توقف المراقبون الدوليون طويلاً عند تحطّم طائرة الاستطلاع التركية المنكوبة "آر إف-4 فانتوم" في البحر الأبيض المتوسط، حيث تم إسقاطها بواسطة النيران المضادة للطائرات من جانب الجيش السوري. لقد عمّق الحادث هوة الخلاف بين تركيا وسوريا، وهما الحليفتان السابقتان اللتان تدهورت شراكتهما في ظل الحملة الوحشية للرئيس السوري بشار الأسد التي امتدت على مدار 16 شهراً ضد شعبه.
وعلى الرغم من أن الحادث وحده لن يدفع تركيا إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع النظام السوري، فقد وضع تركيا في موقف سوف يؤدي حادث آخر إلى إجبارها على ذلك، حسب تعبير رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان، على: "تلقين من يجرؤون على اختبار حدود قوتها".
وفيما يتجاوز الحقيقة الأساسية المتعلقة بالطائرة التركية التي تم إسقاطها، فإن أنقرة ودمشق تختلفان على التفاصيل الأساسية التي أدت إلى وقوع الحادث. تصرّ تركيا على أن الطائرة كانت في المجال الجوي الدولي عندما أطلق النار عليها وأنها عبرت المجال الجوي السوري فحسب، وهو الحدث الذي وصفه الرئيس التركي عبد الله غول بأنه "روتيني".
فيما يصر النظام السوري، في الوقت نفسه، على أن طائرة الفانتوم أطلقت عليها النار داخل الأراضي السورية، وهو ادعاء يدعم زعم النظام بأن الثورة، التي تشير تقديرات الأمم المتحدة أنها خلّفت أكثر من 10 آلاف قتيل، يتم توجيهها من قبل القوى الخارجية.
رد أردوغان
ردّ إردوغان بغضب نموذجي بشأن استفزاز سوري آخر. وفي خطاب ألقاه في السادس والعشرين من يونيو الماضي أمام اجتماع لحزبه الحاكم "العدالة والتنمية" في أنقرة، أخيراً، حضره دبلوماسيون عرب، أعلن أن أي اقتراب للقوات السورية من حدود بلاده الممتدة بطول 565 ميلاً مع سوريا سوف يعتبر تهديداً، وأن أي انتهاك للحدود سيتم الرد عليه بالقوة. وقدّم النظام السوري "خطراً واضحاً وقائماً"، حسبما قال إردوغان.
وفي هذه الأثناء، دفع كبار مساعدي إردوغان علانية بالرسالة التي مفادها أن قواعد اللعبة قد تغيرت. وفصّل إبراهيم كالين، وهو أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء للسياسة الخارجية، القول في هذا التصريح المنشور على تويتر: "لقد تم تغيير قواعد الاشتباك للقوات المسلحة التركية وتوسيعها". وأضاف: "سوف يعتبر أي عنصر عسكري يقترب من الحدود التركية من الجانب السوري تهديدا عسكرياً مباشراً".
ودعم مسؤول تركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه، الخطاب العدائي الصادر حديثاً، حيث أشار إلى أنه مع استمرار سفك الدماء في سوريا، والآن إسقاط الطائرة الفانتوم التركية، فإن أنقرة لم تعد تلعب "دور الرجل اللطيف".
المنطقة الآمنة
تصريحات إردوغان أثارت على الفور مسألة ما إذا كانت المنطقة الآمنة بحكم الأمر الواقع، وهو خيار سياسي تم اتباعه لمدة طويلة باعتباره طريقة يمكن أن تعجل بزوال نظام الأسد، تم إنشاؤها لمساعدة قوات المعارضة، إلا أن رئيس الوزراء لم يحدد هو أو مستشاروه ما معنى "الاقتراب من الحدود التركية".
تفسير تركيا لكيفية وقوع الحادث ألقى بسخط متزايد على الأسد. فقد قال مسؤول تركي إن الطيارين دخلا المجال الجوي السوري بطريق الخطأ لمدة خمس دقائق، وعلى الأرجح بسبب خطأ في احتساب مسار الطيران عن طريق إساءة تحديد قمتين جبليتين باتجاه التي كان من المفترض أن يطيروا نحوها. وقد تم إبلاغهم بالخطأ من قبل مشغلي محطة الرادار التركية وعادا إلى المجال الجوي التركي.
وفقاً لما ذكره المسؤول، فقد طلب من الطيارين تكرار المناورة بشكل صحيح، والتي قصد بها اختبار قدرات رادار تركيا. و عادا إلى المجال الجوي الدولي، من خلال الطيران في شكل حلقات والعودة باتجاه تركيا، بموازاة الساحل السوري، عندما أطلقت النار عليهما بشكل متصل بالقرب من مدينة اللاذقية السورية.
قامت تركيا برصد الاتصالات اللاسلكية السورية خلال الحادث. وقال المسؤول التركي إنه "لم يكن هناك ذعر" في أصوات القوات السورية. و بدا أنهم قد تلقوا تعليمات باتخاذ مثل هذه الإجراءات وأثبتوا أنهم على علم بأنها كانت طائرة تركية، مشيرين إليها على أنها طائرة دولة "جارة".
ليس لأحد أن ينكر أن تركيا برزت كمركز إقليمي لنشاط المعارضة ضد الأسد في منطقة الشرق الأوسط. ففي العام الماضي، أنشأت المعارضة السورية والمجلس الوطني السوري مكتباً في اسطنبول، يضم قسماً مخصصاً للتنسيق العسكري. و تتخذ القيادة الشكلية للجيش السوري الحر المعارض، جنباً إلى جنب مع سوريين يقدر عددهم بـ 33 ألف شخص فروا من أعمال العنف المتصاعدة داخل بلادهم، 10 مقار في مخيمات تركية في المنطقة الحدودية. وأنشأت وزارة الخارجية الأميركية أيضا مكتباً في اسطنبول لمساعدة النشطاء في تدريب وتقديم معدات غير قاتلة للمعارضة.
دعم المعارضة
في الأسابيع الماضية، ادعت التقارير أن منظمة الأمن القومي التركية، وهي وكالة الاستخبارات التركية، قامت بنقل شحنات متعددة من الأسلحة إلى المعارضة السورية على طول الحدود. ونفى المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية سلجوق أونال المزاعم، لكن أحد النشطاء السوريين المشاركين في نقل أسلحة جديدة من منظمة الأمن القومي التركي للمعارضة على طول الحدود السورية التركية أكد على عمليات الشحن. وأضاف الناشط، الذي صرح بأنه يفضل اتخاذ تدابير غير العنف لإسقاط نظام الأسد: "بالنسبة لي، لم يكن هذا هدفي. لكن هذا عادة ما يرغب به الجميع. فهو نوع من الانتصار".
