اللغة العربية من أقدم وأهم اللغات في العالم، ومع ذلك تتزايد مخاوف المجامع اللغوية وعلماء اللغة من اندثارها لصالح لغات أخرى، عبر جملة من الآليات، أبرزها تواجد المدارس الأجنبية بكافة أرجاء الوطن العربي، بالتزامن مع توسع المدارس والجامعات العربية في تدريس اللغات الأجنبية للطلاب، بعدما أضحت سوق العمل في الوطن العربي تعتمد بشكل أساسي على ركيزة إجادة الإنجليزية، في محاولة للتمييز بين المتقدمين لشغل وظيفة معينة.

وبالإضافة إلى ذلك، تأتي وسائل الإعلام المختلفة، وخاصة الفضائيات العربية والأجنبية المترجمة كأحد معاول هدم اللغة، من خلال المحتوى العام الذي يتم بثه عبرها، ويؤدي إلى ظهور جيل جديد لا يعبأ كثيراً بلغته الأم، وكل ما يصبو إليه هو إجادة الإنجليزية أو أي لغة أخرى تميزه.

ووسط تلك التحديات التي تهدّد لغتنا العربية «لغة القرآن الكريم»، راح القادة يقدمون جملة من المبادرات المهمة للارتقاء بنظام التعليم في وطننا العربي وجعله قادراً على تلبية الطموحات. وكان أبرزها مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، التي اقترحت إنشاء معهد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها عن طريق جامعة زايد، فضلاً عن إنشاء كلية للترجمة تحت مظلة كلية محمد بن راشد للإعلام بالجامعة الأميركية في دبي، بالإضافة إلى مبادرة إلكترونية لتعزيز المحتوى العربي على الإنترنت.

وكان سموه قد أكد أن «رؤية الإمارات2021 تهدف لجعل الدولة مركزا للامتياز في اللغة العربية، باعتبارها أداة رئيسية لتعزيز هويتنا الوطنية لدى أجيالنا المقبلة، لأنها المعبرة عن قيمنا وثقافتنا وتميزنا التاريخي». والقضية المطروحة عن اللغة العربية تهدف لكشف النقاب عن المبادرات الأخرى في وطننا العربية، لأنها قضية أمة، وأمانة أجيال، وصراع حضارات، ومساع حثيثة لتعزيز الهوية لخير أمة أخرجت للناس.

المدير العام للمنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم: دور الإمارات ريادي في صيانة اللغة ودعم مجتمع المعرفة

 

اشاد الدكتور محمد العزيز بن عاشور المدير العام للمنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم "الاليكسو" بمبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي لحماية اللغة العربية و بالدور الريادي الذي تقوم به الإمارات لصيانتها والتوجه بها نحو مجتمع المعرفة ، و الحفاظ على موروثها العلمي والادبي الزاخر.

وقال "الشيء من مأتاه لا يستغرب" ، فسموه قائد عربي اصيل ، و فارس من فرسان الفكر والادب والشعر في أمتنا ، وصاحب رؤية و موقف ، و مبادرته تؤكد اصالة منهجه لبلورة مشروعه الثقافي و الحضاري المتقدم ،منطلقا من ثوابت انتمائه الاصيل للامة العربية ,وما تقوم به الدولة لحماية اللغة يدرك انها تتخذها قضية وطنية و قومية ومبدأ ثابتا ترتبط بالخيارات الثقافية والحضارية لها، ما يؤكد ايمانها بجوهر لغتنا القومية التي تكمن فيها هويتنا .

ويتشكل منها وجداننا ، وعبرها جاءت المبادرة باحداث ميثاق للغة يعزز استخدامها في الحياة العامة ، وتشكيل مجلس استشاري لتطبيق مبادئه، ورعاية الجهود الهادفة لتعزيزها ، واطلاق كلية للترجمة ، و معهد لتعليم غير الناطقين بها ، و تعزيز المحتوى على الانترنت و استخدامها في التعاملات الحكومية داخليا وخارجيا واعطائها الأولوية في برامج القنوات المحلية . وكل ذلك يمثل ثورة عملاقة و تحولا استثنائيا في التعامل مع اللغة الام .

والمنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم تتعامل مع الامارات كدولة تقدم دائما ما يخدم المشاريع الثقافية و الحضارية للامة العربية وتدعم مشروعات المنظمة بعطاء متميز ، وتساعد بقوة في تطوير الاداء الثقافي و العلمي و التربوي العربي ، و ساهمت في انجاز المقر الجديد للمنظمة في تونس. ولعب مجلس حماية اللغة في الدولة دورا كبيرا مايجعله نموذجا يحتذى عربيا لدوره الريادي لحماية اللغة باعتبارها العماد الاصيل و الاساس للهوية القومية ، ولاننسى مؤسسة دبي للاعلام وصيانتها للغة والاحتفاء بالعاملين عليها بالاحتفال الذي تنظمه سنويا.

وكل عربي يفخر باعلان "رؤية الامارات 2021 "التي تهدف لجعل الدولة مركزا للامتياز في العربية ، وأداة رئيسية لتعزيز الهوية الوطنية لدى الاجيال القادمة لانها المعبر عن قيمنا وتميزنا التاريخي .

لقد كانت العربية يوما لغة التقدم و العلم و الفكر واستمرت باعتبارها لغة القرآن الكريم ، وهذا ضمان لنا نحن معشر العرب ، و المهم الآن كيف نصونها ونعطي لعملية الصيانة الوسائل التي تجعلها وسيلة لمواكبة العصر بالاعتماد عليها. وبالطبع لا يمكن الدخول في الحداثة بشكل محكم الا انطلاقا من لغتنا الأم . وعلى الاجيال العربية الجديدة ان تعبر عن حداثتها و مواقفها من العصر بالاعتماد على لغتها، اذ لا يمكن ان نضيف الى العصر اضافة جيدة ونحن نعتمد على لغة غيرنا، وهذا ما تؤكده المبادرة التي ستساهم في تكريس مبدأ الثقة بالنفس وبالهوية الوطنية.

وتعيد التوازن النفسي و الاجتماعي و الثقافي لاجيالنا وترسخ مكانة العربية كعنصر اساس للانتماء الحضاري و البناء الفكري و الوجداني .

والمنظمة كانت قد أنجزت في 2009 وحتى 2010 وثيقة السياسة اللغوية القومية للغة العربية واطارا منهجيا لاستخدام التقنيات الحديثة في تعليمها, واعدت دراسة علمية دقيقة لرصد التحديات والمشكلات التي تواجهها وجعل الأول من مارس لكل عام يوما للغة العربية ، و انجاز الأجزاء الستة من " العربية لغتي " وأدلة تدريب المعلمين و الوثائق المرجعية في تعريب التعليم

والتقانة ، والبدء في انجاز معايير التمكن من العربية للناطقين بغيرها ، و القاموس المدرسي ، و خطة الارتقاء باللغة بوسائل الاعلام و الاعلان ، و الدليل المرجعي لتنمية الكفاءات اللغوية لدى مدرسيها , وبرمجيات الحاسوب للمصطلحات والترجمة الآلية وغيرها، ونجحت المنظمة في جعل العربية ضيفة شرف على المعرض الدولي للغات في باريس في 2011 ما دفع الحكومة الفرنسية لتتراجع عن قرار سابق بالغاء امتحان الشهادة العليا للمدرسين بالعربية في جامعاتها ، و يكفي أيضا أن دولتي جيبوتي و جزر القمر الناطقتين بالفرنسية تبنتا برنامجي تعريب بمدارسهما و اقرتا التدريس باللغة العربية. اليمن.. مخاطر العولمة وكلاسيكية المعالجات سبـب تفاقم المشكلة

