ظاهرة خطف الأطفال باتت جريمة متفاقمة عبر العالم بلا رادع، ويُرجع الخبراء في علمي الاجتماع والنفس أسباب انتشارها لغياب الوازع الديني والانفلات الأمني وتدني الأخلاق، وحالة الفقر، بالإضافة إلى عدم وجود قوانين صارمة.
والظاهرة في ارتفاع مستمر بسبب تزايد أسبابها واختلاف أنماطها من مكان إلى آخر. وقد ظهرت عصابات متخصصة في اختطاف الأطفال بل تكاد تصبح جريمة منظمة عبر الحدود، ما يُعد خرقاً صارخاً لحقوق الطفل المتعارف عليها، أي حقه في الحياة، علماً بأن الخطف لدى البعض بغية الاتجار ببيع أعضاء الصغار بعد خطفهم وقتلهم. وهناك من يسعى لتشغيلهم تحت السن القانونية، وتتحدث الأرقام عن وجود ما يقرب من 50 مليوناً منهم في العالم يرزحون تحت وطأة المشكلة، حيث تتنوع غاياتها بين الخطف والتشغيل وبيع الأعضاء والاعتداء الجنسي والتعذيب البدني.
فلسطن.. بيئة مهيئة يجففها الترابط الاجتماعي
كان العثور على جثة الطفل المختفي خالد بديع برهم "10سنوات" مقتولاً والكشف عن ملابسات الجريمة بعد اغتصابه صدمة للمجتمع الفلسطيني الذي لم يألف تلك الحوادث البعيدة عن عاداته وثقافته ودينه، حيث هزت تفاصيل الجريمة التي وقعت نهاية العام الماضي ضمائر الفلسطينيين وأيقظت مخاوفهم على أطفالهم، فلم يكن سهلًا متابعة أخبار الجريمة وتفاصيل قيام الشاب الجاني باختطاف الطفل أثناء توجهه لتصليح دراجته النارية واقتياده لمنطقة تدعى مثلث الشهداء واغتصابه ثم خنقه بحبل ووضعه في كيس ودفنه في أرض زراعية بالمنطقة، ورغم مرور عدة أشهر عليها إلا أن صداها لا يزال يتردد.
ويشير مراقبون إلى أن الحادثة وغيرها قليلة تنتهي بالعثور عليهم على قيد الحياة لتصبح جرائم فردية وليست ظاهرة أو جريمة منظمة، وقال الباحث في قضايا حقوق الإنسان محمد جمال إن ضيق الأراضي الفلسطينية والعادات الاجتماعية التي تفرض ترابط المجتمع بعائلاته المعرفة في كل منطقة ومدينة تشكل حاجزا منيعا يحول دون تطور الحوادث إلى جريمة منظمة لاختطاف الأطفال واستخدامهم في قضايا جنسية أو تجارة الأعضاء أو تشغيلهم في سوق العمل.
وقالت الباحثة الاجتماعية إيمان هاشم إن تهاون الأسر وعدم أخذ الحيطة والحذر في ظل المعتقدات السائدة ، مستبعدين اختطاف أطفالهم بالمدارس وعند شراء حاجيات البيت، وحتى لبيع المناديل الورقية بالشوارع للمساعدة في ظل ظروف المعيشة الصعبة، الممارسات الحالية تشجع على تنامي ظاهرة الجريمة المنظمة لاستهداف الأطفال بسبب الأزمة مالية والغلاء الفاحش. ورغم الغياب الحقيقي لظاهرة خطف الأطفال إلا أن ذلك لا يمنع انتشار الشائعات حول بعض محاولات الخطف، وفي بلدة حوارة وحسب شهود العيان، قام شبان في سيارة سوداء بالطلب من طفل المساعدة بدفع سيارتهم، وهي حيلة لخطفه، إلا أن خروج أهله من المنزل، جعلهم يهربون ، ولكن الشرطة نفت تلقي أي بلاغ رسمي بشأن الطفل والخاطفين.
وقال أستاذ علم الاجتماع الدكتور محمد نعيم فرحات: إن الفقر هو الموطن والبيئة المناسبة للجريمة، وبمقدار ما كان الفقر منتجا اقتصاديا، واجتماعيا، وسياسيا، وثقافيا، ونفسيا فإن الجريمة هي كذلك. والعلاقة بين الجريمة والفقر هي علاقة توليد، فحيثما يوجد الفقر يجب أن تولد الجريمة". واتساع رقعة الجريمة في المجتمع الفلسطيني وارتفاع وتيرتها في السنوات الأخيرة، ناتج عن اتساع دائرة الفقر، وعليه يجب ألا نرى الجرائم التي تقع في المجتمع فعلا فرديا، بل هي تعبير عن أزمة اجتماعية.
