على الرغم من أن الصورة الراهنة لليبيا هي صورة بلد تكتسحه الانقسامات الداخلية ، وتهيمن عليه الميليشيات المفعمة بروح الثأر، إلا أن الليبيين قد أفلحوا إلى حد كبير في أن يضعوا الماضي وراء ظهورهم، وقد برهنوا على صمودهم بصورة مميزة في أعقاب ثورة عنيفة ودامية سقط في غمارها 30 ألف قتيل، وجرح فيها 50 ألف شخص، وأفضت إلى مرحلة من التغيير الكبير.
وفي ضوء وجود كميات هائلة من الأسلحة داخل ليبيا ، فإن بيئة ما بعد الثورة الليبية كان ينبغي أن تبدو مفعمة بالنذر على نحو ما هو موجود بالفعل. في العديد من أرجاء ليبيا عادت الحياة إلى وضعها الطبيعي، ويبدو أن الموقف السائد هو "دع الماضي يمضي إلى النسيان"، فقد تم خوض غمار الثورة لكي يستطيع الليبيون أن يقرروا ما يعتقدونه ، وليس أن يملى عليهم ما يعتقدونه.
وحقيقة الأمر أن كل ليبي يقل عمره عن 40 عاما أمضى حياته بكاملها في قبضة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وهناك مناخ من التعاطف يوشك أن يكون اشفاقا على أولئك الذين لا يزالون عاجزين عن إزاحة القذافي من أذهانهم. ونتيجة لذلك فإن هناك مناخا من التسامح مع من يعرفون باسم "الطحالب"، وهم أنصار القذافي السابقون. طالما أن هؤلاء الأنصار لا يحولون كلماتهم إلى أفعال.
غير أن روح التسامح والقبول هذه لا تمتد إلى اولئك الذين أمسكوا بمقاليد السلطة في ظل القذافي. وعلى المستوى الرسمي يبدو أنها ليست موجودة على الإطلاق، حيث أصدر المجلس الوطني الانتقالي قانونين أولهما يجرم تمجيد القذافي ونظامه، وثانيهما يتضمن عفوا عاما عن كل من وقفوا إلى جانب الثوار، أيا كان ما فعلوه في السابق.
