وقف رجل طاعن في السن له من العمر 70 عاما يتوسل حشدا من الشباب الغاضب الماضي في تصديه للشرطة التي تحرس مقر وزارة الداخلية المصرية في قلب القاهرة، وهو يقول لهم: "أنا مجرد مواطن مثلكم جميعا، أرجوكم لدي وعد من قوات الأمن المركزي بعدم اطلاق النيران عليكم إذا ما تراجعتم". لكن الشباب كانوا غاضبين وصرخ احدهم قائلا: "لا نثق بهم".

وقام آخرون بترداد الهتاف "ليسقط حكم العسكر". وعلى بعد بضعة مباني، يتردد صدى نوع آخر من الغضب الذي أصبح اكثر شيوعا. يقول مصطفى طاهر، عامل في القطاع السياحي، وهو ينظر إلى خيم المتظاهرين المنصوبة: "الثورة تغيرت كثيرا، كان من المفترض ان يكون هذا موسم سياحة، ولم نستطع أن نكسب جنيها واحدا".

لقد ولت أيام إغداق جوائز البطولة على شباب "الفيسبوك" في مصر الذين قادوا الانتفاضة الشعبية ضد النظام القمعي للرئيس حسني مبارك. وفي تلك الثورة العاطفية، يقول العديد من المصريين بفخر إن الشباب نجحوا حيث فشلت أحزاب المعارضة المقموعة والمساومة على امتداد عقود.

لكن بعد مرور 12 شهرا على الثورة، فإن حركة الشباب المصري تفشل بعد تفتتها إلى مجموعات منقسمة وأولويات متنافسة وقتال رخيص، بالنسبة لهشام قاسم، ناشر الصحف البارز البالغ من العمر 53 عاما، فإن الشباب يخسرون شعبيتهم وأهميتهم في الساحة. يقول: "ليس هناك أحد يتطلع إلى الشباب.

وهم متهمون بانهم جيل ضعيف تمت المساومة عليه"، لكن النتيجة كانت حركة لا تعرف وسيلة أخرى عوضا عن ميدان التحرير. يقول قاسم: "بالنسبة لهم التقدم إلى الأمام يعني الاستمرار بما كانوا يقومون به، إسقاط الدولة وبناؤها مجددا من الصفر من دون دراسة تبعات ذلك".

وهذا الموقف "كل شيء أو لا شيء"، لا يطيب لمعظم المصريين المتحمسين للانتقال من ميدان التحرير، خصوصا مع تراجع الاقتصاد إلى عجز قدره 30 مليار دولار. والسكان المحافظون في الجوهر يؤمنون الآن بالأحزاب الإسلامية كبديل للفساد وليبرالية نظام مبارك الظاهرية المؤيدة لأميركا، وقادة العسكر الأكثر انسجاما مع تلك المشاعر الشعبية، وحتى عدد كبير من الحزبيين الإسلاميين، سارعوا بإلقاء المسؤولية على كاهل الفتيان في الميدان.

فيما يتعلق بوضع مصر المضطرب في مرحلة ما بعد الثورة. وعلى هذا الأساس، يعيش الشباب ظروفا سيئة، وغياب القادة أعاقهم في اللعبة المعقدة للسياسة في مرحلة ما بعد الثورة. يقول محمود سالم، وهو ناشط ليبرالي ومدون ومرشح برلماني: "معظمهم يعتقد ان السياسة لعبة قذرة جدا".

والآن العديد من الشباب أنفسهم الذين حرضوا على الحرية والديمقراطية يصفون أول برلمان منتخب ديمقراطيا بانه إخفاق. ولقد ذهب البعض منهم بعيدا ليزعم ان الإسلاميين صعدوا إلى سدة الحكم بالتواطؤ مع المجلس العسكري للقوات المسلحة الحاكم، في مسار انشطاري، نحن مقابل هم، الذي بات يسم خطاب المحتجين الشباب بشكل متزايد.

ويختلف المصريون بشكل واسع حول ما يرونه الوسيلة الأكثر فاعلية لتحقيق الإصلاح، وهذه الخلافات عملت بشكل واسع ضد الشباب الليبرالي. يقول احمد حمدي، البالغ من العمر 28 عاما وهو عامل مياوم ذهب إلى الميدان أخيرا: "من المستحيل على البرلمان أن يقوم بشيء في ظل وجود المجلس العسكري في السلطة، ولقد أتينا لوقف حمام الدم بحق المصريين ولإسقاط المجلس العسكري وللحصول على انتخابات رئاسية على الفور"، ويضيف: "طرق التعبير عن انفسنا هي عبر الاعتصامات والاحتجاجات".

وهذا يجعل الشباب هدفا سهلا لحملة حكومية، ولقد صرح اللواء المتقاعد اشرف أمين في أحد برامج التلفزيون الحكومي، فيما تعرض صور لشباب يرمون الحجارة: "كنت مع الثورة لكن أولئك الناس أمام وزارة الداخلية ليس ثواراً، وهم عار على البلاد".

واعلن التلفزيون في تلك الليلة أن وزارة الداخلية تبنت قرارا بنقل عدة ضباط من أوساط النظام السابق بما في ذلك أبناء مبارك من سجنهم الحالي إلى عدد من السجون المختلفة، استنادا إلى شكوك بانهم يرسلون الأوامر إلى المحتجين الشباب في شوارع القاهرة. وبالنسبة للمصريين الذين تعرضوا للإفقار والبالغ عددهم 85 مليون نسمة، فإن يسهل تسويق هذا النوع من المؤامرات.

يقول قاسم: "ان تدفق المعلومات يجري عبر مستويات مختلفة، شفهيا وعبر القنوات التلفزيونية والإذاعة، لكن هناك أجواء حيث ينظر من خلالها الناس إلى الأشياء بريبة"، ومثل هذه العقلية هي محبطة جدا للمجموعات الليبرالية الشبابية مثل "6 أبريل"، التي فشلت في جذب مؤيدين جدد من الشعب.

وبدلا من ذلك، هناك عداوة منتشرة للاحتجاجات المتواصلة، ويعود هذا في جانب منه لغياب القدرة على استخدام اللغة التي يفهمها فقراء مصر، كما يقف في وجهها وابل من الشائعات بتحريض حكومي بأنها تتلقى تمويلا من الحكومة الأميركية. ومع ذلك، يستمر المحتجون أحيانا في أن يكونوا فاعلين بوصفهم محفزين على التحرك. والإسلاميون والليبراليون الشباب على السواء يدينون بالفضل لحركة الاحتجاج لدفع العسكر قدما في نهاية السنة الماضية في جدول زمني لتسريع الانتخابات ومحاكمة مسؤولي النظام السابقين.

والاحتجاجات التي يقودها الشباب حققت القليل في المعركة ضد الفساد ووحشية الشرطة وانتهاكات حقوق الإنسان من قبل العسكر، أحد المظالم الثلاث الكبرى، والاحتلال الأخير لميدان التحرير على الأرجح لن يكسبهم المزيد من المعجبين.

وإلى أن يتبنى الشباب تكتيكا مختلفا، أو يجدوا فرصا جديدة للمشاركة في النظام السياسي الجديد، فإنهم سيستمرون في الانزلاق إلى خسارة شعبيتهم وابتعادهم عن الناس. يتعين عليهم إعادة تجديد انفسهم أو المخاطرة في النهاية بأن يطويهم النسيان.