يوم آخر ومجزرة أخرى في سوريا. من الواضح بشكل متزايد أن أعدادا كبيرة من المدنيين يقتلون مرة أخرى هناك، وهذه المرة في منطقة "تريمسة" بالقرب من مدينة حماة، فيما اعتبرته الأمم المتحدة "امتداداً لعمليات الجيش السوري "، على الرغم من أن المراقبين الدوليين قد تم منعهم من دخول القرية .

 

ضبابية الحرب

تعد كثافة ضباب الحرب أكثر من أي وقت مضى في سوريا. فالتغطية الإعلامية المستقلة غير مسموح بها، وبالتالي فإن الصحافيين الذين يغطون هذه الأحداث، سواء من العرب أو الغربيين، يحاولون اليوم الاتصال بمصادرهم في المنطقة.

وسوف يغامر البعض بحياتهم مرة أخرى من خلال محاولة شق طريقهم عبر الحدود التركية إلى سوريا لمحاولة الوصول إلى أقرب نقطة للحقيقة. ولكن ربما لا ينبغي أن يكلفوا أنفسهم العناء. ووفقا لتشارلي سكيلتون ، وهو كاتب كوميدي وصحافي ومزارع زيتون، فإن القصة الحقيقية هي كيف يمكن للأخبار في سوريا أن يتم تنسيقها من واشنطن وبثها إلى وسائل الإعلام من قبل مجموعة من عملاء يتم اختيارهم بعناية من قبل قوى غامضة، مثل مجموعة بيلدربرغ على وجه الخصوص.

ففي مقالة عن المعارضة السورية تحت عنوان: "من الذي يتحدث؟"، يحدد سكيلتون بعض المسؤولين في المجلس الوطني السوري الذين أمضوا بعض الوقت في مؤسسات فكرية بواشنطن، ومن هذا المنطلق يبني وجود مؤامرة. هذا هو ما يقصده عندما يقول "هناك قصة أخرى تروى".

هذه القصة، حسبما يقول سكيلتون من خلال التلميح إلى حد كبير، في الوقت الذي يكون هناك نبض مستمر للموسيقى المشؤومة التي يقوم عليها أكثر النثر المبتذل. يتم وضع عبارة "خبراء في شؤون سوريا" بين علامات اقتباس، على الرغم من أنها عادة ما تشير بشكل مباشر إلى الناس الذين كرسوا نسبة كبيرة من حياتهم العملية لدراسة المجتمع والسياسة السورية، والذين يسافرون كثيراً إلى سوريا.

 

تلاعب أميركي

إن قرع طبول التلميح حول تلاعب الولايات المتحدة يعزز ذروة قرب النهاية التي يعلن عندها سكيلتون فقرة من سطر واحد "أبواب القنابل مفتوحة. وقد تم وضع الخطط". فماذا؟ وكيف حصلنا من السوريين الذين عملوا يوماً ما في المؤسسات الفكرية بالولايات المتحدة على حرب وشيكة؟ عندما كبست على وصلة عبارة "وضعت الخطط"، أوصلتني إلى ورقة بحثية من معهد بروكينغز (وهو مركز أبحاث آخر في واشنطن) فيما يتعلق بخيارات السياسة الأميركية تجاه قوى معينة .

يبدو أن الهجوم على مسؤولين في المجلس الوطني السوري ضعيفة للغاية. ولنأخذ قضية بسمة قضماني، وهي عضو في المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري. قبل الثورة، عملت لدى مجموعة متنوعة من المؤسسات البحثية، مثل مجلس العلاقات الخارجية الذي يصفه سكيلتون بأنه "مجموعة لوبي قوية في الولايات المتحدة". هذا هو وصف عقيم لا داعي له لأكثر المؤسسات الأميركية المرموقة في مجال السياسة الخارجية والأبحاث، وهو تيار وسطي إلى حد ما، ولا يدفع في أي اتجاه معين. فهو يضم الكثير من العلماء الذين لديهم وجهات نظر مختلفة على نطاق واسع في الشؤون الدولية.

