يقول خبراء قانونيون في مجال الاغتيالات المستهدفة باستخدام الطائرات الموجهة عن بعد إنهم يشعرون "بقلق شديد" حيال "لائحة التصفية" الخاصة بالإرهابيين التي تعود للرئيس الأميركي باراك أوباما، والطريقة التي يجري بها قتلهم بقذائف تطلق من طائرات موجهة عن بعد حول العالم. ويعتقدون أنه لم يجر تحديد محكم لكيفية وصول أسماء هؤلاء الناس إلى اللائحة في إطار السياسة الأميركية، مما يترك المجال مفتوحا لمشكلات قانونية وأخلاقية، عندما يخرج أمر التصفية من مكتب أوباما. فالقرار برأي هؤلاء الخبراء تغيب عنه المراجعة الخارجية، كذلك يبدو الأسلوب المعتمد ظاهريا لتحديد من هو "الإرهابي"، فضفاضا. وما كشفته الصحف حول "لائحة التصفية" أخيرا أظهر بأن إدارة أوباما تعرف "المتشدد" باعتباره أي رجل في سن التجنيد في منطقة الضربة الجوية لحظة إغارة طائراتها الموجهة عن بعد. وهذا الأمر أدى إلى إثارة غضب كثيرين ممن اعتبروا أوباما أكثر رقيا من سلفه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش حيال التعامل مع قضايا الإرهاب. لكن الخبراء لا ينظرون إلى الأمر بهذه الطريقة، بل يرون أوباما شبيه بوش، بمزيد من الحماس عندما يتعلق الأمر بحرب الطائرات الموجهة عن بعد.

مخالفة للتوقعات

لكن "لائحة التصفية" وتوسيع برنامج الطائرات الموجهة عن بعد على وجه السرعة هما مجرد جانبين من جوانب أخرى لسياسة الأمن القومي الخاصة بأوباما، والتي تبدو مخالفة لتوقعات كثير من مؤيديه في عام 2008. فبعد مجيئه إلى الرئاسة برسالة توحي بقطيعة قوية مع بوش، فإنه قد استند في الواقع إلى تكتيكات الأمن القومي لسلفه.

ولقد ترأس أوباما عملية توسع كبير لمراقبة سرية للمواطنين الأميركيين من قبل وكالة الأمن القومي. ولقد اطلق هجوما شرسا غير مسبوق على المخبرين عن خروقات في العمل، وجعل المزيد من الوثائق الحكومية سرية اكثر من أي رئيس سابق. ولقد أخلف وعده بإغلاق سجن غوانتانامو، ومضى في الملاحقة القانونية بالاستناد إلى محاكم عسكرية سرية، بدلا من محاكم مدنية، كما حافظ على عمليات الترحيل السرية. وحاول الاستيلاء على سلطات جديدة واسعة فيما يتعلق بتعريف الإرهابي أو الداعم للإرهابي، وما يمكن اتخاذه من إجراءات حياله، من دون اللجوء إلى المسار القانوني في الغالب.

واستخدم أوباما قانون التجسس ست مرات. وفي ثلاث سنوات، استخدم هذا القانون اكثر مما استخدم خلال ولاية الرؤساء السابقين مجتمعين.

وهذه التطورات تتناسب مع ارتفاع مستوى السرية في الحكومة في ظل أوباما. وفي تقرير صدر أخيرا لمكتب مراقبة أمن المعلومات كشف عن أن عام 2011 شهد قيام مسؤولين أميركيين بوضع اكثر من 92 مليون وثيقة سرية، بمعدل 16 مليون وثيقة اكثر من السنة التي قبلها. ويصر المسؤولون على أن اكثر النمو يعود لإجراءات إدارية بسيطة، لكن ناشطين مناهضين للسرية غير مقتنعين بالأمر. وتقدر الوثائق المصنفة سرية بشكل خاطئ عند نسبة 90%.

