بعد ستة عقود طويلة أمضتها مصر تحت الحكم العسكري، فلقد أصبح لديها، أخيرا، رئيس مدني منتخب ديمقراطيا. ومع كل الخدع الشريرة التي تم تمريرها أخيرا، من الحل المفاجئ للبرلمان الذي يهيمن عليه الإخوان المسلمون، إلى السلطات الهائلة التي انتزعها المجلس العسكري الحاكم لنفسه بشكل اعتباطي، وإلى الشائعات والشائعات المضادة حول تدهور صحة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فإنه لا يوجد شيء بإمكانه أن ينتقص من حجم الإنجاز الذي تحقق في مصر، وانتخابات حرة وعادلة بشكل واسع كما يبدو عليه الأمر في الظاهر، هي لحظة مؤثرة جدا في تطور الأحداث المستقبلية، ليس فقط بالنسبة لمصر بل بالنسبة للربيع العربي وللعالم من ورائه.
والنتيجة بحد ذاتها هي أيضا قضية تبعث على الارتياح، فالحصيلة النهائية ،التي تأخرت كثيرا والتي منحت لممثل الإخوان المسلمين دكتور محمد مرسي الغلبة على منافسه، قوبلت بموجة من الابتهاج حيث احتشد الألوف من المؤيدين في ميدان التحرير في القاهرة. لكن كان هناك تهديد حقيقي للغاية لاندلاع أحداث عنف لو تم تسليم الفوز المتوقع بشكل واسع بين صفوف الشعب إلى منافسة قائد سلاح الجو السابق ورئيس وزراء مبارك، الفريق أحمد شفيق. وعلى الرغم من المخاوف حول التوجه الإسلامي لمرسي، إلا أن فوز شفيق، حتى لو كان فوزا عادلا، كان سيبدو عودة إلى النظام السابق إلى حد بعيد.
الأولويات المباشرة
لكن على الرغم من كل الابتهاج، فان تحديات مصر بعيدة عن أن تصل إلى خواتيمها. وبالتأكيد، فإنها قد تكون في بداياتها. والأولويات المباشرة لمرسي ليس اقلها الوضع السيئ للاقتصاد المصري. واضطرابات الأشهر ال16 الأخيرة كانت مدمرة للاقتصاد، فالسياحة تراجعت واحتياطي النقد الأجنبي تضاءل، والأوضاع المالية للحكومة هي في حالة من العسر. وفي غضون ذلك، فان البطالة مرتفعة وهي على ازدياد، لا سيما في أوساط الشباب.
بالتالي، يجب أن يكون على جدول أعمال مرسي أولوية الحصول على دعم صندوق النقد الدولي الذي رفضه المجلس العسكري السنة الماضية. لكن على المدى البعيد، وبالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بقطاعي الرعاية الصحية والتعليم، فان الرئيس الجديد سوف يحتاج إلى البدء بإصلاحات اقتصادية واسعة النطاق لحل العاهات التي سببتها عقود من المحسوبية ومحاباة الأقارب.
وكما لو أن كل هذا ليس صعبا بما يكفي، فانه يتعين على مرسي أيضا التعامل مع مجموعة كاملة من القضايا الدستورية بعيدة المدى، بعضها واسع النطاق، على سبيل المثال، ما ستكون عليه العلاقة بين الشريعة والقانون العلماني في الدولة المصرية الجديدة؟ وبعضها الآخر اكثر مباشرة لكن ليس اقل صعوبة، ومن بين الأمور الأكثر صلة بالموضوع يفترض أن يكون السؤال المحير المتعلق بدستور مصر الذي لم تجر صياغته بعد.
معركة صلاحيات
وهنا بالتحديد حيث الصراع مع ما يسمى "الدولة الظل" المؤلفة من تحالفات غير ديمقراطية مؤثرة في النظام السياسي، سوف تكون على أشدها. وبالطبع، مرسي قد يكون الآن الرئيس من ناحية الاسم، لكن بعد صدور البيان الدستوري المسبب للصدمة أخيرا للمجلس العسكري الأعلى، فإنه قد تقرر أن لا تكون لمرسي سيطرة على الميزانية في مصر، ولا على سياستها الخارجية ولا على جيشها.
والمجلس العسكري كذلك احتفظ لنفسه بسلطة اختيار اللجنة التي ستصيغ دستور البلاد، والبرلمان لن يعاد انتخابه إلا بعد وضع هذا الدستور. ومرسي بالتالي سيحتاج للقتال للحصول على سلطاته الخاصة بالمنصب الرئاسي وللحصول على دستور يضمن بان السلطات العسكرية تأتي في المرتبة الثانية بعد المؤسسات السياسية المدنية. وستكون معركة بكل معنى الكلمة.
مسؤولية رئيسية
مع كل الثورات التي أشعلها الإخوان المسلمون ،أخيرا، هناك قلق حقيقي بانهم ومرشحيهم قد لا يكونون مختلفين بالقدر نفسه عما تشير إليه وعودهم.
فالحزب رأى أصلا تراجعا في تأييد الرأي العام بعد فوزه البرلماني الأخير، وذلك وسط اتهامات وجهت إليه بالتحزب وعدم الفعالية.
والخطر يكمن في ميل الإخوان لإثارة كثير من الضجة، فيما هم يعقدون صفقات من وراء الكواليس، مما قد يؤدي برئيس مصر الجديد دكتور محمد مرسي إلى التملص من أهم مسؤولية رئيسية أمامه، وهي الارتقاء إلى مثل ميدان التحرير وكشف شبكات السلطة والفساد التي عاثت في البلاد لفترة طويلة.
ومشكلات مصر لا يمكن الأمل بحلها بدفعة واحدة، لكن مرسي ليس لديه وقت طويل ليبرهن بانه جدير بهذه المهمة، وكل العالم يراقب ما يحدث.
