دعا أحد الصحافيين السفارة البريطانية للتعليق على الأحداث، في خضم الهجمات التي شنتها طالبان وسط كابول، فقال دبلوماسي بريطاني غاضب: لا أدري لماذا يفعلون ذلك، سنخرج من هنا في غضون سنتين، وجل ما عليهم القيام به هو الانتظار فقط.

ويفيد الموقف الرسمي انه في غضون عامين من الآن، وتحديداً بعد مغادرة القوات الأميركية وقوات ناتو أفغانستان، فإن النظام الذي وضعته هذه القوات سيكون قادراً على البقاء في السلطة من دون دعم خارجي، ومن الواضح أن الدبلوماسي البريطاني لا يصدق هذا الأمر، ولا يصدق ذلك معظم المراقبين الأجانب أيضاً.

وكان الجنرال جون آلن، قائد قوة إيساف، قد قال طبعاً إنه كان فخوراً جداً برد فعل قوات الأمن الأفغانية خلال الهجمات، وقال غيره من كبار القادة أيضاً ان هذا يظهر ان التدريب الأجنبي لهذه القوات قد أتى ثماره. ولا بد من الإعجاب بجرأة القادة وثقتهم بأنفسهم، حيث هجمات متزامنة في كابول وثلاث مدن أخرى تبرهن بنظرهم على ان الاستراتيجية الغربية تتكلل بالنجاح!

استهدفت هجمات طالبان في العاصمة الأفغانية البرلمان الوطني، ومقر ناتو والسفارات الألمانية والبريطانية واليابانية والروسية، وأسفرت عن مقتل أو جرح حوالي مئة شخص، وقد استمر القتال لمدة 18 ساعة، وكان هناك هجوم مماثل في وسط العاصمة الأفغانية في سبتمبر الماضي. إذا كانت هذه الحرب الفيتنامية، فإننا نكون قد وصلنا إلى سنة 1971 في تلك الحرب. وقد أعلنت الحكومة الأميركية عن نيتها الانسحاب من أفغانستان في غضون سنتين، تماماً كما فعلت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون عام 1971. أراد نيكسون أن يبعد جانباً حملته للانتخابات الرئاسية لولاية ثانية قبل ان يوقف الحرب، تماماً كما يفعل الرئيس الأميركي باراك أوباما اليوم.

ومن الواضح ان حركة طالبان تفوز في الحرب بأفغانستان حالياً تماماً كما كانت فيتنام الشمالية تفوز في الحرب في جنوب فيتنام. والاستراتيجية الأميركية في تلك الفترة تعرضت للهجاء بتعابير مثل اعلن الفوز وارحل، وهي لم تتغير مثقال ذرة خلال 40 عاماً، ولا الأكاذيب التي تغطي عليها.

والحكومة الدمية لأميركا في جنوب فيتنام تمكنت من الاستمرار سنتين بعد خروج القوات الأميركية عام 1973. أما الحكومة الدمية في كابول، فقد لا تبقى طويلًا بعد مغادرة آخر جندي أميركي من أفغانستان في عام 2014. لكن لا يوجد جنرال ضمن القوات الغربية يعترف بخسارة الحرب، على الرغم من ان عواقب الإنكار تعني وجوب وفاة المزيد من جنودهم بلا هدف.

يقول الضابط في الجيش الأميركي، الكولونيل دانيال ديفز الذي أمضى جولتين في أفغانستان: كما لو أنني أشاهد فيلماً بالحركة البطيئة لرجال يموتون من دون هدف، ولا يمكنني إيقاف الأمر. ويتملكه الغضب بسبب الفجوة بين وعود النجاح التي تصدر بشكل روتيني عن قادة أميركيين كبار، وما يحدث على الأرض.

 

إدراك متأخر

ولنكن منصفين بحق هؤلاء القادة، فإن أياً منهم سئل ما إذا كان غزو أفغانستان فكرة جيدة، الأمر حسم منذ 10 سنوات عندما كان معظمهم في رتب لا تتجاوز رتبة كولونيل. لكنهم يدركون أنهم عاجزين عن الفوز بهذه الحرب في حال كانوا يقرأون تقارير الاستخبارات. وإذا استمروا على أي حال في عقد الآمال على الأمر، فإنهم سيكونون مسؤولين على الأرواح التي تهدر.

كتب ديفز تقريرين عن الوضع في الأفغانستان، أحدهما سري والآخر موجه لعامة الناس. والتقرير غير السري بدأ كالآتي: ان قادة عسكريين أميركيين برتب عالية قاموا بتشوية الحقيقية حيال الوضع على الأرض في أفغانستان عند التواصل مع الكونغرس والشعب الأميركي، بحيث أصبح لا يمكن التعرف على الحقيقة.

 

عدم الوطنية

وقدم ديفز أول لقاء مع صحيفة نيويورك تايمز في أوائل فبراير الماضي، وأرسل نسخاً من النسخ السرية إلى أعضاء مختارين في مجلس الشيوخ الأميركي وإلى نواب في الكونغرس. لكن لا يوجد عضو في الكونغرس سيتطرق إلى هذه القضية خلال سنة انتخابية، خشية ان يجري نعته بأنه غير وطني.

ولم يكن غزو أفغانستان ضروري على الإطلاق في كل الأوقات، وقادة كبار في طالبان كانوا غاضبين من ان تؤدي هجمات الحادي عشر من سبتمبر للقاعدة إلى تعريضهم للغزو، وكانوا على قاب قوسين من طرد أسامة بن لادن إلى مجلس الأعيان القبلي في قندهار أكتوبر 2001.

كان بالإمكان من خلال الانتظار فترة أطول قليلاً، وتوزيع رشاوى ببضعة ملايين من الدولارات، ان تتغلب أميركا على القاعدة من دون حرب في أفغانستان. ولقد فات الأوان على هذا الكلام، لكن القاعدة حالياً تبقى كأيديولوجية أكثر منها كتنظيم، ومعظم الأفغان بما في ذلك طالبان ما زالوا غير مهتمين بالعمق في شؤون العالم خارج حدود بلادهم. وبمعزل عن النظام السياسي الذي سيبرز في أفغانستان بعد عودة الأجانب إلى بلادهم، من غير المرجح انهم يريدون الهجوم على أميركا، برجاء ان تحل الرحمة على كل من يقتل من الناس إلى حين ذلك.