يفترض بالبلاد، بدلا من التسامح اكثر حيال تجاوزات السلطة الرئاسية التسلطية، ان تنظر إلى الماضي وتستعير من تاريخ المؤسسة الملكية الوراثية الأصيلة التي تعود إلى قرون من الزمن، وتبني تشكيلة حديثة دستورية، وتضع، للمفارقة، الأسس لقيام ديمقراطية اكثر تطورا وفاعلية.
وفي هذه الأثناء، لا تزال النخب إلى جانب الشعب الروسي تحاول التغلب على الحالة المخجلة التي أحدثها المشهد المعيب المصاحب لعملية اكتشاف هذا التواطؤ بين «الثنائي الحاكم» في روسيا.
وهذه المسرحية ذات التمثيل الرديء التي جرت في 24 سبتمبر الماضي شكلت عمليا افتتاحا لحملة الانتخابات الرئاسية. ولقد أثارت هذه «الحركة لحماية رأس السلطة» والهادفة إلى إعادة فلاديمير بوتين إلى الكرسي الرئاسي وتولي ديمتري مدفيديف رئاسة الحكومة، انتقادات حادة في الداخل والخارج على السواء.
وبالحكم على المظاهر على مدى السنوات العشر الماضية، فإن البلاد واجهت مجددا اغتصابا للسلطة، وهذه المرة من خلال المؤسسة الحديثة «لمرشحي الاتباع» وبمساعدة من التنقيح المصاحب للقوانين الانتخابية التي تم تبنيها في تسعينات القرن الماضي، التي كانت إلى حد ما ديمقراطية وعادلة.
وضع غير طبيعي
وبالمجمل، يبدو ان الوضع القائم غير طبيعي وفاقد للشرعية، ويبدو صعبا جدا بالنسبة للروس العقلاء قبول فكرة المشاركة عن طيب خاطر في الانتخابات الرئاسية في 4 مارس 2012. ويمكن ملاحظة كيف ان «الاستقرار» الاجتماعي الذي تمت الإشادة به كثيرا بدأ في التلاشي. وفي هذه اللحظة العصيبة، فإن الهدف التاريخي لروسيا هو في استعادة شرعية نظام الدولة بشكل سلمي وتنظيمه وفقا للتقاليد الوطنية وبتجربة إيجابية دولية.
إذا كانت دولة متحضرة عظيمة لا تستطيع الحصول على رئيس منتخب وشرعي بالكامل بشكل طبيعي، ولديها برلمان منتخب حديثا شبه شرعي «الدوما» فإنها تحتاج إلى التخلي عن الوضع الراهن وصنع بداية جديدة.
ويتعين عليها محاولة تحقيق شيء يكاد يكون غير مجد، ألا وهو التنظيم الفوري لأوسع منبر شعبي ممكن، والاعتماد عليه لبناء إجماع وطني، ومن ثم الدعوة إلى جمعية تأسيسية مفوضة بإدخال إصلاحات دستورية ضرورية.
وماذا يمكن أو يجب ان يكون موضوع هذا الإجماع الواسع؟
مجموعة من التعديلات الدستورية الهادفة إلى انتقال سلس من النموذج الرئاسي الجمهوري/ الفيدرالي، الذي يعيش أزمة عميقة، إلى ديمقراطية برلمانية تتضمن مؤسسة النظام الملكي الدستوري الحديث مع استعادة للسلطة الوراثية للقيصر، وبسلطة تنفيذية فاعلة منظمة، ومجلس دوما منتخب ديمقراطيا، وما يشبه نسخة حديثة من مجلس دولة، مع إصلاح كامل للنظام القضائي الذي يجب ان يتخلى عن الانتقائية في تطبيق القوانين ويكون قادرا على القضاء على الفساد.
وهذه التعديلات تقدم طريقة رائعة للخروج من الطريق المسدود التاريخي الذي تجد روسيا نفسها إزاءه.
ان النموذج الهجين الحالي القائم على المركزية القوية وهيمنة الحزب الواحد صمم بشكل واضح لإرضاء رجل واحد والمقربين إليه الذين يطلق عليهم «النخب الجديدة». وما وراء بنية السلطة المركزية الهرمية تخيم آلة استبداد مبتذلة، ففي ظل نظام القطبين هذا، يمكن تمرير المنصب الرئاسي مرارا وتكرارا بين شخصين، ليس هذا فحسب، وإنما أيضا التعدي الدائم على منصب رئيس الوزراء الحيوي.
