أجبرت عملية الاطاحة برؤساء دكتاتوريين على امتداد العالم العربي و وصول الاسلاميين إلى سدة الحكم- أجبرت الولايات المتحدة على إعادة تقييم حساباتها الماضية التي امتدت عقوداً عدة بشأن من هو حليفها ومن يشكل مصدر إزعاج لها. والمثال الأكثر أهمية هو مصر، حيث فاز الدكتور محمد مرسى مرشح جماعة الإخوان المسلمين وهى أكبر حركة إسلامية في منطقة الشرق الأوسط، بانتخابات الرئاسة المصرية بفارق ضئيل عن منافسه.

وكانت الخطوة التي اتخذها، أخيراً، بإعادة مجلس الشعب المنحل، الذي يقوده الاسلاميون، قد أربكت خبراء غربيين يسعون جاهدين لفهم استراتيجيته وخاصة أنه ما لبث أن تراجع عن قراره، رفضت المحكمة الدستورية في مصر قرار مرسي، الأمر الذي كثف المواجهة مع الجيش والصراع بشأن ما هي الجهة التي تحافظ على سيادة القانون.

قبل تراجعه عن قراره. وفي تونس، فاز حزب "النهضة"، الذي كان يوماً ما محظوراً، بأغلبية المقاعد في انتخابات البرلمان في العام الماضي، و كذلك فاز الاسلاميون في اليمن بدعم جديد. ويبدو أن ليبيا قاومت هذا الاتجاه في الانتخابات التي أجريت، أخيراً، عندما تفوق تحالف بقيادة محمد جبريل السياسي المعتدل على حزبين إسلاميين.

ولكن في مؤشر على القوة السياسية للدين، سعى زعيم الائتلاف الفائز في ليبيا جاهداً لرفض مصطلح "العلمانيين" الذي أطلق على تحالفه الوطني القوى ومدّ يده للإسلاميين، قائلاً: "ليس بيننا متطرفون".

لقد دأبت الأمور على أن تسير بشكل أكثر بساطة. ففي خلال العقد الممتد منذ شن الهجمات الإرهابية في عام 2001، كان الأميركيون ينظرون إلى منطقة الشرق الأوسط والإسلام من خلال عدسة تهديد الإرهاب. و مارست الولايات المتحدة تقييمات صارخة، تجسدت في تحذير الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى العالم بعد تسعة أيام من الهجمات، قائلاً: "إما أنكم معنا أو أنكم مع الإرهابيين".

ولم يُسمح بمنح العلماء المسلمين تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة بسبب وجهات النظر الصريحة المناهضة للسياسة الأميركية. ولم يميّز المسؤولون الأميركيون دائماً وبدقة بين الإسلاميين الذين يدافعون عن الدور الرائد للإسلام في الحكومة، و بين الجهاديين المتسمين بالعنف الذين يسعون إلى الهدف نفسه لكنهم يدعون إلى الارهاب لتحقيق ذلك الهدف.

خيارات صادمة

أما بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي تتحرك وفقاً للآثار المضطربة المترتبة على الربيع العربي، فإن الخيارات أمامها تعتبر صادمة على نحو مفاجئ. فقد اتسمت الافتراضات التي طال اعتناقها بأنها أكثر تعقيداً، الأمر الذي يثير ارتباك الكثير من الأميركيين.

يقول أكبر أحمد، وهو رئيس الدراسات الاسلامية في الجامعة الأميركية: "يواجه الولايات المتحدة حالياً نوع من الغموض عندما تنظر إلى دول منطقة الشرق الاوسط، حيث تغير كل شيء".

وتعتبر مصر مثالاً يضرب في هذا الصدد. ففي أول كلمة ألقاها الشهر الماضي، تعهّد الرئيس المصري محمد مرسي بالسعي إلى الإفراج عن المعتقل المصري في سجن "نورث كاورلينا" عمر عبد الرحمن. و قبل ذلك بوقت ليس بطويل، تم استقبال العضو بالبرلمان المصري عن الجماعة الإسلامية هاني نور الدين، في واشنطن ضمن وفد برلماني مصري برعاية وزارة الخارجية الأميركية.

ولم تقدم إدارة أوباما أي تعليق على لسان مسؤوليها على تعهد مرسي، رغم أن مسؤولاً في الإدارة قال إنه من المرجح أن يلتقي الرئيس أوباما مع الرئيس المصري الجديد خلال دورة الجمعية العامة للأم المتحدة التي من المقرر انعقادها في شهر سبتمبر المقبل. كما سعى مسؤولون في الإدارة الأميركية إلى تبرير سبب حصول نور الدين على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة، وذلك لقواعد أمنية ورفضوا التعليق بشأن ما إذا كان قد تم رفع الحظر الذي كان مفروضاً عليه أو إسقاطه من قوائم الممنوعين من دخول أميركا.

قراءة في التاريخ

يعود عداء أميركا للحركات الإسلامية، في الواقع، إلى ما قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، و السبب في ذلك جزئياً هو دعم الولايات المتحدة للمستبدين العلمانيين في المنطقة. و خلال فترة حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك التي امتدت لثلاثين عاما، كانت جماعة الاخوان المسلمين محظورة رسمياً، لذلك فقد أبقى الدبلوماسيون الأميركيون في القاهرة الاتصالات معها بشكل هادئ وغير رسمي.

و كانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس قد أعلنت: "لم نجر اتصالات بجماعة الاخوان المسلمين"، مؤكدة في خطاب ألقته في عام 2005 في القاهرة ذلك بالقول: "ولن نجريها".