مع التحولات المتسارعة في ميدان الاتصال والإعلام ,وضخامة الخطاب السمعي البصري المتدفق عبر الفضائيات والانترنت تزايدت مخاطر إزاحة لغتنا الجميلة من حقل التداول اليومي في مجتمعاتنا ما يتطلب ابتداع أساليب ومنهجيات متطورة لمواجهة تلك المخاطر التي تحدق بها . ففي اليمن الأمر يماثل الدول الأخرى حيث يرى رئيس بيت الشعرالدكتور عبدالسلام الكبسي أن العولمة عملت على انتشار اللغات الأجنبية بشكل طاغ وفي عالمنا العربي أضحت في الدرجة الثانية وتأثير العولمة يعتبرحافزاً ليستيقظ العلماء ويتجهون للتعريب.

وقد ساهمت وسائل الإعلام في تلك المخاطر بترويجها للمحلية الدارجة عبر المسلسلات التركية و الأفلام الهندية ، إلا أن اللغة العربية هي المنتصرة لأن المتحدث بها تتجلى فيه الهوية والعجيب أن القنوات الأجنبية تخاطب المستمع العربي باللغة الفصحى لأنها تستهدف الكل وليس بلداً محدداً .

ويقول الأستاذ الجامعي في جامعة الحديدة الدكتور عبدالواسع الحميدي الوسيلة التي تمتلكها الحكومات للحفاظ على اللغة العربية إلى جانب الإعلام . هوالتعليم باعتبارها المتحكمة والموجهة له والمسألة تستدعي حلا وسطا لايقدم اللغة بصورة المتكلس القديم باعتبارها محتوى اجتماعيا يتغير ويتبدل ، والمطلوب وضع رؤية جديدة مبسطة للغة في المناهج الدراسية ، وربطها بالحياة الاجتماعية اليومية ، وليس استدعاء تاريخ قديم يجعلها وكأنها لصيقة به فقط .

ورغم أن هناك من يرى ان لغتنا لا تواكب العصر ومتغيراته ، إلا أن الصحافي والمدقق اللغوي أمين الورافي يعتبر أن المشكلة ليست في مواكبة العصر لكنها في مبانيها ومعانيها طيعة مرنة , وقديماً كانت الأشياء الجديدة والمبتكرة تظهر في محيط اللغة نفسها وتطلق عليها اسماء مستلهمة من خاصية الشئ ووظيفته "حسب نظرية بن جني في اللغة " وكان البدوي القح بعفويته يسميها من خلال ما يدركه من خصائصها ، لكن اليوم الابتكارات تأتي مسماة بلغة أجنبية , ويتعرف على وظيفتها لاحقاً ، وبعد أن يشيع اسمها وينتشر ، يأتي دور المجامع اللغوية لتعريبها وإطلاق اسم عربي عليها . والمطلوب الآن إعادة النظر في منهجية التعريب من لاحقة إلى سابقة تستبق شيوع اللفظ وانتشاره .

والمتوقع أن تركز مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بشأن اللغة العربية على هذه المنهجية لأنها ستحقق نتائج مهمة ، وبعدها يأتي دور الإعلام والصحافة في نشر ما يخلص إليه فقهاء اللغة ، لأن الاتصال إما أن يثري اللغة ويؤدي إلى انتشارها أواندثارها وزوالها ويحدث ذلك عندما يطغى استخدام الألفاظ الأعجمية أو الدارجة على استخدام الفصيح منها ، وعدم استخدام اللفظ في التواصل بين الناس يزول من حقل التداول ويقصى حتى ينقرض .

أما الكاتب محمد شمس الدين لايرى أن واقع الفصحى قاتم إلى ذلك الحد . فنجد لغة بعض الفضائيات خاصة الاخبارية قد أعادت الألق لها وبقوة .وإذا كانت هناك محاولات لاستخدام اللهجات العامية ففي المقابل هناك حضور لافت في المشهد الإعلامي من خلال تزايد أعداد معدي ومقدمي الأخبار الذين يحسنون استخدام لغة متميزة وفق قدرات أعادت للفصحى مكانتها وبريقها الأخاذ .ووجود قنوات متخصصة للاطفال يسهل من المسألة , فهناك قنوات استطاعت أن تؤثر ايجابيا في سلوك الاطفال ومفرداتهم اللغوية خاصة بالمسلسلات المدبلجة بالفصحى.

