يعكس المزاج الكئيب الذي ساد مجلس العموم البريطاني، أخيراً، علامة أخرى قاتمة في الحرب الطويلة في أفغانستان. فقد لقي ستة جنود بريطانيين حتفهم، أخيراً، في أفغانستان عندما انفجرت سيارتهم على جانب الطريق، ليرتفع عدد القتلى بين القوات البريطانية إلى أربعمائة قتيل.

فقد كان ذلك، حسبما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لنواب البرلمان البريطاني، يوماً حزيناً على نحو بائس بالنسبة لبريطانيا، و تذكيراً للثمن الباهظ الذي يتم دفعه لتحقيق التزام بريطانيا بمهمتها التي استمرت لفترة أطول من الحربين العالميتين مجتمعتين. سوف تؤدي وفاة الجنود حتماً إلى دعوات لانسحاب القوة التي يبلغ قوامها عشرة آلاف عسكري بريطاني منتشرين في جنوب أفغانستان في أقرب فرصة ممكنة.

ونظراً لأن ما يتحدث عنه جميع ساستنا هذه الأيام هو الجدول الزمني للانسحاب، وليس المهمة الأكثر صعوبة المتمثلة في تحقيق الاستقرار لبلد تكبدت ثلاثة عقود من النزاع المتواصل، فمن المفهوم أن الناس سوف يتساءلون عن سبب استمرار الجنود البريطانيين في التضحية بأرواحهم في سبيل قضية لا أحد يؤمن بها.

 

أسباب ملحة

ففي الوقت الذي نتعاطف مع هذه الحجة، يجب أن نتذكر أيضاً أن هناك أسباب ملحّة للإبقاء على القوات البريطانية في أفغانستان كجزء من قوة المساعدة الدولية في أفغانستان إيساف التابعة لحلف ناتو حتى يتم استكمال أهداف البعثة الأولية. ونعني بهذا، وقبل كل شيء، التخلص من التهديد الذي يتعرض له هذا البلد من تنظيم القاعدة.

قتل العديد من القادة ومهندسي البنية التحتية لهذا التنظيم، لا سيما أسامة بن لادن، أو أجبروا على المنفى في باكستان المجاورة. إلا أنه لا يزال هناك احتمال واضح أنه ما لم يتم توفير الوسائل التي تضمن لأفغانستان الدفاع عن نفسها، فإن حركة طالبان التي لها تاريخ موثق جيداً في مساعدة تنظيم القاعدة، سوف تستعيد السيطرة على البلاد بمجرد انسحاب قوات إيساف، وستترتب على ذلك آثار كارثية لأمن بريطانيا.

تشير تقديرات الاستخبارات الغربية إلى أنه على الرغم من بصمة هذا تنظيم القاعدة عالمياً، تواصل قيادته العمل من داخل الأراضي الحدودية الواقعة بين أفغانستان وباكستان، وهي مسؤولة عن أكثر من 50% من المخططات الإرهابية الموجهة ضد بريطانيا وحلفائها. ولهذا السبب يجب أن يتم انسحاب قوات حلف ناتو وفقاً للظروف الأمنية السائدة في أفغانستان، وليس وفقاً للأهواء السياسية.

 

دورة الانتخابات

وبالتأكيد، فإن الإعلان الأخير لوزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا بأن القوات الأميركية سوف توقف عملياتها القتالية في أفغانستان في صيف عام 2013، أي قبل عام من الموعد المتفق عليه سابقاً، يبدو أن له علاقة بدورة الانتخابات الرئاسية أكثر من قبول الواقع العسكري في أفغانستان.

صحيح أنه قد تم إحراز تقدم ملموس فيما يتعلق بتدريب 184 ألف جندي في الجيش الوطني الأفغاني، الذي يضطلع الآن بدور رائد في كثير من الأحيان في القيام بعمليات ضد طالبان. بل إن هناك إشارات على أن قوة الشرطة الأفغانية، التي يبلغ قوامها 145 ألف جندي، تبذل جهداً حقيقيا لإصلاح سلوكها الفاسد.

إلا أنه قبل أن يتم منح هذه القوات الأفغانية المسؤولية الكاملة عن حماية بلدها، من الضروري أن يتم إقناع حركة طالبان أولاً على الانخراط في شكل من أشكال المصالحة السياسية. فقد صرح وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند، خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة ديلي تلغراف، أخيراً، أنه كانت هناك علامات على أن حركة طالبان تبدي إستعدادا للتخلي عن علاقاتها مع تنظيم القاعدة، حتى تتمكن من التفاوض على اتفاق سلام مع حكومة الرئيس الأفغاني حامد قرضاي.

و نحن نأمل أن يتم التوصل إلى اتفاق من هذا القبيل، لأن من شأن ذلك أن يمهّد الطريق لأفغانستان أكثر استقراراً، وسوف يساعد أيضاً على ضمان أن الجنود البريطانيين الأربعمائة الذين ضحوا بأرواحهم لم يموتوا عبثاً.