إذا كانت الانتخابات الرئاسية التمهيدية في الولايات المتحدة هي معركة بين قلب الحزب وعقله، فإن الجمهوريين أنفسهم قد أثبتوا على مدى الأشهر التسعة الماضية أنهم الجزء المتقلب العواطف والضعيف العقل.
فالبراغماتيون من الجمهوريين لم يتمكنوا من طرح مرشح يحظى بقبول راسخ لدى المعتدلين خارج الحزب. وقد فشل المتشبثون بمبدأ الاستقرار على مرشح يمكنه توفير مجال صالح للمحافظين. والنتيجة هي المرشح ميت رومني، الذي لا يحظى برضاهم، والذي وافقوا بصورة متأخرة على التمسك به.
و هكذا يكون رومني ذلك الشخص الذي يشبه شخصية إرنست هارودين في رواية "صورة دوريان غراي"، الذي يصفه أوسكار وايلد بأنه "واحد من الأشخاص العاديين في منتصف العمر، الذين ليس لديهم أعداء، ولكنهم مكروهين بـــــــشكل كامــل من قبل أصدقائهم".
قصة الدعم
وكما أشار جون ستيوارت، أخيراً، فإن عمليات الدعم نفسها تحكي قصة. وقال عضو الكونغرس الأميركي بول رايان: "إننا ندخل مرحلة أعتقد أنها ستجلب نتائج عكسية، إذا استمرت هذه المؤثرات السلبية لفترة أطول". ولهذا السبب أعتقد أننا كمحافظين بحاجة إلى التجمع خلف ميت رومني".
كذلك فقد تبين أن عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن فلوريدا السناتور ماركو روبيو سوف يؤيد رومني لأنه "سيكون المرشح الجمهوري". وعلى حد قول وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد عندما سُئل عن سبب التفاف قواته حول مواقع دفن النفايات، أجاب: "إنك تذهب إلى الحرب بما لديك من قوات ، وليس بالجيش الذي تريد أو ترغب في أن يرافقك في وقت لاحق".
هناك عدد قليل، ممن لا يحصلون على رواتبهم ليقولوا خلاف ذلك، وهم يعتقدون أن موسم الانتخابات التمهيدية لم يكن كارثة بالنسبة للجمهوريين.
ولكن في الوقت الذي تقترب هذه الانتخابات من نهايتها، فإن السؤال هو: ما هو مدى الضرر الذي خلفته؟ و هل يمكن إصلاح هذا الضرر قبل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في نوفمبر المقبل؟
و في حين أنه سيكون من السهل إلقاء معظم اللوم على رومني، و ترك الباقي لسانتورم و غينغريتش، فإن الواقع هو أن معظم الضرر حدث قبل الاقتراع بورقة واحدة. وتمثلت طبيعة الحزب الجمهوري خلال السنوات القليلة الماضية في أن بعض المرشحين المحتملين لم يخوضوا الانتخابات.
وأي شخص كان يتحدث بصورة عاقلة عن تغير المناخ أو التطور أو الاقتصاد كان يولي اهتماماً لكلماته المختارة. وحافظ رومني على مركزه لأنه كان مستعداً للتخلي عن كل الأمور المعقولة التي كان يقوم بها، وبالتالي الفوز بالترشيح و فقدان ما كان لديه من نزاهة.
أساس متراجع
ومنذ البداية لم يثر رومني اهتمام الناخبين الجمهوريين. وعلى الرغم من المنافسة الشديدة ووجود رئيس ديمقراطي ضعيف، كان الإقبال منذ البداية أساساً متراجعاً بصورة راسخة، وخاصة في الولايات المتأرجحة، على الرغم من أنه زاد، أخيراً، نقطتين مئويتين عما كانت عليه الحال قبل أربعة أعوام في الولايات التي يمكن مقارنتها بصورة معقولة. وبمرور الوقت، ارتفع العدد في الولايات التي لديها تحفظات قوية بنسبة 40٪.
و في حين أن موسم الانتخابات التمهيدية قد أفلح بشكل كبير في توضيح هذه المشكلة، إلا أنه لم يختلقها. لذلك علينا أن ندين بالفضل لتحفظ المحافظين الذي أثاره فوز أوباما في الانتخابات الماضية، للعلاقة الانتهازية التي ربطت بينهم. هذه الانتخابات التمهيدية بجميع جوانبها هي ثمن يدفعه الحزب لقاء نجاحه في انتخابات التجديد النصفي في عام 2010.
ومن ثمّ، هناك المرشح رومني. ففي نهاية العام الماضي، عندما أشارت الحكمة التقليدية إلى أن أوباما كان سيخسر انتخابات الرئاسة، جادل خبير استطلاعات الرأي تشارلي كوك بأنه طالما أن المنافس الجمهوري "عديم اللون والرائحة" فسوف يكون هناك استفتاء على أداء أوباما. و قبل بدأ السباق، ظهر الافتراض بأن رومني كان هو الخصم، وهو رجل أعمال يمتلك الكثير من المال. وهو الآن يبدو كأنه أسوأ من كل المرشحين.
فقد أظهرته الأشهر القليلة الماضية أنه عرضة للخطأ، وقدمته لجمهور أكبر من الناخبين بوصفه واهناً و نخبوياً وقاسياً و يائساً. بعض هذه الخصال لم يستطع فعل أي شيء حيالها. وهو من هو، حيث استطاع بما يتمتع به من الانضباط و قدرات أفضل في التسويق أن يعزز من شخصيته ليكون المنافس الرئاسي المعقول.
لكنه كان مقدرا له أن يلحق سانتورم بصورة أكبر. وكان ذلك خطأ. و رفضه الانحياز إلى اليمين الجمهوري و الطعن في مسألة كراهية النساء و الأجانب و القسوة على الناس، لم يكن ليكلفه شيئاً من الناحية السياسية، و لكان ذلك أكسبه ذلك قدراً كبيراً من الاهتمام في نواح أخرى. وحقيقة الأمر أنه لم يتكبد الكثير في أوساط ثلاث مجموعات هامة، وهم المستقلون و النساء واللاتينيون.
إذن، هل يمكن أن يتغير كل ذلك؟ السياسة الانتخابية الأميركية تبدو شديدة التقلب. وقبل أربعة أشهر فقط، ساد الإجماع في واشنطن بأن تحقيق أوباما لمعجزة الفوز في الانتخابات كانت مستبعدة.
فرومني لديه الكثير من المال، ومعدلات التأييد للرئيس الأميركي نادراً ما كانت تصل إلى نسبة 50%.
جدية الحزب
أشار طغمة الحمقى الذين تصدروا الميدان، أمثال كاين هيرمان و ميشيل باخمانو ريك بيري ونيوت غينغريتش، إلى أن الحزب ليس جاداً بشأن طرح مرشح واقعي لأميركا. و يظهر تصعيد ريك سانتورم كحامل راية المحافظين، وهو خطأ متكرر استمر معظم الفترة من العام الماضي حيث أسقطه لصالح غينغريتش ثم ارتفع به مرة أخرى، وجود حركة محافظين ليست ناشئة و لا مؤثرة تماماً، بقدر ما كان متصوراً في السابق. لذلك ، فقد تسبب موسم الانتخابات التمهيدية في الكثير من الضرر للجمهوريين كمجموعة.