وهذا مهم لأن الطفل في مرحلة تعلم وصقل مفرداته اللغوية ، والمدرسة والمدرسون في التعليم ماقبل الجامعي أو خلاله فأغلبهم اليوم لايدرس بالفصحى بل بالعامية ويتخاطب بالعامية وتدور النقاشات والأحاديث بينه وبين التلاميذ والطلاب بالعامية .وعليه يجب وضع معايير وضوابط للتدريس والتعليم تكرس استخدام الفصحى في الحياة العامة بحيث يكون من بينها الزام المحاضرين القاء محاضراتهم والدروس بالفصحى ، وإلزام المذيعين ومقدمي البرامج بتحري النطق الفصيح ودبلجة الأفلام والمسلسلات الأجنبية بالفصحى ، وإنشاء هيئات ومجامع تضطلع بعملية التعريب بشكل فوري .

وهناك ضرورة ملحة لتغيير الأساليب البيداغوجية والتعليمية القديمة لتدريس العربية الفصحى ، والاستفادة من المنهجيات والطرق والتقنيات الحديثة المبتكرة في تعليم اللغات الأجنبية ،ويلاحظ طغيان الأساليب الفقهية الكلاسيكية القائمة على التلقين والحفظ ،واستظهار القواعد النحوية في لغتنا بينما الأخرى تركز على المحادثة والنقاشات والمشاركة والتطبيق بين المتلقين والملقنين ، ثم يأتي بعدها اكتشاف التلميذ أوالطالب للقاعدة النحوية.

الجزائر.. غياب الإرادة السياسية يؤجل استعادة مكانتها

من المفارقات الغريبة أن الاحتلال الفرنسي في الجزائر سنة 1830جعل العربية لغة أجنبية، وأصبحت تعامل مثلها مثل الأخرى غير الفرنسية التي باتت هي الرسمية باعتبار الجزائر مقاطعة تابعة لها، وهو الوضع الذي استمر حتى نيل الاستقلال في 5 يوليو عام 1962. ويشير رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدكتور عبد الرزاق قسوم إلى أن الإدارة الاستعمارية كانت ترمي من وراء حربها الشاملة على العربية تحطيم مقومات الشخصية الجزائرية العربية المسلمة ومسخ هويتها.

وحين وقع الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830، كانت العربية لغة التدريس في المدارس والزوايا والجوامع، ولغة الأدب التي تؤلف بها الكتب، وأداة التعامل في المحاكم الشّرعية والمراسلات الرسمية، وتوثق بها عقود الأوقاف والمواريث، وتكتب بها محاضر المداولات الإدارية والمنازعات في كل أنحاء البلاد، قبل أن تشرع الإدارة الاستعمارية في انتهاج سياسة تجهيل متعمدة للشعب بمنعه عن دراستها لأزيد من قرن وحتى تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في 5 مايو سنة 1931 وشروعها في تعليمها للشعب بإمكانات محدودة جداً.

الاستعمار واللغة

وأوضح الدكتور قسوم، الذي أصبح منذ وفاة الشيخ عبد الرحمان شيبان في أغسطس 2011، رئيساً لجمعية العلماء المسلمين، أن مسؤولية الوضع الذي آلت إليه العربية في الجزائر منذ الاستقلال إلى اليوم، يعود بالدرجة الأولى إلى التردد وغياب الإرادة السياسية الصارمة في تعميم استعمالها في كل مناحي الحياة، وخاصة في الإدارة والاقتصاد والتعاملات مع الخارج.

ويلقي باللائمة في المقام الثاني على النظام التعليمي المنتهج في البلاد، خاصة بعد وفاة الرئيس هواري بومدين سنة 1978 حيث توقفت مسيرة التعريب التي شرع في تطبيقها شخصياً في الذكرى العاشرة للاستقلال سنة 1972.

