تعد عملية الإسقاط الأخيرة لطائرة عسكرية تركية من قبل سوريا أحد المؤشرات إلى أن تركيا قد تكون الآن أكثر دعماً بقوة للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وعلى الرغم من أن أنقرة تصرّ على أن طائرتها دخلت المجال الجوي السوري عن طريق الخطأ ولكنها كانت في المجال الجوي الدولي عندما أسقطت، فإن السوريين يدعون أن الطائرة كانت تحلق على مستوى منخفض يثير التهديد و تدخل مجالهم الجوي عندما أسقطت. وفي كلتا الحالتين، فإن تركيا تترصد لنظام الأسد المحاصر من خلال الحشد العسكري على حدودها.
تقدم تركيا، وهي الصديقة السابقة لسوريا، بشكل واضح ملاذا آمنا لمقاتلي المعارضة السورية على أراضيها، و تقوم بتمرير أسلحة ومعدات اتصالات و مستشفيات ميدانية لهم عبر الحدود. وتمول مع دول أخرى المعارضة السورية للحصول على القذائف الصاروخية والبنادق الهجومية والذخيرة و الأسلحة المضادة للدبابات. كل هذه المستلزمات تجعل ميليشيات المعارضة السورية أكثر فعالية ضد قوات الأسد.
ازدواجية أميركية
وتقوم الولايات المتحدة، في محاولة مخادعة لمساعدة المعارضة من دون أن يظهر تورطها، بتزويد المعارضة السورية بعتاد "غير قاتل"، مثل معدات الاتصالات. وبطبيعة الحال، فإن العتاد "غير القاتل" هو أمر مثير للسخرية ،لأن توفير اتصالات أفضل في المستوى بين الميليشيات يزيد من قدرتها القتالية إلى حد كبير عن طريق السماح لها بتنسيق الهجمات. وعلى الرغم من أنه لا يمكن القتل مباشرة من خلال معدات الاتصالات، فهي تتيح قوة لقتل المزيد من أفراد الجيش السوري بشكل غير مباشر. وفي الوقت الحاضر، فقد أصبحت الاتصالات ذات أهمية كبيرة في الحرب.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة تقدم معلومات استخباراتية بشـأن مقاتلي المعارضة السورية لمصدري الأسلحة حتى يتسنى للمستفيدين من الأسلحة الوصول إلى أدنى قدر من التدقيق. كما تدرس الولايات المتحدة أيضا تقديم المعلومات الاستخباراتية، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية، للثوّار عن مواقع القوات العسكرية السورية وقوتها.
تود الولايات المتحدة أحيانا أن تبقى فوق مستوى الخلافات في حين تقوم بتأجيج الصراعات سرا بطريقة غير مباشرة ،وتتهم الدول المتنافسة بتأجيج الصراع من خلال دعم قوى الشر. فعلى سبيل المثال، اتهمت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، أخيراً، الروس بتوفير الأسلحة الهجومية لنظام الأسد. وبدأت وزارة الدفاع الاميركية على الفور تتراجع بالقول إن طائرات الهليكوبتر الهجومية المرسلة من روسيا إلى سوريا ليست جديدة ولكنها كانت على الأرجح الطائرات القديمة التي جرى إصلاحها. وذكر الروس بعد ذلك أن عقود الأسلحة الوحيدة التي أبرموها مع سوريا كانت لأسلحة دفاعية، مثل الدفاعات الجوية. وبالطبع، فقد مرّرت أجهزة الإعلام الأميركية التصريح المخادع الذي أدلت به كلينتون.
نفاق مكشوف
إن بشار الأسد رئيس قتل حتى الآن أكثر 10 آلاف من المدنيين في سوريا. و ربما تكون الولايات المتحدة على حق بشكل عام في انتقاد الدعم الروسي له. ولكن حتى هذا فهو نفاق، لأن الولايات المتحدة دعمت الحكومات التي قتلت من الناس أكثر من ذلك بكثير، ومنها على سبيل المثال، ما حدث خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي عندما قتلت الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في السلفادور 65 ألف شخص من شعبها، الكثير منهم بأسلوب الإعدام.
أيضا، قتلت الولايات المتحدة المزيد من الأبرياء بشكل مباشر أكثر من الأسد. ففي فيتنام، قتلت الولايات المتحدة الملايين من المدنيين بالقصف الكاسح وأنواع أخرى من الهجمات وهي أساليب فاقت عمليات التدمير الوحشي النازي في البلقان خلال الحرب العالمية الثانية. وفي الحرب الكورية، فإن الولايات المتحدة استهدفت السدود في كوريا الشمالية لتغمر الأراضي الزراعية، الأمر الذي أدى بالتالي إلى انتشار المجاعة بين السكان، والتي كان الغرض منها عرقلة المجهود الحربي لكوريا الشمالية.
تأجيج الصراع
تأتي الانتقادات الأميركية لروسيا الهادفة إلى صرف الانتباه عن تدخلها في الصراع السوري وتبريره كأحد أشكال النفاق. ينبغي على القوى الخارجية تجنب تأجيج ما هو آخذ في التحول إلى حرب أهلية بشكل سريع، والذي قد يتجاوز الحدود السورية و يصبح حرباً طائفية إقليمية.
وبغض النظر عما يفعله الروس، فإن الولايات المتحدة ليست لها مصلحة استراتيجية حيوية في سوريا، ويجب أن تتخلى عن تأجيج الصراع بأي شكل. وعلى الرغم من أن الإسرائيليين قد تكون لهم مصلحة استراتيجية من هذا القبيل في سوريا، فإنه من الممكن أن يختطف الاسلاميون الثورة كما حدث في مصر، مما سيجعل إسرائيل والولايات المتحدة تشعران بالميل إلى حكم بشار الأسد الدكتاتوري.