 

تأثير مضاعف

ولتحقيق تأثير مضاعف يتم تصوير قضماني وهي تبدو كئيبة بينما كانت تغادر مؤتمر بيلدبرغ، لكن الأيام التي كان ينظر إليه باعتباره منظمة أشبه بالطيف تم فيه توجيه التعليمات للعملاء الرئيسيين للحفاظ على الهيمنة العالمية، قد انتهت منذ فترة طويلة. ويرجع ذلك أساساً إلى أن مثل هذه المطالبات سخيفة ولا أساس لها بشكل واضح.

لندرك مدى سخافة ذلك، علينا أن نتبع وصلات سكيلتون بشأن قضماني. مصدره الرئيسي بشأنها هو رجل يدعى ويبستر تاربلي، الذي يصفها بأنها "وكيل حلف ناتو ومصدر زعزعة الاستقرار وملكة ثورة ملونة. وحقيقة أن قضماني كانت هناك مخيفة بالنسبة لسوريا".

ومن المعروف أن تاربلي، الذي يصفه سكيلتون بأنه "خبير بيلدربرغ"، له كتاب حول نظرية المؤامرة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، بعنوان "9/11 الإرهاب الاصطناعي المصنوع في الولايات المتحدة"، حيث ينحي فيه باللائمة على جهاز أمن أميركي غامض.

اللهجة المصطنعة في مقالة سكيلتون مختلطة لكنها أيضا بعيدة عن صلب الموضوع. معظم "وسائل الإعلام الرئيسية" المكروهة تتعامل مع الناس الذين يشير إليهم دون غيرهم كما يجب أن تتم معاملتهم، بوصفهم معبرين عن تحالف مختل ومترامي الأطراف في شراكات غريبة، ومن بينها جماعة الاخوان المسلمين الذين ربما يكونون أكثر قوة. قمت بعمل بحث على موقع صحيفة "غارديان عن العبارات التي ذكرت فيها بسمة قضماني، وحصلت على 7 وصلات لهذا العام.

لكن أربعاً من هذه المواد كتبها سكيلتون، وكانت مادة أخرى نشرتها وكالة أنباء حول الصراع داخل المجلس الوطني السوري. لتقدير مدى النهج المخادع لسكيلتون، فما يتعين القيام به هو تطبيقه على حالات أخرى.

وفي كوسوفو، كان هناك الكثير من المقاتلين في جيش تحرير كوسوفو محتالين بشكل كامل، بمن فيهم المهربون وسارقو السيارات. لكن ذلك لم ولن يغير من حقيقة القوات الصربية التي قامت بإعدام الآلاف من المدنيين هناك.

وللتركيز بشكل خاص على أوجه القصور في جيش تحرير كوسوفو قد جانبها الصواب إلى حد ما. وعلى الرغم من غموض التفاصيل ، فإن الصورة الأوسع نطاقا تظل واضحة إلى حد كبير، فهناك مذبحة على قدم وساق، ترتكبها القوات الحكومية والميليشيات المتحالفة معها، أما كون هذا يقتضي تدخلاً غربياً فهو أمر آخر، فمن الصعب إدراك كيف ستؤدي الضربات الجوية الغربية إلى وقف القتال، ولكن تفويض المحكمة الجنائية الدولية ببدء تحقيق شامل حول المسؤولين عما يجري من مذابح سيبدو خطوة في الاتجاه الصحيح.

 

نظرية المؤامرة

 

تنتشر التلميحات والإيحاءات نحو المؤامرة على امتداد الورقة البحثية. وتتضمن سطراً يدعي: "دعونا لا ننسى، أياً كان ما يجري بشكل مضاعف من عدم التوازن في مجال الأخبار والرأي العام". هناك وصلة تقود إلى تقرير يفيد بأن الموساد وشركة "بلاك ووتر" ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جميعها "قامت بعمليات في مدينة حمص السورية". وينسب ذلك كمصدر لقناة المنار التابعة لحزب الله.