وقد منع الرئيس الموظفين الذين لا يتقنون العربية من التثبيت في مناصبهم، من أجل تشجيع القيادات الشابة بعد الاستقلال من تعلمها وتوسيع استعمالها في جميع القطاعات.

واليوم فشلت كل محاولات تعريب الإدارة والاقتصاد والصحة، وباستثناء قطاع القضاء الذي تم تعريبه قبل سنة 1980، ولا تزال جميع الإدارات العمومية والقطاعات الوزارية الأخرى تتعامل باللغة الفرنسية التي عادت إلى قوتها مع وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الى الحكم سنة 1999، بعد أن أصبح لا يـتخلف عن الحديث بالفرنسية في مناسبات رسمية سواء في الداخل أو الخارج، كما وضع لجنة لإصلاح التعليم اشرف عليها واحد من غلاة الفرانكفونية، قبل أن تخلص إلى ضرورة العودة لاستعمال الحروف اللاتينية في تدريس المواد العلمية في جميع المستويات التعليمية.

يعتقد الأستاذ بمعهد التاريخ بجامعة الجزائر الدكتور محمد ارزقي فراد، أنه لابد من الوقوف عند الاعتبارات التاريخية عند الحديث عن حالة اللغة العربية، بالنظر إلى طبيعة الاستعمار الاستيطاني الذي تعرضت له البلاد من فرنسا لمدة 132 سنة وهو الذي لا يوجد مثيل له سوى في جنوب إفريقيا مع نظام التمييز العنصري، وفلسطين مع الاستيطان الصهيوني.

الأجنبي يكسب

وطبيعة الاستعمار الفرنسي هي التي عملت على تدمير المكون اللغوي للشعب، وهي حالة لا يوجد لها مثيل في المشرق والمغرب العربيين، والجهد الذي بذلته المؤسسات الدينية التقليدية خلال الفترة الاستعمارية يعتبر خارقاً للعادة، لذا هناك ضرورة لمراجعة المنظومة التربوية الوطنية من أجل مسايرة التحولات التي فرضتها العولمة، وحتى لا يبقى الجيل الجديد عرضة للغزو الثقافي واللغوي والفكري، وفق القاعدة الخلدونية "المغلوب مولع بتقليد الغالب"، خاصة عندما تغيب الإرادة السياسية اللازمة للمضي بالعربية قدماً نحو مكانتها الطبيعية في المجتمع.

ويمكن القول إن العربية ليست بالضعف الذي يجعلها غير قادرة على مقاومة اللغات الوافدة، فهي وعلى الرغم من ضعف أهلها استطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تتفوق على العديد من اللغات الأجنبية من حيث قوة الانتشار والاستعمال على شبكة الانترنت، وكانت أسرع تطوراً من الفرنسية.

والفرنسية وهي لغة التعامل والعمل الأولى في الإدارة، انكفأت على نفسها لصالح العربية التي خطت خطوات جريئة خلال السنوات الأخيرة خاصة في الأوساط الشعبية وبين الأجيال الجديدة من الشباب الأكثر ارتباطاً بالإعلام المعرَب والقنوات الفضائية الناطقة بالعربية، فيما لاتزال الفرنسية لغة النخب الحاكمة ودوائر صنع القرار، متحدية الدستور الذي ينص على أن اللغة الرسمية للجزائر هي العربية.

الرئيس التونسي: عربيتنا باتت «هريسة لغوية» تستعصي على الفهم

ظهرت في تونس مواقف عدة تدعو الى ضرورة حماية اللغة العربية من المخاطر المحدقة ,والرئيس التونسي المنصف المرزوقي قال في مقال منشور على صفحات مدونته الشخصية, لقد وقع التحرر النهائي من كل قواعد الكتابة وعلى رأسها الكتابة بالأحرف العربية، والذروة كتابة اللهجة التونسية -تتخللها جمل فرنسية- بالأحرف اللاتينية، ما يعطي في نوادي الحوار هريسة لغوية أصبحت تستعصي على الحل ومثلي لا يستطيع قراءتها إلا بمشقة بالغة، الشيء الذي يجعلني أمر مباشرة إلى ما يبدو مكتوبا بالعربية أو بالفرنسية.