وعلى خلفية سلسلة من الانتفاضات في العالم العربي، فإن حركة سبتمبر المخزية والانتخابات البرلمانية في 4 ديسمبر الماضي، المنظمة وفقا لقواعد تمييز صريحة وتزوير على نطاق واسع، أثارت سخطا في المجتمع الروسي النائم أخيرا. لكن على الرغم من ذلك، فإن نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة هي مقررة عمليا ويبدو انه لا يمكن تفاديها. وفي الواقع، لا يوجد بديل فعلي لبوتين بين المرشحين المسجلين، في الوقت الذي تكون فيه إجراءات الاقتراع تسرق من الناخبين إمكانية التصويت ضد اللائحة بالكامل. بالتالي، سيكون منطقيا أن يقوم المجتمع بالتركيز على البحث عن وسيلة جديدة للخروج من الطريق السياسي المسدود فعلا.
إعادة الملكية
من حيث المبدأ، فإن عودة روسيا إلى الملكية كاد يحدث مراراً في السابق، عندما سعى بوريس يلتسين للحصول على خلف له في عام 1999، وعندما واجه بوتين الخيار نفسه في عام 2008، وأوصل البلاد إلى الحالة المؤسفة التي تعيشها الآن.
وبشكل موضوعي، فإن متطلبات إعادة الملكية في روسيا هي في مكانها، والمطلوب إجماع وطني وإرادة سياسية وجهود تنظيم نشطة. وبوتين لم يعد له الحق الأخلاقي ليصبح رئيساً لروسيا مجددا. لكن مع ذلك يمكن تصوره كإداري قوي يؤدي القسم كأول رئيس وزراء روسي في ظل روسيا الجديدة، على الرغم من أنه يفضل تولي غيره هذا المنصب.
وموقف الرأي العام الشعبي حيال المطالبة بمثل هذا التغيير الجوهري يمكن التأكد منه باللجوء إلى الاستفتاء، الأداة الديمقراطية التي اقترح إمكانية استخدامها غورباتشوف لمراجعة الدستور الحالي.
والتذمر من غياب فكرة وطنية تستحق النقاش يسمع في البلاد مرارا وتكرارا. لكن توجد فكرة يفترض أخذها في الاعتبار، ألا وهي العمل لمصلحة الشعب الروسي ومجد روسيا وفقا للثالوث التقليدي المعدل على الشكل الاتي: ان تحل «الديمقراطية البرلمانية» محل «القومية» و«الملكية الدستورية» محل «الأوتوقراطية»، و«القيم الدينية» محل «الأرثذوكسية».
واعتقد انه على الرغم من عقود من غسل الأدمغة ضد مفاهيم الملكية ورجال الدين والديمقراطية، فإن موقعها في قلوب الناس يبقى دون مساس. والشخصية الأبوية الشرعية للنظام الملكي المعاد تأسيسه تناسب بشكل جيد روسيا الحديثة وهي تمر في مرحلة من الصعاب، وستكون مرشحا فريدا من نوعه يحظى بالشرعية، وستتفق مع تقاليد روسيا الوطنية، وتشكل عامل استقرار وقوة بامتياز.
ومثل هذا الانتقال الجريء إلى نموذج دولة المؤسسات الحديثة وهذا التحديث السياسي والاجتماعي الطموح، يمكن ان يفتح أمام روسيا أفقا لجاذبية غير مسبوقة فعلا.
وضع مشابه
في وضع مشابه للسيناريو الروسي المحتمل، غامر الجنرال فرانكو وشعب إسبانيا في أخذ خطوة حاسمة بإعادة الملكية إلى إسبانيا في عام 1978، ولقد مضت هذه المغامرة بشكل رائع. والنظام الملكي الإسباني لا يزال يشكل مؤسسة شرعية وحيوية، وهو وجزء لا يتجزأ من الديمقراطية الإسبانية. ومجموعة الدول المتحضرة التي تعتبر الملكية كدولة مؤسسات قابلة للتحول كثيرة وتعيش ازدهارا، وتصادف أن أعضاء منفيين من العائلة الإمبراطورية الروسية من سلالة رومانوف يعيشون في إسبانيا حاليا.