في ظل بوش، كان الجزء الأساسي هو البرنامج السري "للتنصت على المكالمات الهاتفية من دون إذن قضائي" الذي ألغي عندما تم الكشف عنه. لكن في 2008، مرر الكونغرس قانونا سمح باستمرار البرنامج من خلال جعل مكونات حيوية فيه قانونية. وفي ظل أوباما، تكثف العمل بهذا القانون، وفي بداية السنة قامت لجنة استخبارات تابعة لمجلس الشيوخ بتمديد القانون حتى عام 2017، مما سيجعله يدوم حتى نهاية الولاية الثانية لأوباما.

يقول جيمس بامفورد الصحافي ومؤلف عدة كتب عن وكالة الأمن القومي: "أوباما لم يعكس ما فعله بوش، بل ذهب أبعد منه. وأوباما يتميز فقط بقدرته على توضيب ما يقوم به في إطار حزمة اكثر جاذبية. فهو اكثر ليبرالية واكثر بلاغة، ولا يبدو كراعي بقر".

وهذا يمكن أن يفسر نقص التغطية الإعلامية للتغييرات المستهدفة لأوباما لقانون تمويل عسكري يدعي قانون التفويض الدفاعي القومي. ولقد تمت إضافة بند إلى هذا القانون له صفة مبهمة كثيرا لما يشكل دعما للإرهاب، وهذا ما حدا بالصحافيين والنشطاء السياسيين إلى الذهاب إلى المحكمة مدعين أنها تهددهم بالاعتقال لأجل غير مسمى على أشياء مثل مقابلة أعضاء في "حماس" أو "ويكليكس".

وقد حكم قاض من نيويورك لصالحهم، لكن بدلا من السعي إلى تعديل القانون، فان البيت الأبيض يسعى الآن إلى استئناف الحكم.

برنامج متشدد

لكن برنامج الطائرات الموجهة عن بعد و"لائحة التصفية" برزا على أنهما الأكثر مركزية في سياسة الأمن القومي المتشدد لأوباما. في يناير 2009، عندما جاء أوباما إلى السلطة، كان برنامج الطائرات الموجهة عن بعد موجوداً فقط تجاه باكستان، ولقد شهد 44 ضربة في خمس سنوات. ومع وجود أوباما في منصبه توسعت هذه الضربات إلى أفغانستان واليمن والصومال بأكثر من 250 ضربة جوية. ومنذ أبريل الماضي، كانت هناك 14 ضربة جوية على اليمن لوحدها. والقتلى في صفوف المدنيين أمر شائع. فضربة أوباما الأولى في اليمن قتلت عائلتين كانتا مجاورتين للهدف. وضربة في باكستان أخطأت الهدف وقتلت زعيما قبليا محترما ومندوبا للسلام. ولقد قتل بشكل متعمد مواطنون أميركيون بما في ذلك رجل الدين المتشدد أنور العولقي في سبتمبر الماضي، وعن طريق الخطأ قتل آخرون، بما في ذلك ابنه البالغ من العمر 16 عاما. وعمليات الطائرات الموجهة عن بعد تعمل الآن من قاعدتين رئيسيتين في أميركا، وعشرات المنشآت الأصغر تعمل من 6 دول أجنبية على الأقل. وهناك لقاءات "ثلاثاء الرعب" لمناقشة الأهداف التي يحضرها مدير حملة أوباما ديفيد أكسلرود أحيانا، مما يعطي مصداقية لمن يرى الأمر من وجهة نظر سياسية خالصة.

أثر السرية

تبدو سياسة الأمن القومي للرئيس الأميركي باراك أوباما مثيرة للجدل بالنسبة للبعض، فهو قد سلط سلطة الأمن القومي على الداخل والخارج بشكل لا يرحم، لكن البديل في الانتخابات المقبلة هو الجمهوري مت رومني. تقول المستشارة الأخلاقية في وزارة العدل سابقا جسلين راداك: "بمعزل عمن سينتخب وما إذا كان أوباما أو رومني، فانهما سيستمران على هذا المسار الخطر، وهذا يوجد أزمة دستورية لبلادنا. أزمة لما نمثله نحن الأميركيين. فلا يمكن أن تكون مجتمعا حرا في حين يحدث كل هذا في السر؟"