لو توقف الأمر عند المكتوب على "فيسبوك" لقلنا انه محصور في نطاق معين. لكنه أصبح القاعدة في إذاعاتنا الحرة بعد الثورة. لذا يحتاج المرء أعصابا من حديد ليتحمل لغة هجينة تختلط فيها الكلمات الفرنسية بالدارجة التونسية وبعض الجمل الفصيحة، وصاحبها لا يتراجع أمام أي غلطة , ولا يستحيي من أخطائه.الشيء نفسه في قناة تلفزيونية خاصة هي نقمة على العربية، فمقدم أحد البرامج لا يتورع عن استخدام جُمل كاملة بالفرنسية، وكأنّ كل السكان مطالبون بإجادة لغة "موليار" لفهم ما يقوله . وعليه قد نكون بحاجة قريبا لجمعية للدفاع عن "العربية" في بلادنا؟والسؤال المطروح هل سنتكلم يوما في كل قطر عربي لغة مثل الكريول وهي السائدة في جزر الكاريبي والمحيط الهادي، حيث تتشكل من خليط غريب للغات أوروبية وأفريقية؟ .

بديهي أن كلامي ربما يحمل حكما سلبيا على الظاهرة ، لكن خطورة القضية تتطلب أن نضع مشاعرنا جانبا لمحاولة الفهم دون أي حكم مسبق، وإلا حكمنا على أنفسنا بسوء التقدير ,ومن ثم سوء القرار، إذا توجب يوما اتخاذ مثل هذا القرار. فالعربية لغة فريدة من نوعها إذ تملك خلافا عن غيرها ,نوعا من التأمين على الحياة, وطالما بقي القرآن ستبقى هي تتطور وتتراكم حولها عاميات لا تبعد عنها. وما يجعل المقارنة أيضا غير واردة أنه في الوقت الذي تتوسع فيه هذه اللغة الجبارة، نرى العاميات تقترب منها شيئا فشيئا، ما يضعنا في حالة تاريخية لا علاقة لها بما عرفته أوروبا في بداية نهضتها من تخل تدريجي عن لغة سيسرون لفائدة المحلية.

وطالما العربية هي العمود الفقري للأمة، ولا وجود لها إلا بوجودها، فأمتنا خلافا لغيرها، لا تسكن أرضا وإنما تسكن لغتها. ومن ثم فإن كل إضعاف للغة هو ضرب لوجود الأمة ولشعوبها.

والعربية هي التي تفتح أمام كتاب تونس ومغنيات لبنان وشعراء العراق... إلخ "سوقا" تفوق أضعافا من تلك السوق البالغة الضيق للعامية التونسية أو اللبنانية أو العراقية. ومن ثم ضرورة تنميتها والدفاع عنها بكل الوسائل التعليمية والقانونية لمصلحة شعوب ستفقد الكثير إن هي اختارت الانغلاق على هويتها القُطرية.

وإقرارالعربية لغة رسمية للدولة يعني أن علينا حمايتها وتطويرها .فيجب إدراج حصرية استعمال الفصحى والدارجة المهذبة على رأس قائمة النظم والقوانين التي تخضع لها الإذاعات ومحطات التلفزيون. ثم تجريم استعمال لغة الكريول، حيث لا نعتقد أن هيئة الإذاعة البريطانية تسمح بلغة الخمارات أو أن التلفزة الفرنسية تسمح بلهجة المراهقين.

