توحي احتجاجات روسيا الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الآمال الشعبية بالديمقراطية هي آمال حية وتنبض بالحياة، وقمعه للمعارضة لا يضر إلا بفرص روسيا في تحديث اقتصادها.

والاحتجاجات الأخيرة كانت الأولى ضد بوتين منذ أن استعاد الرئاسة في مايو الماضي. وكان يأمل أن ينهي فوزه بالانتخابات غير العادلة سلسلة من التجمعات المؤيدة للحرية، لكنه وجد نفسه، بدلاً من ذلك، مدفوعاً لقمع تحد يزداد قوة ضد حكمه. وفي سبيل القيام بذلك من دون إخافة المستثمرين الأجانب، فإنه يحتاج إلى إعادة انعاش اقتصاد متداع.

الصين أم الغرب

ويمثل المحتجون وبوتين نموذجين مختلفين كلياً لروسيا. فنهج بوتين يماثل نهج الصين، وقوامه استخدام سلطة الدولة القوية لإخماد المعارضة، وفي الوقت نفسه تحديث الاقتصاد. وفي روسيا يوجد كثير ممن يبدون داعمين له، لكن استطلاعا للرأي وجد أن معظم الناس الذين أدلوا برأيهم يقولون أن لا أحد يسألهم عن رأيهم وأن لا قدرة لهم على التأثير في مستقبل روسيا.

غير أن الطبقة الوسطى في المدن ترى في بوتين مثالاً لتفشي الفساد وخسارة الحرية، حيث الحقوق الشخصية يجري تجاهلها وتعرض الأقليات للقمع. وهي تتطلع إلى الغرب وليس إلى الصين للاستلهام منه.

قبل فترة وجيزة من بدء الاحتجاجات الأخيرة، تم إغلاق المواقع الإلكترونية لمجموعات المحتجين، وسبق ذلك تفتيش منازل سبعة من قادة المحتجين، وقد طلب منهم أيضا القدوم إلى مركز الشرطة في لحظة بدء الاحتجاجات.

وقبل ذلك بأيام، أسرع البرلمان الذي يسيطر عليه بوتين في تبني قانون يقضي بفرض غرامة قدرها 9 آلاف دولار ضد كل من يشارك في التظاهرات التي تصيب الناس والملكيات بالضرر، ولقد وسع الدوما أيضاً من نطاق تعريف الاحتجاجات.

حملات المداهمة

وحملات المداهمات ضد حرية التعبير والتجمع كانت قد عارضتها حتى الأحزاب السياسية المتحالفة مع حزب "روسيا الموحدة" المهيمن والمؤيد لبوتين. كما اضطرت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي تركز في الأساس على كسب مساعدة روسيا في مجال الشؤون الخارجية، للتعبير عن قلقها "العميق" حيال عمليات القمع.

وليس للمحتجين زعيم واحد، وهذا الأمر كان متعمداً لمنع بوتين من إيداع المنظمين الرئيسيين للاحتجاجات في السجون، ولتعزيز واقع أن المحتجين يمثلون بالفعل المشاعر الشعبية.

وفي أثناء ذلك، يتعين على أميركا وأوروبا دفع روسيا لاستكمال عملية انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، ومن ثم البدء بمراقبة تطبيقها لقواعد التجارة عن كثب. وكما كان الوضع مع الصين، فإن مسار تبني هذه القواعد وتطبيقها سيكون على الأرجح بطيئا. وكما ضغطت أميركا والاتحاد الأوروبي معا في سبيل التزام صيني بقواعد منظمة التجارة العالمية حول حماية الملكية الفكرية، كذلك يتعين عليهما التعاون عن كثب للحصول على التزام روسي بتلك القواعد وغيرها من الالتزامات.

وإذا كانت أميركا ستحظى بمصداقية في هذا الجهد، فإنه سيتعين عليها إبطال تعديل وثيقة جاكسون فانيك لعام 1974.

وإبطال هذه الوثيقة لا يجب أن ينظر إليه على أنه خدمة للحكومة الروسية الجديدة. ففتح الأسواق لروسيا هو أمر ضروري لإقناع الشعب الروسي وقادة الأعمال فيها بأن مستقبلهم هو مع الغرب. وفي المقابل، سيكون لرجال الأعمال الأميركيين إمكانية الوصول إلى اقتصاد وسوق استهلاكية ينموان باطراد.

والانطباع بأن هناك اضطرابات واسعة النطاق يمكنه أن يعوق جهود بوتين في توفير 25 مليون وظيفة جديدة عالية التقنية بحلول 2020. والمستثمرون الغربيون هم الآن حذرون بالفعل حيال الفساد المستشري والتراجع السكاني الديمغرافي في روسيا. والعديد من الروس الأغنياء تمكنوا من الهرب خارج البلاد.

وعلى غرار الربيع العربي، تعتبر الاحتجاجات المؤيدة للحرية في روسيا بمثابة مرآة لتكتيكات الحفاظ على الذات للنظام الفاسد. وفي نهاية المطاف، قد يحتاج المحتجون إلى تنظيم أنفسهم بشكل أفضل على أمل الفوز بالانتخابات المحلية أواخر العام الجاري، والتي يمكن أن تكون أقل تزويراً من الانتخابات الوطنية الأخيرة، ويمكن بعد ذلك أن يضم الروس في المناطق الريفية أصواتهم إلى المعارضة. فرصة ثمينة

 

تشكل عضوية منظمة التجارة العالمية فرصة ثمينة لتعزيز حكم القانون في روسيا، بما في ذلك القوانين الخاصة بالعقود وملكية العقارات وحماية الاستثمارات، ويتعين على أميركا وأوروبا دعم المنظمات الروسية، بما في ذلك هيئات رجال الأعمال الساعية إلى جعل عضوية منظمة التجارة العالمية حقيقة فعالة وعملية. وإذا كانت أميركا ستحظى بمصداقية في هذا الجهد، فإنه يتعين عليها إبطال تعديل جاسون فانيك لعام 1974.

وهذه الوثيقة تعد من بقايا الحرب الباردة، ولم تعد تخدم أي هدف عملي، حيث إن اليهود السوفييت الذين سعت إلى حمايتهم قد هاجروا منذ مدة طويلة، كما أنها تضمن وجود أميركا والشركات التي تعمل من أميركا في وضع سلبي، بإبقائها الحواجز الأميركية مرتفعة بشكل مبالغ به، في الوقت نفسه الذي تقوم روسيا بتوسيع تجارتها العالمية.