في الوقت الذي اجتمع قادة 28 دولة و30 وفداً قومياً مشاركاً في قمة حلف «ناتو» التي انعقدت في مدينة شيكاغو الأميركية، أخيراً، هناك تساؤلات تفرض نفسها الآن وهي: هل يواجه أكبر حلف عسكري في العالم حالة من الذبول تودي به إلى الزوال في نهاية المطاف؟ وهل لا يزال العالم في القرن الحادي والعشرين بحاجة إلى «ناتو»؟ في عام 1967، عندما تم نقل مقر «ناتو»، الذي كان حينئذ بمثابة الحصن المنيع للغرب في مواجهة الاتحاد السوفييتي السابق، من العاصمة الفرنسية باريس، كان الهدف من النقل مؤقتاً. لكن ظلت مقار الحلف حتى وقتنا هذا على امتداد أربعة عقود ونصف العقد، شاهداً على حقبة تاريخية أخرى، ممتداً إلى ما بعد فترة الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي.

وجهة نظر داخلية

وقبيل انعقاد قمة «ناتو»، التي تعد أكبر قمة في تاريخ الحلف منذ إنشائه، وصف الأمين العام لـ «ناتو» أندرز فوغ راسموسين الموقف بالقول: «ناتو تحالف مهم كعهده. فهو أقوى وأكثر حلف عسكري نجاحاً في العالم. واليوم، وفي ظل التحديات الأمنية الجديدة التي يواجهها الحلف، فقد تكيفنا مع هذا الوضع».

 وأشار راسموسين إلى النجاح الذي أحرزه «ناتو» في التدخل العسكري في ليبيا العام الماضي، عندما تآزرت القيادة الأوروبية و التكنولوجيا الأميركية لإنهاء تلك الحرب الأهلية الدموية الدائرة في البلاد، والتخلص من حكم الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي الذي امتد لاثنين و أربعين عاماً.

أما في أفغانستان، التي تصدرت أجندة قمة الحلف، فقد قاد «ناتو» القتال ضد حركة طالبان الأفغانية. ويعمل الحلف الآن على حفظ السلام في كوسوفو والمساعدة في تمشيط الساحل الصومالي ومراقبة المجال الجوي فوق بحر البلطيق. يقول راسموسين إنه بعد انتهاء الحرب الباردة بفترة طويلة، فإن الحلف أصبح الآن في قلب الأمن العالمي.

هذه هي وجهة النظر من داخل «ناتو». أما من خارج الحلف، فإن وجهة النظر تتمثل في كونه منظمة تبحث عن مبرر لوجودها. وهو أبعد ما يكون عن تمثيل قوة الغرب، بل أصبح يجسّد هشاشته. وأدت الأزمة المالية إلى تقليص الميزانيات الدفاعية الأوروبية المنكمشة فعلياً، الأمر الذي دفع البعض في واشنطن إلى التشكك حيال ما إذا كان الجانب الآخر من الأطلسي سوف يفي بتعهداته حيال الحلف. ويشير المشككون إلى العيوب التي شابت عملية «ناتو» في ليبيا، فعلى الرغم من أن بريطانيا و فرنسا قادتا الهجوم، إلا أن شيئاً لم يتحقق دون أن تقوم الولايات المتحدة بجميع المهام الثقيلة من وراء الكواليس، من عمليات المراقبة وشن الغارات الجوية إلى تزويد طائرات «ناتو» بالمؤن. والقوات الأوروبية، في نهاية المطاف، نفدت منها القنابل.

الهرب من التورط

والآن، تعلن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عن محور استراتيجي بعيداً عن الشرق الأوسط وحلفائها حول البحر المتوسط، باتجاه مجابهة التحديات في المحيط الهادئ، فإن «ناتو» آخذ في التحول إلى أطلال من الماضي. ولأول مرة في العصر الحديث، يتوقع أن يتجاوز الإنفاق العسكري في آسيا نظيره في أوروبا خلال العام الحالي، وهو التوجه الذي سوف يتواصل.

وفي ظل الأزمة المالية الطاحنة التي تواجهها القارة الأوروبية، فمن الواضح أن حلفاء أميركا التقليديين في الغرب لن يقدموا سوى أقل القليل. وربما يكون ذلك أمراً لا مفر منه. يقول إيان بريمر، وهو مؤلف كتاب «كل دولة من أجل مصلحتها: الرابحون و الخاسرون في عالم مجموعة الصفر»: «بات التوازن الجيوسياسي مدفوعاً بشكل متزايد بمسائل تتعلق بالاقتصاد، وليس الأمن». وفي ظل التراجع الذي تشهده اقتصادات دول الحلف والإنهاك الذي أصاب مواطنيها جراء الحرب في أفغانستان، يبدو أن حكومات «ناتو» قد بدأت تتحلل من عبء تورطها هناك بقدر الإمكان.

 

عملية استثنائية

 

بمجرد انسحاب قوات «ناتو» من أفغانستان بحلول العام 2014، من الصعب تصور أن ينخرط الحلف في عملية مماثلة مرة أخرى. وعدم قدرة الحلف على التدخل العسكري في صراعات أخرى بالمنطقة يشير إلى أن الحملة العسكرية التي شنها الحلف في ليبيا هي استثناء ولا يمكن اعتبارها قاعدة. أما المدافعون عن «ناتو»، كمجموعة ذات عقلية متماثلة من الأنظمة الديمقراطية، يزعمون أن الحلف يلعب دوراً أيديولوجياً على الأقل. لكن ديمقراطيات صاعدة أخرى، مثل الهند والبرازيل، لا تكترث بالانضمام إلى منظمة أنشئت خلال فترة الحرب الباردة لتدعيم السياسة الخارجية للولايات المتحدة. فالبلاغة الجريئة والمقر الجديد المترف لن يغير الحقيقة التي مفادها أن التحدي الذي يواجهه «ناتو» لا يكمن في تهديد خارجي واضح، ولكن في عدم وجود مثل هذا التهديد.