد في تاريخنا، والمسألة نزعة وطنية بحتة حيث أننا مستعدون للتضحية بأنفسنا شخصياً لاسترداد الشمال".
يجري تأليب العديد من الماليين على نحو متزايد ضد المتمردين من خلال تدمير الآثار القديمة في تمبكتو، حيث هاجم المتشددون الأضرحة ومسجد "دجينغاريبار" الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر، و من خلال الأزمة الإنسانية المتنامية في المنطقة.
كان شمال مالي يواجه بالفعل أزمة غذاء قبل الانقلاب والاستيلاء على المدن من قبل المقاتلين المتمردين. و تحذر الآن وكالات الاغاثة من أن الوضع آخذ في التدهور، مع النقص الشديد في السلع والخدمات الأساسية والعديد من انتهاكات حقوق الإنسان.
نهب 11 مليار جنيه إسترليني
تمثل رغبة الماليين الشباب في القتال أيضاً عداءً متزايدا لنشر قوات أجنبية على أرض مالي. تقول كتلة "إيكواس" الإقليمية إن نشر قوة تدخل يتراوح قوامها بين 3 آلاف و 5 آلاف جندي غرب افريقيا في مالي هو أمر وشيك. لكن مصدراً حكومياً رفيع المستوى في مالي أوضح أن الحكومة أيضا تعارض وجود القوات الأجنبية على أراضيها.
وأضاف المصدر: "لا نزال على موقفنا بأنه بدلاً من إرسال قوات، فإن بحاجة لمعدات و دعم لوجستي للجيش في مالي". وفي غضون ذلك، يتصاعد القلق على الوضع الاقتصادي المتدهور في مالي التي تعد أفقر دول العالم. وهناك تقرير يشير إلى أن مصارف مالي فقدت 11 مليار جنيه استرليني نتيجة النهب وتدمير فروعها في جميع أنحاء شمال مالي.