الكويت
اللقطاء.. حالات تؤرق المجتمع الكويتي
تمثل عملية اختطاف الأطفال لاسيما الرضع منهم قضية تؤرق أغلب المجتمعات لما لها من آثار سلبية سواء على الأسرة المنكوبة أو على مستقبل الاطفال المختطفين في حال لم يتم انقاذهم في وقت مبكر، ورغم ان الكويت لا تعاني كثيرا منها، إلا ان هناك حالات هزت المجتمع الكويتي كقضية "وحش حولي" الذي أُعدم قبل أيام على خلفية اختطافه 17 طفلا وقام باغتصابهم، متسبباً بصدمة كبيرة سواء على من طالته الجرائم التي ارتكبها أو لم تطله.
اجراءات صارمة
ورغم ان حالات الاختطاف في الكويت تعد من الحالات الشاذة والدخيلة على المجتمع، إلا ان السلطات الرسمية والأهلية تتخذ اجراءات صارمة في المستشفيات والحضانات ورياض الأطفال لضمان عدم حدوث اي اختراقات قد تفضي إلى حوادث اختطاف، غير ان ما يوازي تلك المشكلة ما يسمى بـ "اللقطاء"، وهم الأطفال الرضع الذين يجدون أنفسهم بلا مأوى وبلا أسر وبلا والدين، نتيجة علاقة محرمة أو مخافة عدم القدرة على رعايتهم فتترك المسؤولية الى الدولة.وبحسب اختصاصيين اجتماعيين ورجال دين فإن أغلب أسباب التخلص من الرضع بعد ولادتهم مباشرة، يعود إلى انعدام الوازع الأخلاقي والديني، وتفشي ظاهرة مشاهدة الأفلام الخليعة التي تثير الغرائز، وعدم التربية الصالحة، وضعف التوجيه التربوي.
تأثيرات سلبية
ويقول الاستشاري النفسي والاجتماعي يوسف العلاطي، ان عمليات الاختطاف لها تأثيرات سلبية على المجتمعات التي تكثر فيها مثل تلك الجرائم، مستشهدا بما حدث في الكويت بسبب جرائم "وحش حولي" والتركة الثقيلة التي تسببت فيها تلك الجرائم على الأسر المنكوبة، والصعوبة تكمن في التخلص من آثار تلك الجرائم سواء على الفرد أو المجتمع، والتي تأخذ وقتا طويلا. والمسؤولية في المعالجة والحد من عملية الاختطاف يقع على عاتق المجتمع والأسرة والأجهزة الرسمية في الدولة الأمنية والتربوية والصحية وغيرها، والقطاع الأهلي مثل الأندية والحضانات، بحيث تكون مراقبة الأطفال مسؤولية الجميع، وكذا معالجة الأطفال الذين تعرضوا للاختطاف نفسيا حتى عودتهم مرة أخرى إلى المجتمع. واختطاف الصغار لا يكون فقط في سلبهم من أسرهم بل يشمل الاعتداء عليهم جنسيا ما يعد أعنف الجرائم على الطفل في سنواته الأولى، وهناك من يستغلهم في أمور خاصة مثل عمليات التسول والسرقة.
وأكد الباحث الاجتماعي حمود كامل ان عملية دمج الطفل في المجتمع تزداد صعوبة مع تقدم عمره، وتبلغ ذروتها في مرحلة المراهقة، فهناك من يرفض المجتمع بالكامل وتبدأ تصرفاته بمحاربته من خلال جنوحه نحو الجريمة، وبالتالي يصعب السيطرة عليه.
وادارات الرعاية التابعة لوزارة الشؤون تختص بالحالات التي تزودها بها وزارة الداخلية بعد العثور على الطفل الذي يرمى في الأماكن العامة " اللقيط "، واليأس من معرفة والديه، ويكفي القول ان الأطفال الذين يكونون في عهدة الرعاية الاجتماعية يتمتعون بكامل الخدمات المادية والمعنوية بدءا من الدراسة والتوظيف وصولا إلى الزواج وتوفير السكن، والوزارة تقوم بمتابعة الحالات حتى بعد استقلالها عن المجمعات السكنية المخصصة لهم لضمان الرعاية النفسية والمجتمعية لهم.
بيروت
استفحال التجارة في ظل ضعـف القوانين واستقواء المجرمين
المشهد الأول: في 20 فبراير الفائت، تعرّض الطفل محمد نيبال عواضة "12 عاما" لعملية خطف على أيدي مجهولين، من أمام منزله في محلّة الرملة البيضاء في بيروت، بينما كان ينتظر باص المدرسة. اقتيد الى جهة مجهولة، ثم أطلِق سراحه بعد أسبوع من اختطافه، بعد أن قامت عائلته الثرية بدفع130ألف دولار فدية، بعد تخفضيها وكانت مليون دولار!