ويمكن القول انه لا مجال لاعتبار اللهجات المحلية عدوا أو منافسا للفصحى ,وإنما هي فروع من الجذع المقدس يجب الحفاظ عليها وتنميتها، مع إعطاء عناية خاصة للتراث الشعري الشعبي. أما عندما تتعايش العربية في الفضاء المشترك مع لهجات محلية غير عربية الأصول، فإن من واجب الدولة تنمية اللغات وتشجيعها بل وحث الناطقين بالعربية على تعلمها لأنها جزء من التراث المشترك. ونحن العرب منذ الأزل شعوب مختلطة تتدافع في شرايينها دماء أعراق وأعراق.

وزراء ومثقفون : الإمارات تنال درجة الامتياز في الحفاظ على هويتنا

ثمّن وزير التربية التونسي عبد اللطيف عبيد مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بحماية ودعم اللغة العربية بمجموعة اجراءات عملية ستعطي الامارات درجة الامتياز في الحفاظ على لغتنا القومية. وعندما يجتمع القرار السياسي مع الرؤية الثقافية والحضارية يكون الحسم في اتجاه الانجاز وهذا ما لاحظناه في مبادرة سموه التي تمثل دافعا قويا للحكومات والمنظمات والجمعيات والاكاديميات والفاعلين السياسيين والمثقفين في الوطن العربي للقيام بمبادرات مماثلة قادرة على تحصين لغتنا التي تمثل إحدى أهم ركائز هويتنا وانتمائنا وذاتيتنا.

والعربية كانت عبر التاريخ لغة عطاء لا ينضب، ولغة ثقافة وفكر وعلوم. وقد قدمت للبشرية رصيدا حضاريا مميزا لا ينكره الا جاهل، وعلينا اليوم ان نعيد لهذه اللغة العظيمة والخالدة اشعاعها ودورها الانساني، فهي قادرة على استيعاب العلوم والثقافات وعلى احتضان تقنيات العصر كما لها التميز في التعبير عن المشاعر والاحاسيس , فالأمم لا يمكن ان تتطور وترتقي سلم العلم والمعرفة خارج لغتها، ولا يمكن ان تحقق توازنها الثقافي والحضاري والنفسي الا من خلالها فهي التي تعبر عن هويتها واصالتها وجذورها وقيمها ومبادئها.

واشاد وزير الثقافة مجدي المبروك بالمبادرة و قال ان الامارات تتميز بروحها القومية العميقة التي رسخ قواعدها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان، والأباء المؤسسون، ومن حظ هذا البلد ان قادته يمتلكون رؤية استراتيجية واضحة في جميع المجالات، ومن هنا جاءت مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لحماية وتحصين اللغة العربية، والتمكين لها محليا واقليميا ودوليا، وهي مبادرة سامية تدل على وعي أصيل ,ورؤية ثاقبة وفهم عميق بدورها في تكريس الهوية الفكرية والثقافية والاجتماعية والنفسية للشعوب ، وبلورة قيمة التوازن في الفرد والجماعة. فاللغة عنوان البناء النفسي والاجتماعي للشخص، واذا تذبذبت انتجت شخصا متذبذبا وشعبا كذلك، واذا اختلت نتج عنها اختلال في كل شيء.

واشاد رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي بالمبادرة وقال ها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مرة أخرى يصنع الحدث عبر خطة عملاقة ستشمل الوطن العربي من خلال النهوض بلغتنا الأم لدى الناطقين وغير الناطقين بها، وعلى الجميع ان يستفيد من هذه الخطوة العملاقة ويتماهى معها. وبارك الشاعر المنصف المزغني المبادرة وقال: يكفي أنها صادرة عن قائد عربي يمتلك رؤية واضحة في المجالات كافة، و يعرف ان اللغة هي البدء والمنطلق، وهي الأساس لكل معرفة. و من هنا جاءت المبادرة لتعيد للغة العربية مكانتها في القرار السياسي عبر اجراءات تجاوزت العمل الأهلي لتصبح مشروعا سياسيا وحضاريا وثقافيا من قائد عرفناه دائما فارسا عروبيا متمسكا بهويته القومية سياسيا وفكريا ترسيخا للقيم الاخلاقية والانسانية والابداع .