استحوذت دارفور، في وقت من الأوقات، على اهتمام العالم باعتبارها رمزاً معاصراً للفشل الدولي في مواجهة الأعمال الوحشية الجماعية. وعلى الرغم من ذلك، ففي السنوات الأخيرة خرجت عن نطاق الاهتمام في الوقت الذي تراجع مستوى العنف الذي ترعاه الحكومة، و غيرها من الأزمات الملحة في السودان، بما في ذلك التهديد بالحرب بين السودان وجنوب السودان الذي استحوذ على عناوين الأخبار.
سبب آخر
ولكن هناك سبباً آخر لعدم سماع الكثير بشأن المشكلات الجارية في دارفور هذه الأيام، وهو أن وكالات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة توقفت أساساً عن إصدار تقارير علنية حول الانتهاكات الحاصلة هناك منذ ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف السنة، وذلك وفقاً لمسؤولي الأمم المتحدة والمهتمين بحقوق الإنسان و تقرير للأمم المتحدة تم تسريبه.
الروايات الأكثر إشراقاً عن الأحداث في دارفور تعكس في بعض جوانبها اتجاهاً تتبناه قيادة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بالترويج للنجاحات التي تحققت في عملية السلام التي ساعدا في التوسط لها، والتقليل من شأن فشلها. لكن الصمت الطويل يرجع بشكل كبير إلى ممارسة الحكومة السودانية تخويف مسؤولي الأمم المتحدة وموظفي الإغاثة المستقلين لكي يلتزموا الصمت أو التقليل من انتهاكات الحكومة، وذلك من خلال التهديد بالطرد المحتمل أو ممارسة المضايقات على أرض الواقع.
حالة تحفظ
وفي الواقع، فإن حالة التحفظ من جانب الأمم المتحدة في التوثيق العلني لانتهاكات حقوق الإنسان قد ازدادت بعد أن قامت الحكومة السودانية بطرد 13 من منظمات الإغاثة في مارس عام 2009، الأمر الذي صعّد المخاوف من أن النقد الصريح للنظام قد يثير حملة قمع ضد العاملين الأجانب.
فلم يقم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بإصدار تقرير واحد عن الانتهاكات في دارفور منذ شهر يناير عام 2009، وذلك عندما قامت المفوضية بتوثيق عمليات القتل من جانب الحكومة بحق أبناء دارفور المشردين في طريق العودة إلى مخيم "كالما" الخاص بالمواطنين المشردين داخلياً في أغسطس 2008. والتزمت بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور "يوناميد"، التي تضم موظفين من مكتب المفوض السامي، الصمت إلى حد كبير.
وفي الوقت نفسه، قدمت مجموعة مؤلفة من ثلاثة خبراء سابقين بالأمم المتحدة ، أخيراً، تقريراً سرياً يفيد بأن بعثة الأمم المتحدة في دارفور اختصرت تقارير تنتقد انتهاكات الحكومة السودانية، من خلال التقليل من شأن سلسلة من الهجمات ضد قبيلة الزغاوة في العام الماضي أدت إلى تشريد 70 ألف نسمة، وهو ما يرقى إلى مستوى التطهير العرقي. وقال روبرت كولفيل، وهو المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة: "
كان هناك بالفعل تراجع كبير في عدد تقارير حقوق الإنسان التي أصدرتها يوناميد على مدى العامين الماضيين، وهذا شيء يشعرنا بالقلق وقمنا بطرحه على الفريق العامل على أرض الواقع". وامتنع كولفيل عن توضيح السبب في توقف الأمم المتحدة عن إصدار تقارير حقوق الإنسان بشكل دوري حول دارفور حتى بداية عام 2009.
ويعترف مسؤولون أميركيون ودعاة حقوق الإنسان بأن طبيعة العنف في دارفور تغيرت منذ أكثر المراحل دموية من عام 2003 حتى عام 2005 خلال حملة مكافحة التمرد التي شنتها الحكومة السودانية والتي لم تتوقف نهائياً، والتي أدت إلى مقتل أكثر من 300 ألف شخص وتشريد ما يقرب من ثلاثة ملايين نسمة. وقد تم تخفيض الوضع العسكري لواحدة من جماعات المتمردين الرئيسية في دارفور وهي حركة العدل والمساواة بموجب معاهدة سلام أبرمت بين تشاد والسودان.
وهناك على الأقل اتفاق سلام بديل الآن، وهو الذي لا يفي بالسلام تماماً، ولكنه أرسى عملية سياسية لتوجيه بعض الدوافع الأكثر عنفا في المنطقة. غير أن ذلك لا يعني أن المشكلات قد انتهت، فالمنطقة لا تزال تعاني من القتال بين القبائل من الأعمال اللصوصية والجريمة.
صورة قائمة
وفي غضون ذلك، تواصل الخرطوم قتل المدنيين من خلال حملة قصف جوي، حيث قامت، أخيراً، بمهاجمة المنطقة الوسطى من جبل مرة في دارفور. وتستورد أيضا أسلحة مخالفة لعقوبات الأمم المتحدة، وتقوم بتوفير الدعم العسكري للميليشيات الموالية لها في محاولة لاجتثاث قواعد محتملة تدعم قوات المتمردين التي تخطط الآن للإطاحة بالحكومة. وفي الواقع، قام الخبراء الثلاثة السابقون بالأمم المتحدة بتوثيق أدلة تفيد بأن الخرطوم، التي قدمت الدعم تقليدياً للميليشيات العربية في دارفور، بتدريب وتسليح و تنظيم القبائل المحلية غير العربية لأول مرة لمحاربة متمردي الزغاوة المناهضين للحكومة.
وفي مطلع الشهر الماضي، أعربت سوزان رايس سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، عن مخاوفها بشكل خاص إزاء عدم وجود تقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور وذلك خلال لقاء خاص مع إبراهيم غمباري ممثل "يوناميد".
وفي الآونة الأخيرة، حثّت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية أخرى قائد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة هيرفيه لادسو، خلال جلسة مغلقة في مجلس الأمن، على تكثيف التقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان، معتبرة أن التطورات على أرض الواقع لا تزال تتطلب إعداد التقارير العامة بشأن الانتهاكات التي ترتكبها القوات الحكومية أو المتمردين في دارفور.وقالت رايس خلال لقائها مع الصحافيين، أخيراً: "من وجهة نظر الولايات المتحدة، فإننا لسنا متفائلين حيال الوضع الأمني في دارفور. وأضافت: "إننا نرى أن العنف يتصاعد في أربع أو خمس مناطق دارفور، ونحن نشعر بالقلق بشكل خاص بشأن ما يجري في ولاية شمال دارفور وجبل مرة".
