خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما، أخيراً، إلى أفغانستان، خاطب أفراد القوة الأميركية في قاعدة باغرام الجوية، قائلاً: "أيها الأخوة الأميركيون، لقد مضينا عبر أكثر من عقد من الزمان تحت سحابة سوداء من الحرب". وأضاف: "هنا في ظلام ما قبل الفجر، يمكن أن نرى ضوء يوم جديد يلوح في الأفق. لقد انتهت حرب العراق. وتم خفض عدد الجنود المعرضين للخطر إلى النصف، وسوف يعود المزيد من الجنود إلى أرض الوطن.. وبدأ وقت الحرب في أفغانستان، وهذا هو وقت نهايتها". كان التعليق مثيراً للاهتمام. فإذا كان "وقت الحرب" قد انتهى، فهل هذا يستبعد الإجراء العسكري الأميركي ضد قوى إقليمية؟

محاصرة المنافسين

وإذا ما نحينا جانباً الرحلة الدائرية التي قام بها أوباما لمسافة 14 ألف ميل إلى أفغانستان للاحتفال بالذكرى السنوية لعملية اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن على يد مجموعة مكونة من ستة أفراد من قوات البحرية الأميركية، فإنه يبدو أنه كان يحاصر منافسيه الجمهوريين.

تأكيده على أن حروب أميركا قد انتهت وأن القوات الأميركية سوف تعود إلى أرض الوطن يعكس إرادة وطنية. واتفاقية الشراكة التي أبرمها مع الرئيس الأفغاني حامد قرضاي وتعهده بأن القوات الأميركية سوف تبقى لتدريب الجيش الأفغاني والحيلولة دون عودة تنظيم القاعدة، كل ذلك ينفي عنه تهمة أنه يهرب من الميدان. إلا أن صحيفة "نيويورك تايمز" شعرت بخيبة أمل.

ولم يقل أوباما كيف يمكن للولايات المتحدة أن تدرّب الجيش الأفغاني لإلحاق الهزيمة بطالبان بحلول العام 2014، ولا كيف يمكن لأميركا حمل قرضاي على التعامل مع الفساد المتفشي وعدم الكفاءة في حكومته. ولم يذكر أوباما كيف نستطيع أن نضمن أن تنظيم القاعدة لن يعود بعد رحيل القوات الأميركية. صحيفة "نيويورك تايمز" غاب عنها الموضوع الأساسي.

إن هذا الخطاب لم يقصد به إيضاح استراتيجية للولايات المتحدة على مدى السنوات الاثنتي عشرة المقبلة، ولكن قصد به المضي قدماً بباراك أوباما إلى منصب الرئاسة في نوفمبر المقبل. والخطاب يحقق هذا الهدف.

مهلة معقولة

لا أحد يعرف ماذا سيحدث عندما يعود 23 ألف جندي أميركي إضافي إلى أميركا في الثلاثين من شهر سبتمبر المقبل، وجميع القوات القتالية سوف تخرج من أفغانستان في عام 2014. والاحتمالات هي أنه بعد مرور "مهلة معقولة"، مثل تلك الفترة في فيتنام الممتدة من عام 1973 إلى 1975، سوف تعاود حركة طالبان الانتقام من جميع الذين تخلوا عنها، وسوف تعود أفغانستان مرة أخرى على الحال التي كانت عليها عندما دخلتها القوات الأميركية قبل عقد من الزمان. لماذا هذا الاحتمال وارد؟

أولا، لأن حركة طالبان أثبتت أنها، رغم كونها أقل عدداً، قوة قتالية متفوقة على الجيش الأفغاني. ولم يحتج رجالها للأجانب للتحفيز أو التدريب أو تقديم المشورة. كما أنهم ليسوا بحاجة للمال الأجنبي للقتال. إلا أنهم خاضوا معركة مع أفضل جيش في العالم على امتداد عشر سنوات وضحوا بحياتهم مراراً في هجمات انتحارية. فكم أفغانيا من جانبنا شنوا هجمات انتحارية؟

ثانياً، تضرب حركة طالبان بجذورها في قبائل البشتون، وهي أكبر جماعة قبلية في أفغانستان، وتشكل نصف السكان، وتتركز في المناطق الجنوبية والشرقية الحاسمة. ثالثاً، لدى رجال طالبان ملاذ آمن في باكستان. رابعاً، لأن الإسلام، حسبما رأينا خلال رد الفعل الحاد إزاء ما كانت تعتقد القوات الأميركية أنه كان أمراً روتينياً لحرق نسخ من المصحف، هو أكبر قوة ثقافية واجتماعية في أفغانستان. وتعد حركة طالبان الأكثر تجذراً في رفع لوائه.

خامساً، النزعة القومية هي أقوى تيار سياسي يجتاح الدول الممتدة من المغرب العربي إلى الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا. وقد تكبدت حركة طالبان الضحايا ولديها المؤهلات لإثبات أن أفرادها سيقاتلون إلى الأبد لتحرير وطنهم من النفوذ الأجنبي في سبيل نزعتهم القومية.

 

تكلفة باهظة

 

يرغب معظم أبناء الشعب الأفغاني بالتأكيد في ألا تعود طالبان، بالنظر إلى وحشية حكمها السابق، وفي أن يكونوا أحراراً في عيش حياتهم الخاصة وفقا لتفسيرهم الخاص لإيمانهم. إلا أن طالبان أثبتت أنها على استعداد لمواصلة النضال ضد مخاطر هائلة، والقتال والموت بأعداد غفيرة في سبيل هذا الوطن الذي يرغب أفراده العيش فيه، ومن أجل هذا النوع من النظام الذي يرغبون في التفيؤ بظلاله. حلفاء أميركا لم يكونوا بالمستوى نفسه من الحماس. قال الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي: "إن حفنة صغيرة من أصحاب المعنويات المتقدة شعلة لا تنطفئ من الإيمان في غمار مهمتهم يمكن أن يغيروا مجرى التاريخ".

 إذن، بعد مرور عقد من الزمان من الحرب في أفغانستان، ماذا حققنا، وبأي تكلفة؟ هناك ألفا أميركي لقوا مصرعهم، و16 ألفاً أصيبوا بجروح، ومئات المليارات من الدولارات أهدرت، وعشرات الآلاف من الأفغان قتلوا.