كان الرئيس السوداني عمر البشير يلقي مزيدا من الخطابات ويتلاعب بالكلمات، أخيرا، عندما ابتكر اسما جديدا لحركة تحرير جنوب السودان، التي شكلت حكومة في جنوب البلاد بعد أن نالت استقلالها من السودان في يوليو الماضي.

وبدلا من كلمة حركة فقد بدأ البشير في استخدام كلمة حشرة، فعمدت وسائل الإعلام الرسمية السودانية مطيعة إلى تبني هذا المصطلح المسيء. وهذا الأمر يثير القلق بالتحديد لأن السودان وجنوب السودان هما على شفير حرب.

وقد تبادل البلدان السيطرة على بلدة هجلج النفطية التي تقع على الحدود الجديدة بين البلدين مرتين أخيرا: أولا أخرجت جنوب السودان القوات السودانية منها، ومن ثم قام السودانيون باستعادتها. وتصر حكومة جنوب السودان أنها انسحبت منها طوعا، لكن المرافق التي تمد السودان بنصف حاجته من النفط كانت قد دمرت عن بكرة أبيها.

صراع عرقي

وإذا اندلعت الحرب بين الجانبين، فإنها ستكون للسيطرة على احتياطات النفط على طول الحدود بين البلدين، لكنها أيضا ستكون صراعا عرقيا. والخطاب أصبح قبيحا جدا في الآونة الأخيرة. فقد قال البشير أخيرا أمام تجمع جماهيري في الخرطوم: نقول إن حركة تحرير جنوب السودان تحولت إلى داء، داء لنا ولمواطني جنوب السودان. والهدف الرئيسي يجب أن يكون التحرر من تلك الحشرة، والتخلص منها مرة واحدة والى الأبد.

ويشير ضمنيا إلى أن الحرب ستكون حربا شاملة حيث يقول: إما ان ننتهي في جوبا عاصمة جنوب السودان ونأخذ كل شيء، أو ينتهي بهم المطاف في الخرطوم ويأخذون كل شيء.

فماذا يفترض فعله حيال هذا الأمر؟ كثيرون سيرثون واقع أن البشرية لا تزال فريسة حلقة من الحروب الدائمة، لكن لا يوجد أحد سيقول: على الرغم من أننا نشفق على هاتين الدولتين، إلا أنهما أحد الاستثناءات الحتمية للقاعدة، وهي أن الحروب في حالة من التراجع الكبير الذي قد لا يمكن عكسه في كل مكان. لكن هذا بالتحديد ما يفترض بهم قوله.

فالحرب بين الدول ليست قاعدة في إفريقيا، فهناك 52 بلدا إفريقيا، واثنتان فقط من مجموع هذه الدول توجهتا للحرب في السنوات العشرين الماضية.

حروب مريرة

وتعد الحروب الداخلية اكثر شيوعا، وبعضها كتلك التي اندلعت في رواندا والصومال والكونغو والسودان حصدت أعدادا كبيرة من الأرواح. لكن تلك الحروب كانت تقتل بالمعدل أكثر من نصف مليون شخص في السنة في ثمانينات القرن الماضي، لكن اليوم فان أعداد القتلى في الصراعات الداخلية في إفريقيا تبلغ في حدود 100 الف شخص سنويا. والرقم ليس سيئا بقدر ما يظنه البعض، بل إنه في تحسن.

ويصعب تصور أي شيء اكثر تفاهة أو ولعا بالقتال من قرار رئيس جنوب السودان سيلفا كير وقف كل إنتاج النفط، على الرغم من تأمينه 98% من ميزانية الحكومة، لان السودان كان يشفط بعضا منه. ولا يوجد أمر اكثر عدوانية من استيلاء الخرطوم الأحادي الجانب على كمية كبيرة من نفط الجنوب العابر عبر السودان بأنابيب نفط إلى البحر، لمجرد أن الجانبين لم يتوصلا إلى اتفاق على رسوم الترانزيت. والآن البلدان ينقصهما النفط ويعانيان من نقص في النقد، وعلى وشك أن يضيعا مواردهما المتبقية في حرب سخيفة جديدة.

لكن باقي العالم يحاول جاهدا لوقفهما على اقل تقدير، وحتى الأصدقاء الأكثر قربا من جنوب السودان أدانوها لاستيلائها على بلدة هجلج، واجبروها على الانسحاب. وارسل الاتحاد الأفريقي الرئيس السابق لجنوب إفريقيا ثابو مبيكي والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بالسودان هيلي منكريوس للتوسط بين الجانبين. والصين، التي تتلقى معظم الصادرات النفطية من البلدين، أرسلت مبعوثها إلى إفريقيا زونغ جينهاو في مهمة مماثلة.

من يدري؟ ربما ينجحون، فالمعجزات تحدث كل الأوقات هذه الأيام.