في غمار أحدث الأخبار عن الحرب في أفغانستان، لا سيما المعارك التي أثارها حرق المصاحف في قاعدة باغرام العسكرية الأميركية في ظل دعوة أعضاء في البرلمان الأفغاني إلى الجهاد ضد الأميركيين و الأحاديث الملتفة بشأن محادثات بين الولايات المتحدة وأفغانستان وباكستان وطالبان، من المهم أن نتذكر أن الحرب تسببت في خسائر لا حصر لها في صفوف المدنيين والأبرياء، بمن فيهم الأطفال. في الآونة الأخيرة، كانت هناك رسائل تذكير مهمة وهي: سلسلة متميزة جديدة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية حول مصرع العشرات من الأطفال في مخيم للاجئين متجمد برداً بالقرب من العاصمة الأفغانية كابول خلال غارة جوية مدمرة شنها حلف ناتو ، و مقالة رائعة في صحيفة واشنطن بوست الأميركية حول عملية محزنة لتحديد هوية ضحايا مدنيين أحياناً في أفغانستان أفغان ونقلهم و دفنهم.
في الثالث من شهر فبراير، بدأت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ما يبدو أنه سلسلة من التحقيقات التي كتبها الصحافي رود نوردلاند والتي صورت الظروف المروعة التي يعيشها أفغان في مخيم للاجئين والذي أجبروا على الخروج من المناطق التي تشتد فيها وطأة القتال.
الصغار يتجمدون
وتبدأ المقالة بالقول: تجمد هؤلاء الأطفال برداً حتى الموت في كابول على مدى الأسابيع الماضي وذلك بعد فرار أسرهم من مناطق الحرب في أفغانستان إلى مخيمات اللاجئين. و بحسب المقال، فإنه إجمالاً، مات ما لا يقل عن 22 طفلاً على الأقل خلال شهر يناير وأوائل فبراير. وتساءلت المقالة: بعد 10 سنوات من الوجود الدولي الكبير في أفغانستان، الذي كان عبارة عن وجود حوالي ألفي جماعة للإغاثة، و ما لا يقل عن 3.5 مليارات دولار في صورة مساعدات إنسانية ومساعدات تنموية بقيمة 58 مليار دولار، فكيف يمكن لأطفال أن يموتوا بسبب شيء يمكن التنبؤ بحدوثه والتحكم به، وهو البرد؟
لقد أثارت هذا المقال السخط، وعمليات النفي الأولية من جانب حكومة أفغانية غير كفوءة آنذاك، و سيول من المساعدات الخاصة. وفي مقالة متابعة كتبها نوردلاند بعد يومين، يرد قوله:
أكبر مخاوف اللاجئين تتمثل في نقص الغذاء وخشب التدفئة. و كل شيء آخر يعد ثانوياً. وعدد قليل من الأطفال لديهم معاطف أو ملابس دافئة من أي نوع، فيما عدا السترات الخشنة في بعض الأحيان. ومعظمهم لم تكن لديه الجوارب، و لم تكن الأحذية غالباً تتجاوز ما يزيد على الصنادل البلاستيكية.
و بعد مرور ثلاثة أيام، كتب نوردلاند مقالاً تصعب قراءته للغاية يدور حول أسرة فقدت ثمانية من أصل تسعة أطفال لديها، بمن فيهم رضيع عمره ثلاثة أشهر يدعى خان، بسبب البرد و الظروف و القاسية، يقول فيها: أخبرني محمد، رب الأسرة قائلاً: بعد أن تناولنا طعام العشاء كان خان يبكي طوال الليل من البرد. لم يكن لدى الأسرة الخشب حيث كانت تدخر جزءاً صغيراً من الورق والبلاستيك اللذين كانت ابنته تنبش عنهما وسط الفضلات في ذلك اليوم.
وقال إن الرضيع كان يبدو بصحة طيبة و قد أرضعته أمه من ثديها بشكل طبيعي، على الرغم من أن عشاء الأسرة كان يتألف من الشاي والخبز فقط. لكن الرضيع ظل يجهش بالبكاء. وأضاف محمد: وأخيراً، بدأنا إشعال النار، لكنها لم تكن كافية. وعند الساعة الواحدة صباحاً احتضر الرضيع وفاضت روحه.
و حتى بمعايير البؤس في هذه المخيمات، فإن رواية محمد تعتبر ضرباً من سوء الحظ، حيث كان خان الطفل الثامن الذي يموت من أطفاله التسعة. وحتى أن عائلة خان دفنت الطفل الثامن من أبنائها، فإن هناك ثمانية أطفال آخرين لقوا حتفهم خلال غارة جوية في ولاية كابيسا شرق أفغانستان، و هناك المزيد من الضحايا المجهولين فقدوا بيوتهم بسبب حرب امتدت عشر سنوات ونصف سنة. و اتخذ الحادث النمط المعتاد، حيث تم الكشف عنه لأول مرة من قبل الرئيس الأفغاني حامد قرضاي في إعلان غاضب، بعد ذلك جاء تحقيق عشوائي من قبل حلف ناتو و مسؤولين أفغان وغيرهم، والذي أشارت إليه صحيفة نيويورك تايمز في مقالتها بالقول: قتل سبعة فتيان دون سن 14 عاماً، فضلاً عن صبي في سن الثامنة عشر خلال الهجوم، وفقاً لما ذكره صافي عبد المبين المدير الإداري لولاية كابيسا. فقد كانوا يرعون الأغنام على مسافة أقل من نصف ميل من بيوتهم عندما وقع القصف.
«ناتو» يتملص
وفي ظل إصرار حلف ناتو على عدم الاعتراف بالمسؤولية، فقد خلص تقرير أعدته لجنة تحقيق أفغانية إلى أن الأطفال قتلوا بينما كانوا يرعون الأغنام والماعز، حيث يروي شاهد عيان أفغاني، يدعى زاهد، لصحيفة نيويورك تايمز قائلاً: في يوم الثامن من فبراير الماضي عندما حدث القصف، ذهب الأطفال كالعادة إلى منطقة رعي خارج القرية. وانتهوا لتوهم من ترك الحيوانات تمضي للرعي، و قاموا بإشعال نار صغيرة للتدفئة عندما تعرضوا للقصف.
ويضيف: فجأة ظهرت بعض الطائرات و أسقطت قنابل على الأطفال وقتلت ابني، و اثنين من أبناء أخوتي وبعض الأطفال الآخرين من قريتنا. وعندما ذهبنا إلى هناك رأينا أشلاء الأطفال، و بعض السيقان والأذرعة المفقودة، ولم يتم التعرف سوى على الرؤوس والوجوه، ولا شيء آخر.
ووفقا لتقرير من الأمم المتحدة، فقد لقي 3021 مدنياً حتفهم في أفغانستان خلال العام2011، منهم 410 شخصاً قتلوا نتيجة قصف جوي وأعمال العنف الأخرى التي قام بها ناتو، فضلاً عن 2332 شخص بسبب انفجار عبوات ناسفة و تفجيرات انتحارية واعمال عنف أخرى قامت حركة طالبان وجماعات متمردين، فضلاً عن مقتل 279 شخصاً آخرين جرّاء العنف الذي لا يمكن أن ينسب إلى أي من الجانبين..
