لا تواسوا أنفسكم بالاعتقاد أن فوز جماعة الاخوان المسلمين في أول انتخابات رئاسية حرة في مصر، أخيراً، هو مسألة رمزية فحسب، حيث أن الجيش لا تزال بيده بنادق، فالأمثلة من ثورات بالمنطقة و منها تركيا في الوقت الحاضر تبين كيف يمكن بسهولة شراء المجندين و استقطاب القادمين الجدد بالتودد إليهم، و يتم تطهير صفوف الضباط.

ولا تواسوا أنفسكم بالركون إلى فكرة أن الإسلاميين الآن سوف يتعين عليهم أن يبرهنوا على أنهم قادرون على حكم البلاد. جماعة الإخوان هي المنظمة الأكثر نجاحا اجتماعياً في العالم العربي. فقادتها مهرة سياسيا، و متعلمون اقتصاديا ،وصابرون من الناحية الاستراتيجية. معتقداتها تلقى صدى لدى الطبقات الفقيرة و الغنية والمتوسطة على حد سواء. ويمكنها أن تستخدم الجيش دائماً ككبش فداء في حال فشل الاقتصاد في التحسن.

لا تواسوا أنفسكم بالتوقع أن جماعة الاخوان المسلمين سوف تمارس اللعبة وفقاً للقواعد الديمقراطية التي أتت بها إلى السلطة. فقد قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي ينتمي إلى حزب إسلامي، منذ فترة طويلة "الديمقراطية بأنها مثل الترام". وقال "عندما تصل إلى محطتك فإنك تترجل منه". وأي حزب يحكم الشارع و الميدان يضع القواعد الخاصة به "للديمقراطية".

لا تواسوا أنفسكم، أخيرا، بالأمل في أن مصر ستبقى لاعباً مسؤولاً في الوضع الراهن على الساحة الدولية. سوف تسعى مصر، شيئاً فشيئاً، في ظل حكم جماعة الإخوان إلى تسليح حماس وإعادة العسكرة في سيناء. شيئاً فشيئاً، سوف تسعى لانتزاع تنازلات من الولايات المتحدة كثمن لتصرفها الجيد. شيئاً فشيئاً، سوف تصنع التحالفات المتطرفة في الشرق الأوسط وما وراءها.

من الذي خسر مصر؟

المصريون، على ما يبدو. كانت هذه هي لحظتهم و فرصتهم واختيارهم. لقد اختاروا، و إن كان بفارق هامشي، حزباً يقدم التسفيه كحل لكل مشكلة سياسية وشخصية. وفي الوقت الذي يشعرون بالندم على اختيارهم، فلن يكونوا في وضع يمكنهم معه إحداث التغيير.

ولكن هناك لاعبين آخرين في هذا الوضع، أيضا.

أولاً، إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. فقد صرحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال نزول المحتجين إلى ميدان التحرير في يناير 2011: "تقديرنا هو أن الحكومة المصرية مستقرة". لكن الرئيس أوباما لم يساعد في تحسين الأمور عن طريق الدعوة على الفور إلى تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

وبالتالي إظهار إلى أي مدى يمكن أن يكون من الحماقة أن يكون المرء حليفاً للولايات المتحدة، بعد عدم القيام بأي شيء خلال العامين السابقين للضغط على مبارك للتخلي عن السلطة بينما كانت لا تزال لديه فرصة.

ونتيجة لذلك، فإن الولايات المتحدة لا يوجد لها مصداقية لدى المصريين، سواء العلمانيين أو الدينيين، و هناك 19٪ فقط من المصريين يوافقون على قيادة أوباما، وفقا لمؤسسة غالوب للأبحاث.

ثانياً، إدارة بوش: "بطبيعة الحال، في مصر، كما هي الحال في الولايات المتحدة، هناك حرية للتعبير عن الرأي، ولذلك فمن الممكن لأي شخص أن يشكو من أي مشكلة شخصية أو اجتماعية، وإذا كانت هناك مشكلة، فهناك طرق قانونية للتعامل معها، سواء في مصر أو في الولايات المتحدة ". هذا قليل من التملق الذي قيل في مارس 2006 على لسان فرانك ريتشاردوني، الذي كان سفيراً للولايات المتحدة في القاهرة حينئذ، تماماً كما أن حكومة الرئيس السابق حسني مبارك سجنت أيمن نور، الذي كان المنافس الوحيد له في انتخابات العام 2005.

فكيف تسمح الإدارة الأميركية التي التزمت بوضع جدول أعمالها للحرية في صلب سياستها الخارجية لسفيرها بإبداء هذه الملاحظات؟ وماذا كان يوحي ذلك للمصريين فيما يتعلق بصدق أجندة الحرية للرئيس الأميركي السابق جورج بوش؟ السؤالان يجيبان عن نفسيهما.

ثالثاً، المعتزلون الليبراليون :هذا هو مصطلح جامع لأي شخص يعتقد أن نتيجة أي انتخابات حرة هي غير مشروعة بحكم الأمر الواقع، وهذه هي مسؤولية العالم نحو ديمقراطية المصريين أن يلتزم حياداً مدروساً بشأن خياراتهم السياسية. لكن انتخابات ديمقراطية تسفر عن نتيجة شمولية ليست نتائج "شرعية"، باستثناء المعنى الأكثر ضيقا للكلمة. و في الواقع، إنها كارثة مزدوجة.

إلا أن الاعتزال الليبرالي الأكثر عمقاً هو تنازل عن فكرة أن الحرية هي أكثر من كونها غاية في حد ذاتها. لو اعتقدنا أن أي استخدام للحرية هو الاستخدام المشروع للحرية، بأن لاري فلينت يحتل المجال الأخلاقي نفسه مثل فاكلاف هافيل، إذن ما كنت قد نجحت بشكل رئيسي في القيام به هو تدمير جاذبية الحرية لشريحة واسعة من العالم. إنها "المفهوم الفارغ للحرية".

كما يقول عمرو البرجيسي من الاتحاد المصري للشباب الليبرالي ومقره القاهرة، الذي أعطى للإسلاميين الأولوية الفلسفية والسياسية على حساب الليبراليين في مصر. يقول البرجيسي: "عندما يجادل الاسلاميون من أجل مجتمع، على سبيل المثال، خالٍ من المواد الإباحية، فلا يمكن الرد بالقول إن المواد الإباحية ينبغي أن تكون لها مطلق الحرية للقيام بما تريد". سوف تضطر إلى تقديم أسباب وجيهة للناس لتكون لديهم الحرية المطلقة في التعبير، حتى عندما تؤدي إلى آثار جانبية سيئة".

ما العمل؟

 

 

في عام 1979، خسرت الولايات المتحدة حليفاً لها في منطقة الشرق الأوسط ،ولكنها شكّلت تحالفاً مع مصر. ربما نكون محظوظين في حال سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ليس لأننا نمنح الشعب السوري الكثير من الأسباب لكي يحبوننا. لكن يمكن أن يتغير ذلك إذا اعتبرت الولايات المتحدة الأداة والحارس لحريتهم.

يمكننا أيضا أن نوضح للحكومة المصرية الجديدة شروطنا للحفاظ على الدعم المالي و التفضيل الدبلوماسي. فالاقتصاد المصري في محنة بما يكفي لجعل الحكومة الجديدة أكثر مرونة. لكن هذه النافذة لن تكون مفتوحة لفترة طويلة، والآثار المترتبة على مثل هذه الضغوط من غير المحتمل أن تكون طويلة الأمد.