المشهد الثاني: القلق سيد الموقف، والمواطن يسأل: "أين الدولة؟"، فعائلات ميسورة، اتخذت إجراءات صارمة أثناء تنقل أطفالها إلى المدارس أو اللعب بالساحات.. وكأن اللعب دون خوف أصبح حلما أكبر لها في بلد تعصف به الأزمات، وخطورة انتقالها من الكبار إلى الصغار، لضمان دفع الفدية، وعدم قدرة الطفل على المقاومة أو الهرب.
المشهد الثالث: رغم تمكّن أجهزة الأمن من تحرير بعض المخطوفين والقبض على المجرمين، قبل دفع الفدية، الا ان ابتكار وسائل جديدة مكن العصابات من الإفلات، وتحقيق تفوّق ونجاح في مفاوضة ذوي المخطوف وتحصيل الفدية. وتروي المصادر تكتيك كل عصابة والظاهرة ليست جديدة الا أنها انتقلت من الخطف والخطف المضادّ من أسلحة حروب الجماعات اللبنانية المتقاتلة، على أساس الانتماء الديني والحزبي، خلال الحرب الأهلية إلى الخطف وفق الملاءة المالية حاليا.
بين المشاهد الثلاثة، تطل الحادثة الأبرز في العام الجاري للخطف ومشاهد الواقع، بدءاً من خوف وهلع الأهالي ثم الاستنفار الأمني للمواجهة، والمفارقة المثيرة، أن الحريات مكفولة في القانون، ومسلوبة من الشارع والمجتمع، ومن مؤسّسات أمنية أو طائفية، حيث يصبح فعلها أكبر تأثيراً من أي قانون.. ومفارقة غريبة أن يجاهر لبنان أنه الأكثر ديمقراطية بالمنطقة، وقبلة الحريات، وأطفاله يتعرّضون لاعتداءات مضحكة- مبكية، ومنها الخطف المتكرّر.
وتشير الناشطة الاجتماعية منى بدر الدين الى أن بعض عمليات الخطف التي تعرّض لها أطفال بالسنوات الأخيرة، ترافقت مع أحاديث عن وجود "مافيا" لتجارة الأطفال وبيع أعضائهم، الأمر الذي أغرق بعض المناطق بإشاعات لقصص عن خطف أطفال وفقء أعينهم، والتمثيل بأجسادهم قبل رميهم في مكبّات النفايات، أو عن آخرين يتمّ استخدامهم لأغراض غير أخلاقية.. ودون صدور بيان رسمي يدحضها ويضع حدّاً للأقاويل.
إذن، هي الحريات ينخر فيها الفساد والمحرّمات، تماماً ككل شيء آخر في لبنان، وفق إجماع خبراء اجتماعيين، وذلك في ظلّ عدم وجود إحصاءات رسمية أو دراسات نظرية أو بحوث ميدانية حول عمليات اختفاء الأطفال، أو اختطافهم، وفي ظلّ كثرة الجمعيات والهيئات المحلية والدولية التي تُعنى بشؤون الطفولة، ومن بينها الجمعيات "المرتزقة" على حساب وجع العائلات البائسة والأسر المحرومة والهائمة على وجوهها من شدّة الفقر والإهمال الرسمي من العهود المتعاقبة.
وبحسب ناشطين في جمعيات تُعنى بحقوق الإنسان، فإن أسباب شيوع الظاهرة تعود الى عوامل عدّة، أبرزها حالة الانفلات الأمني، واستقواء المجرمين على الدولة والقانون، وحلّ المشاكل بالتراضي في ظلّ ضعف سلطة القانون.
غياب المعلومات
التفسير الرسمي لغياب المعلومات يقتصر على أن القضية مجرد حالات فردية وقليلة جداً، ولا تشكّل ظاهرة تستحق البحث، وما يحصل يعود للتوتر الأمني والسياسي والضغط الاجتماعي والحالة الاقتصادية. وأشار مسؤول أمني لوجود حالات عدّة تبقى طيّ الكتمان، حيث يفضّل الأهالي عدم إبلاغ السلطات بها. وتتّسم الظاهرة بتنوّعها الجغرافي على امتداد مساحة الوطن، وتصبح أحيانا بمثابة "طبق يومي" على مائدة الأخبار اللبنانية، وتجد ملاذاً آمناً في كافة المناطق، وصولاً إلى عمق بيروت، وتقفز معها "بورصة" الفدية من سعر إلى آخر.
