تعليق الصحف الغربية، أخيراً، على التفجيرات الإرهابية التي نفّذتها حركة الشباب في كينيا وتعطيل المؤامرات الإرهابية المنطلقة من الصومال في هولندا، ساهم بتعزيز وجهة النظر التقليدية حول الصومال باعتباره البلد الذي مزقته الحرب ويفتقر إلى حكومة فاعلة ويحفل بالمتطرفين والقراصنة، وهو الرأي الذي كشفه أيضاً مؤشر مجلة "فورين بوليسي" للدول الفاشلة 2012، والذي تصدرته الصومال مرة أخرى باعتبارها أكثر الدول بعدا عن الاستقرار في العالم.
هذه النظرة ليست خاطئة تماما. لكن الأمر الذي يتم فهمه على نطاق أضيق كثيراً هو أن العديد من المناطق الصومالية، خاصة ولاية بونتلاند، لديها حكومات فاعلة اتخذت خطوات ملموسة لمعالجة التهديدات الإرهابية و الانقسام السياسي والقرصنة التي تعاني منها البلاد ككل.
فإذا كان المجتمع الدولي جادا في مساعدة الصومال، ومكافحة الجماعات الخطيرة على الصعيد الدولي التي تتخذ من الصومال ملاذاً، يتعين عليه عندئذ أن يزيد الدعم لحكومات الولايات الصومالية مثل بونتلاند، وأن يلزم نفسه بإنشاء دولة فيدرالية هناك.
أهداف صعبة
وكانت حكومة ولاية بونتلاند، الواقعة في شمال شرق الصومال على خليج عدن، قد تشكّلت في عام 1998. ولم يكن هدفها الانشقاق عن الصومال، و إنما إنشاء نظام فيدرالي من حكومات الولاية، وهو الحل الوحيد الحيوي لأزمة البلاد السياسية. يمكن للدستور الفيدرالي المشروع فقط أن يعيد لمّ شمل الصومال التي مزّقتها الحروب الأهلية وسوء الحكم على امتداد أكثر من 30 عاماً.
ومثل هذا الدستور يمكن أن يحلّ مشكلة انعدام الثقة المزمن بين الجماعات الصومالية، و ينهي حالة الفوضى، و يضمن توزيعاً واضحاً للسلطة والموارد والوظائف الحكومية. يستحق الشعب الصومالي السلام والاستقرار، ومنذ أن تأسست بونتلاند فقد حققت تقدما مطردا نحو تحقيق هذه الغاية.
فقد أجرت ثلاث عمليات انتخابية رئاسية ناجحة وسلمية، ولعبت دوراً بارزاً في وضع خارطة طريق من خلال استضافة مؤتمرين وطنيين بشأن الدستور. ومع ذلك، فلا تزال الصومال تواجه مهام شاقة عندما يتعلق الأمر بأكبر تهديدين للأمن والاستقرار فيها ، وهما القرصنة والإرهاب.
وكما تظهر الأحداث الأخيرة في كينيا ونيجيريا وأوروبا، فإن هذه التهديدات لا تقتصر على الصومال وحده. وتقع بونتلاند عند طرف منطقة القرن الأفريقي. ويمر ما يقدر بنحو ثلث التجارة البحرية العالمية عبر المياه قبالة الساحل الصومالي في كل عام.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها المجتمع الدولي، بما في ذلك تسيير أسطول من السفن الحربية لحلف "ناتو" والاتحاد الاوروبي في المنطقة، والقيام بأفضل الممارسات التي حددتها صناعة النقل البحري التجاري، فإن القرصنة الصومالية لا تزال تفرض أتاوة كبيرة على الاقتصاد العالمي تقدر بحوالي 7 مليارات دولار سنوياً.
وتشكل أعمال العنف التي يرتكبها هؤلاء القراصنة، وهم مجرمون يقومون باختطاف السفن وطلب فدية كبيرة، خطراً على سلامة البحارة وغالباً ما تسفر عن وقوع إصابات.
أخطار القراصنة
لا يقتصر خطر القرصنة على تأجيج حالة عدم الاستقرار والإجرام فحسب، ولكن هناك علامات مثيرة للقلق فيما يتعلق بالعلاقات بين القراصنة والجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وحركة "الشباب" التابعة للتنظيم ، الأمر الذي يعرض بونتلاند للتهديد يوميا.
وبالإضافة إلى مهاجمة المؤسسات في الصومال من خلال استهداف مسؤولين حكوميين وعلماء الدين وصحافيين وقادة المجتمع المحلي، واغتيالهم هم وغيرهم، استخدمت حركة "الشباب" الصومال كمنطلق لشنّ هجمات على بلدان أخرى مجاورة في شرق أفريقيا. كما منعت المنظمات الإنسانية من العمل في المناطق التي تسيطر عليها، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المجاعة في البلاد.
وفي مناسبات متعددة، دعت الأمم المتحدة السلطات الصومالية لتعزيز تنفيذ القانون، كما دعت المؤسسات الأمنية للتصدي لتهديد القرصنة والإرهاب مع المحافظة على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.
وعلى الرغم من أن التقدم الذي تم إحرازه على الصعيد المحلي كان بطيئا في بونتلاند، فقد تم اتخاذ تلك الدعوات على محمل الجد.
وفي عام 2010، ومع دعم قيام حكومة اتحادية انتقالية في الصومال، تم إنشاء قوة الشرطة البحرية في بونتلاند، وهي قوة شرطة ساحلية احترافية تستهدف أنشطة القرصنة والصيد غير المشروع في المياه الصومالية.
ونجحتا قوة الشرطة الساحلية، التي سيرت دورياتها بالتنسيق بشكل وثيق مع شركاء دوليين بما في ذلك الأمم المتحدة، في دفع القراصنة بعيداً عن الملاذات الآمنة و البلدات العديدة التي تلجأ إليها في الصومال. وفي أواخر مايو الماضي، ألقت قوة الشرطة البحرية في بونتلاند القبض على 11 قرصاناً، بمن فيهم قراصنة يشتبه بقيامهم بخطف عائلة دنماركية العام الماضي.
وتقتصر مهمة قوة الشرطة البحرية في بونتلاند على مكافحة القرصنة، دون الانخراط في النزاعات الحدودية الداخلية أو التنقيب عن النفط. كذلك تمكنت هذه القوة البحرية من القضاء على الخلايا الإرهابية، بما في ذلك أسر خبير المتفجرات التابع لحركة الشباب، و تعاونت مع وحدات مكافحة الإرهاب التي تعمل في المنطقة.
مساعدة دولية
إذا أردنا الحفاظ على السلام والاستقرار اللذين أحرزناهما بشق الأنفس، فإننا بحاجة إلى مزيد من المساعدة من جانب المجتمع الدولي.
وعلى وجه التحديد، نحتاج إلى تطبيق القانون والتدريب على مكافحة الإرهاب للقوات الصومالية المحلية مثل قوة الشرطة البحرية في بونتلاند، وتطوير النظام القضائي، بحيث نستطيع تقديم القراصنة وغيرهم من المجرمين للعدالة بشكل صحيح ، و إلى إجراء صيانة للسجون والمساعدة في توسيعها، بحيث يمكن احتجاز الأشخاص المدانين.
إننا مازلنا بحاجة أيضا إلى تقديم المساعدة الاقتصادية لتطوير مجتمعاتنا وتقديم فرص بديلة لأعمال القرصنة.
