شارك الليبيون بمزيد من الحماس بانتخاباتهم الديمقراطية الأولى التي أجريت أخيراً لانتخاب جمعية وطنية انتقالية تحكم البلاد بعد الإطاحة بالرئيس الليبي السابق معمر القذافي. ولاحظ المراقبون أن الاهتمام الدولي بهذه الانتخابات المهمة كان محدوداً مقارنة بالتغطية الشاملة من جانب وسائل الإعلام الأجنبية خلال حرب الأشهر الثمانية.

وعلى امتداد الأزمة الليبية كان أداء منظمات حقوق الإنسان عموما أفضل من أداء التلفزيونات والإذاعات والصحافة المطبوعة في وصف ما يجري في ليبيا. وقد خلص عدد كبير من رجال الإعلام في وقت مبكر إلى أن قوات القذافي هي الجانب الشرير في المأساة، والمعارضة هي الجانب الخير، فراحوا يضخون تقارير معادية للقذافي عن الفظائع التي يرتكبها رجاله، وغالباً ما كان ذلك من دون تدقيق في الحقائق على غرار الحملة المفترضة من عمليات الاغتصاب الجماعي من قبل القوات الحكومية. فلم تكتشف عمليات التحقيق التي قامت بها منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" والأمم المتحدة دليلاً على ذلك، ولكن أجهزة الإعلام تجاهلت اكتشافات هذه المنظمات إلى حد كبير.

وذهب المعارضون إلى القول إنهم قد اكتشفوا جثث أفراد من القوات الحكومية الليبية أعدمهم زملاء لهم عندما حاولوا الهرب، ولكن منظمة العفو الدولية كشفت النقاب عن شريط فيديو لهؤلاء الرجال أنفسهم وهم أحياء ويجري التحقيق معهم بشكل عدواني من قبل الثوار الليبيين، الذين يحتمل إلى حد كبير أنهم أطلقوا النار على هؤلاء الجنود.

تقرير دولي

وقامت منظمة العفو الدولية، أخيراً، بإطلاق تقرير يحمل عنوان:"ليبيا حكم القانون أم حكم الميليشيات" يقوم على أساس تحقيقات مطولة ودائبة تصور ليبيا باعتبارها بلادا أصبحت الميليشيات فيها تمثل السلطة الحقيقة، فهي تقوم بسجن الأفراد وتعذيبهم وقتلهم، وتضطهد الجماعات التي عارضتها الآن أو في الماضي أو التي تعترض طريقها. وقد طفت إلى السطح أحداث قديمة قامت بها هذه الميليشيات، التي لا يسيطر عليها أحد، مثل السيطرة على مطار طرابلس، وإطلاق النار على موكب السفير البريطاني في بنغازي، وإلقاء القبض على أعضاء إداريين تابعين للمحكمة الجنائية الدولية.

ولكن عمليات الاعتقال والتعذيب التعسفية لأناس يتم إلقاء القبض عليهم من قبل الثوار عند نقاط التفتيش لا تـُكشف، لأن الحكومة الليبية تريد التقليل من شأن هذه الأحداث، أو أن الناس يخافون من انتقاد القائمين بهذه العمليات، وأن يصبحوا أهدافا لهم.

خذ على سبيل المثال قضية حسناء شعيب، وهي امرأة في الحادية والثلاثين من عمرها اختطفت من دارها في طرابلس في اكتوبر الماضي من قبل رجال يرتدون الزي العسكري، وتم اصطحابها إلى مكتب سابق للوقف الإسلامي في العاصمة الليبية، حيث اتهمت بأنها من الموالين لصف القذافي وأنها قناصة، وأجبرت على الجلوس في المقعد وقد قيدت يداها خلفها وعرضت ساقها اليمنى وأعضاؤها الحساسة ورأسها لصدمات كهربائية، وهددها الحراس بإحضار أمها إلى الزنزانة واغتصابها، وتم صب البول على رأسها.

وبعد تخليصها من مقعدها لم يستطع معذبوها تحرير يديها باستخدام المفتاح، ولذا قاموا بإطلاق النار على القيود الحديدية فقطعت شظايا منها لحمها. وبعد إطلاق سراحها، أكد طبيب حدوث الجروح التي أصيبت يها، وتقدمت بشكوى للسلطات المسؤولة حول ما حدث لها فلم تفعل شيئاً، وتلقت مكالمات هاتفية حافلة بالتهديد من رجال الميليشيا الذين أطلقوا النار عليها، كما أطلقت النار على دارها.

تعد قصة حسناء شعيب غير مألوفة في جانب واحد فقط هو أنها تقدمت بشكوى رسمية يخشى الكثيرون التقدم بمثلها، ولديهم ما يدعوهم إلى الخوف، حيث تقدر الحكومة أنها تحتجز 3000 شخص بينما تحتجز الميليشيات 4000 شخص. وهؤلاء يجري تعذيبهم لانتزاع اعترافات منهم.

حصانة الثوار

وتقول دينا الطحاوي، باحثة منظمة العفو التي أجرت الكثير من المقابلات التي قام التحقيق عليها: " الأمور لا تتحسن" وما يجعل الأشياء تتفاقم هو أن المجلس الانتقالي الحاكم قام في مايو الماضي بإصدار قانون يكفل للثوار الحصانة بالنسبة لأي عمل يقومون به دفاعاً عن ثورة 17 فبراير. كما أصدر مرسوماً يقضي بأن التحقيقات التي يجريها رجال الميليشيا ينبغي أن يكون لها ثقلها القانوني على الرغم من انها غالبا ما يستخدم التعذيب بها.

والسؤال المطروح الآن هو: هل سيكون بمقدور حكومة جديدة تستمد شرعيتها من صندوق الانتخابات أن تكبح جماح الميليشيات وتعيد إقرار النظام والقانون في ليبيا؟ أم أن ليبيا سوف تصبح مثل لبنان خلال الحرب الأهلية، عندما تتحول الميليشيات التي بدأت مدافعة عن الجماعات المحلية إلى عصابات تدير شبكات الحماية؟

 

ميزة ليبية

 

هناك ميزة في ليبيا تتمثل في أن سكانها جميعهم تقريباً من المسلمين السنة، وليست هناك الانقسامات الطائفية الموجودة في لبنان وسوريا والعراق. والحكومة الليبية، خلافاً للحكومة اللبنانية، لديها عوائد نفطية كبيرة، ويمكنها أن تدفع للميليشيات أو تبني قوات أمن للدولة، بحيث تعيد إقرار النظام في البلاد من جديد.

إن الصعوبة الحقيقية بالنسبة للحكومات ووسائل الإعلام الأجنبية على السواء فيما يتعلق بليبيا هي أنها بعد الإطاحة بالقذافي خلال العام الماضي لا تريد للأخبار السيئة أن تشوه انتصارها.

وتقول دينا الطحاوي إن جانباً من المشكلة المتمثلة في دفع الناس للاهتمام بما يجري في ليبيا هذه الأيام هو أنه منذ سقوط القذافي، يجري تصوير ليبيا على الدوام باعتبارها قصة نجاح".