يبدو أن كل الآمال حول ظهور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد إعادة انتخابه في نسخة أخرى معدلة "بوتين 2.0" أي المحرّض على إصلاحات هيكلية وسياسية تمس الحاجة إليها قد تلاشت. لقد تم وضع الأساس القانوني للقمع السياسي الشامل من خلال سلسلة من التشريعات جرى الإسراع إليها من خلال مجلس الدوما، أخيراً.
تلك القوانين تقمع حرية التعبير من خلال منح الحكومة سلطة لإغلاق مواقع إلكترونية مدرجة على القائمة السوداء، و جعل السب والقذف للمسؤولين الحكوميين جناية يعاقب عليها بفرض غرامات تصل إلى 5 ملايين روبل (165 ألف دولار)، وتصنيف المنظمات غير الحكومية المعارضة التي تتلقى أي تمويل أجنبي على أنها "عميلة لجهات أجنبية "، ويزيد العقوبة بشكل حاد على مشاركتها في مسيرات احتجاج غير مصرح بها.
يبدو أن بوتين ورفاقه في مجلس الدوما يرون أنفسهم على أنهم محاصرون من قبل الأعداء من جميع الاتجاهات، في سوريا وآسيا الوسطى والقوقاز، في حين أن العملاء المأجورين من جهات أجنبية يحاولون احتلال الشوارع والساحات في موسكو.
لقد نحّى بوتين جانباً الانتقادات الموجّهة لتشريعات وكلاء المنظمات غير الحكومية من خلال تكرار رأيه الذي تبناه منذ فترة طويلة بأن الذين يأخذون مالاً أجنبياً لتنفيذ توجهات أجنبية إنما يرقصون على إيقاع أجنبي. وقد تعرضت شخصيات معارضة بارزة للمضايقات في الآونة الأخيرة، حيث تم تفتيش منازلهم، وزاد عدد المنشقين المسجونين. ويبدو أن الساحة مهيأة للمواجهة.
تخبط النظام
خلال السنوات العديدة الماضية، استطاع نظام بوتين تفريق الاحتجاجات التي قام بها عدد قليل نسبياً من النشطاء الذين اجتمعوا في موسكو أو سان بطرسبرغ في اليوم الحادي والثلاثين من الشهر المحدد لدعم المادة 31 من الدستور، التي تؤكد على حرية التجمع السلمي. لكن النظام يتخبط في رد فعله إزاء الاحتجاجات الهائلة التي بدأت في موسكو في ديسمبر الماضي عقب الانتخابات المزورة لمجلس الدوما.
فقد سمح لبعض التجمعات والمسيرات بالمضي قدماً بطريقة سلمية، بينما في حالات أخرى كانت شرطة مكافحة الشغب الروسية تستخدم العنف العشوائي وتعتقل العشرات من المتظاهرين.
حركة الاحتجاج، التي تجمع بين القوميين واليساريين والليبراليين المؤيدين للغرب، لم تهدأ منذ سجّل بوتين فوزه الساحق المتوقع في إعادة انتخابه في شهر مارس الماضي.
وفي الخريف المقبل، ربما تزيد القاعدة الاجتماعية لحركة الاحتجاج بزيادة التضخم وعودة سكان موسكو من إجازاتهم والعطلة الصيفية التي طال انتظارها.
ويأمل الكرملين في تهميش حركة الاحتجاج وتقليصها من خلال تخويف المشاركين بها من الطبقة المتوسطة وفرض غرامات كبيرة على الجرائم البسيطة أو التشهير أو القذف التي قد تؤدي إلى مصادرة الأموال والممتلكات أو فرض قيود على السفر إلى الخارج.
إذا فشلت الجهود، فإن بوتين وزمرته ربما يواجهون ورطة كبيرة، إذ أن شرعية النظام الاستبدادي، كأي نظام من هذا النوع، لا تعتمد على نتائج الانتخابات، ولكن تعتمد على السيطرة الكاملة على شوارع العاصمة، والقمع الفعّال للمعارضة.
تضم موسكو اليوم عدد سكان رسمي يقدر بنحو 12 مليون نسمة، ولكن هناك الملايين من المهاجرين من المقاطعات الروسية الأخرى ومن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق الذين يقيمون بصورة غير رسمية أو على تصاريح مؤقتة في موسكو أو في الضواحي البعيدة. وتشير التقديرات من قبل "مجلس المدينة" إلى أن السكان النهاريين في موسكو يقدر عددهم بحوالي 20 مليون نسمة. فإذا أصبح 5 % إلى 10% من سكان موسكو يشعرون بالضجر وما يصل إلى نصف عدد السكان يدعمون مثيري الشغب بشكل سلبي، فإن مهمة مراقبة جميع الشوارع وفرض حظر التجول على نحو فعال هي مهمة شاقة.
استياء متزايد
تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن مستوى الاستياء يصل إلى هذه المعدلات. فالنظام بحاجة إلى أكثر من 100 ألف متدرب تدريباً جيداً وشرطة مكافحة الشغب للسيطرة على شوارع موسكو و أحيائها على مدار الساعة.
و مما سهل إلى حد كبير النجاح في القضاء على حركة الاحتجاج "الخضراء" ضد تزوير الانتخابات الضخمة في إحدى الدول المجاورة لروسيا في 2009-2010 كان بسبب الآلاف من أعضاء ميليشيا شبه عسكرية منظمة بشكل جيد و ذات دوافع أيديولوجية تدعم الاستخدام الطائش للقوة من قبل الشرطة الرسمية.
بوتين ليس لديه ما يوازي هذه القوة، حيث إن عدد أفراد شرطة مكافحة الشغب لديه محدود. موسكو لديها فقط 2000 من أفراد مكافحة الشغب، وألفان آخرون من الفرقة الثانية شرطة في موسكو.
ولتعويض هذا النقص في العدد، فقد تم نقل الآلاف من ضباط شرطة مكافحة الشغب إلى موسكو من المقاطعات الأخرى خلال الاحتجاجات الجماهيرية الأخيرة.
لكن العدد الإجمالي لها في روسيا يقل عن 30 ألف عنصر، ولا يمكن نقلها جميعها إلى موسكو أو نشرها بشكل دائم في المدينة، خاصة إذا حاصرت الاحتجاجات المتفرقة سانت بطرسبورغ أو بعض المدن الكبيرة الأخرى.
فشل ذريع
فشل نظام بوتين في بناء جيش محترف. فقوات وزارتي الدفاع و الداخلية تتكون من المجندين المدربين على نحو سيء ويفتقرون إلى المجندين ذوي الحافز الذين يمكن أن يخدموا لسنة واحدة فقط، و يقودها ضباط ساخطون.
خلال الاحتجاجات الأخيرة في موسكو، تم نشر مجندين في سن الثامنة عشرة من قوة دزيرزينكسي التابعة لوزارة الداخلية لمكافحة الشغب، ولكنهم لم يتم استخدامهم بفعالية للهجوم على الحشود باستخدام الهراوات.
هناك 5 آلاف ضابط شرطة آخرون يعملون في موسكو، لكنهم من شرطة المرور وتنظيم العمليات الانتخابية يسيطر عليهم ضباط فاسدون من ذوي الأخلاق المتدنية والقدرات التدريبية المشينة في مكافحة الشغب.
