أعلنت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أنها سترسل قوات إضافية إلى الفلبين كجزء من محاولة لتعزيز العلاقات العسكرية مع حليفتها التي ترتبط معها بمعاهدة. ستزيد هذه القوات من القوة المحدودة التي أرسلت إلى الفلبين بعد فترة قصيرة من هجمات 11 سبتمبر 2001، عندما طلبت مانيلا المساعدة في مكافحة التحرك المسلح الذي زعم البعض أن له صلات بتنظيم القاعدة. وأنهت عملية نشر هذه القوات في عام 2001 عقداً لم يكن للولايات المتحدة خلاله أي قوات متمركزة في الفلبين بعد أن رفضت الحكومة الفلبينية تجديد الإيجار لقاعدة كلارك الجوية وقاعدة «سوبيك باي» البحرية.
ليس سراً
ليس سراً أنه منذ فقدان هاتين القاعدتين كانت وزارة الدفاع الأميركية تريد إعادة تأسيس وجود عسكري أميركي كبير في الفلبين. وتصرّ واشنطن على أن هذا يرجع إلى الحاجة لمواجهة التهديد المسلح للحكومة الديمقراطية في الفلبين، وبشكل أعم، لتعزيز قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على السلام والاستقرار في شرق آسيا.
لكن لا يحتاج المرء إلى حضور العديد من اجتماعات السياسة الخارجية في واشنطن للاستماع إلى تعليقات هادئة، وأحياناً لا تكون شديدة الهدوء، تشير إلى دافع آخر. بالنسبة للمتشددين في الولايات المتحدة، فإن نشر القوات في الفلبين ليس إلا جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقا تهدف الى احتواء أو تطويق الصين.
ويعتبر الحصول على وضع عسكري معزز في الفلبين التطور الأحدث فحسب، وتظهر التصرفات الأخرى من جانب الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة أيضاً أنها تحاول احتواء الصين. و خلال زيارته الأخيرة لأستراليا، أعلن الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة كانت تقوم بإرسال 2500 جندي إضافي من مشاة البحرية، فضلاً عن الطائرات المقاتلة إلى ذلك البلد. وفي خطاب ألقاه أمام البرلمان الأسترالي، أكد أوباما بجرأة بالقول: «الولايات المتحدة هي قوة في المحيط الهادئ، و قد جئنا هنا لنبقى».
وأضاف أن: «الولايات المتحدة ستلعب دوراً أكبر وطويل الأمد في تشكيل هذه المنطقة ومستقبلها». وقد فسّر خبراء أميركيون وغيرهم هذه التعليقات على أنها رسالة مفادها أن واشنطن تعتزم القيام بكل ما هو ضروري لمواجهة القوة والنفوذ المتناميين للصين.
كانت هناك دلائل على أن الولايات المتحدة تتبنى استراتيجية تطويق خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. فلم تكن إدارة بوش تعزز العلاقات الاقتصادية للولايات المتحدة مع عدوها اللدود السابق فحسب أي فيتنام، بل كانت هناك محادثات بشأن تزويد الولايات المتحدة بإمكانية وصول قواتها البحرية إلى الموانئ الفيتنامية. ومضت إدارة بوش إلى ما هو أبعد مما قامت به أي إدارة سابقة، حيث سعت إلى إقامة شراكة استراتيجية مع الهند تضمنت التوقيع على اتفاق للتعاون النووي، اعتبره النقاد قبولاً ضمنياً لبرنامج نيودلهي للأسلحة النووية.
وسعت الولايات المتحدة أيضا لتعزيز تحالفاتها التقليدية مع اليابان وكوريا الجنوبية، وتحويلها؛ فقد كان التركيز سابقاً لكلا التحالفين على الدفاع عن أراضي هاتين الدولتين وأمنهما. وعلى الرغم من ذلك، فقد سعت واشنطن، خلال فترة حكم الرئيس السابق بوش، إلى «توسيع» كلا الاتفاقيتين الثنائيتين لكسب مزيد من التعاون النشط من طوكيو وسيؤول في التعامل غير المحدود مع حالة «الطوارئ في المنطقة».
وبعبارة أخرى، فقد كان المسؤولون الأميركيون يريدون دمج اليابان وكوريا الجنوبية في الأجهزة الأمنية في شرق آسيا بتوجيه من الولايات المتحدة. ومع ذلك، فقد بدت اليابان مترددة بعض الشيء بشأن التوسيع المقترح، في حين لم تظهر كوريا الجنوبية أي حماس لمثل هذا التغيير مطلقاً، واستنتجت بشكل صحيح أنه كان موجهاً ضد الصين.
تحرك نشط
وإضافة إلى هذه التغيرات الفعلية والمدبرة في الترتيبات الأمنية، فقد اتخذت واشنطن موقفاً أكثر نشاطاً بشأن النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي. وأصبحت تلك النقطة واضحة مع خطاب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال قمة آسيان في يوليو من عام 2010 وفي التصريحات العديدة اللاحقة من قبل كلينتون ومسؤولين أميركيين آخرين. فلا تتخذ الولايات المتحدة قدراً أكبر من الاهتمام في هذه القضية فحسب، بل إن هناك تحولاً واضحاً في سياستها لمصلحة المطالبات المنافسة للصين، خصوصاً من جانب الفلبين.
وجميع هذه الإجراءات التي يتم اتخاذها سوياً توجد بالتأكيد انطباعاً باستراتيجية تطويق تهدف إلى احتواء الصين. فإذا لم تكن تلك نية واشنطن، فحينئذ تكون كل من إدارتي بوش وأوباما قد تورطتا في دبلوماسية خرقاء للغاية. سيكون من الصعب بالنسبة للزعماء في بكين تفسير الانتشار الأخير للقوات الأميركية وغيرها من الإجراءات على أنها ليست سوى سياسة احتواء معادية.