دمشق
الصبية في سوريا وقود حرب ودروع بشرية
يشهد واقع الأطفال في سوريا تدهوراً مريعاً وفي مستويات عدة، ويكاد يحتل المرتبة الأولى، باعتبارهم أكثر شرائح المجتمع تضرراً من الصراع الدائر بين مقاتلي المعارضة والقوات النظامية. ووفق أرقام صادرة من الأمم المتحدة وجهات حقوقية فقد قتل حوالي 6600 طفل في العامين الماضيين. وتشير التقارير أن السواد الأعظم منهم اختطفوا وتمت تصفيتهم في المعتقلات والمدارس على أيدي قوات النظام ومليشياته.
شرارة الثورة
وكانت شرارة الثورة السورية قد اشتعلت بعد واقعة قلع أظافر أطفال درعا، وعملية خطف الطفل حمزة الخطيب من منزله وقتله والتمثيل بجثته في صورة سادية مروعة من قبل الأفرع الأمنية التي غدا ذلك سلوكها اليومي الذي يعصف بحياة الطفولة السورية. ولعل تفسير دوافع ومسببات الخطف في الحالة السورية الراهنة بناء على تشخيص السلوكيات الشخصية والاجتماعية، لا تكشف وجه الحقيقة ولا تسلط الضوء على الظاهرة كما يجب.
والمقاربة الأصح حسب ما يرى المراقبون تكمن في إحالة تلك الظاهرة وربطها ضمن الحسابات والأجندات السياسية التي تحرك الأطراف المتصارعة في ظل شروط وظروف الحرب. فالنظام ومنذ إعلانه مواجهة الثورة لم يتوان في استخدام ورقة خطف الأطفال في سبيل الضغط على الطرف المعارض وتركيعه أمام الخيارات المطروحة التي تقدمها السلطة حسب ما تشير المنظمات الحقوقية.
ويعلل النظام استخدامه سياسة خطف الأطفال على نطاق شامل ضمن مسار النزاع الدائر مع المعارضة، لإخماد نيران الحركة الشعبية الثائرة في وجهه، ولا يتوقف خطف الأطفال عند حدود الضغط على الأهالي في سوريا بحسب بل يتعدى ذلك لاستخدامهم في المهام العسكرية على جبهات القتال، وتؤكد تقارير صادرة من الأمم المتحدة ان القوات الحكومية تستخدم الصبيان والفتيات كـ"قنابل انتحارية أو دروع بشرية" لصد ضربات مقاتلي المعارضة. ووثقت التقارير مقتل أكثر من 1700 طفل تحت سن العاشرة نتيجة عمليات الخطف ومن ثم تصفيتهم في السجون والثكنات العسكرية. والتهمة لا تستبعد جماعات المعارضة المسلحة بما فيها الجيش السوري الحر، في استخدام الأطفال في مهام قتال ودعم، مثل نقل الإمدادات وتفريغ الشاحنات بعد انقطاعهم عن ذويهم عنوة.
قتل مبرمج
ثمة اعتقاد متداول في الشارع السوري مفاده أن جهات أمنية عالية المستوى في السلك الأمني النظامي، أصدرت أوامر لمليشياتها بأن تنتهج عمليات خطف الأطفال وقتلهم فورا في معظم المناطق "المتمردة"، بحيث تنسف البراعم من الوجود تحسباً من غريزة الانتقام التي قد تتراكم في ذاكرة الأطفال للثأر من مقتل آبائهم وأمهاتهم وأهلهم. وتجسد ذلك السلوك في سلسلة الجرائم التي جرت في كل من حلب وأرياف حماة وحمص وبعض المناطق، حيث كانت غالبية الضحايا والمخطوفين من النساء والأطفال.
وتشير تقارير طبية ان القوات النظامية بالتعاون مع بعض المشافي الحكومية تقوم بسرقة أعضاء الأطفال الذين يرتادونها في سبيل المتاجرة، وترجح تلك التقارير أن معظم الحالات تمت في المناطق التي تتعرض إلى القصف اليومي.
وثمة عامل آخر يقف وراء عمليات الخطف التي تجري بحق الأطفال، وقد انبثق من رحم الفوضى الشاملة أثر انفلات أمني وقانوني، فغالبية الأهالي التي تعيش في المناطق الساخنة أوقفت أطفالها من ارتياد المدارس بعد انتشار عمليات الخطف بدافع الفدية أو استغلالا لظروف الفوضى للنيل من خصومهم القدامى، وهذه العمليات بدأت تستفحل في النسيج الاجتماعي برمته، ويكاد لا يمر يوم حتى تسمع العشرات من القصص والراويات حول خطف الأطفال وأساليب تعذيبهم وتصفيتهم بشتى الوسائل اللا إنسانية.
