اللغة العربية من أقدم وأهم اللغات في العالم، ومع ذلك تتزايد مخاوف المجامع اللغوية وعلماء اللغة من اندثارها لصالح لغات أخرى، عبر جملة من الآليات، أبرزها تواجد المدارس الأجنبية بكافة أرجاء الوطن العربي، بالتزامن مع توسع المدارس والجامعات العربية في تدريس اللغات الأجنبية للطلاب، بعدما أضحت سوق العمل في الوطن العربي تعتمد بشكل أساسي على ركيزة إجادة الإنجليزية، في محاولة للتمييز بين المتقدمين لشغل وظيفة معينة.

وبالإضافة إلى ذلك، تأتي وسائل الإعلام المختلفة، وخاصة الفضائيات العربية والأجنبية المترجمة كأحد معاول هدم اللغة، من خلال المحتوى العام الذي يتم بثه عبرها، ويؤدي إلى ظهور جيل جديد لا يعبأ كثيراً بلغته الأم، وكل ما يصبو إليه هو إجادة الإنجليزية أو أي لغة أخرى تميزه.

ووسط تلك التحديات التي تهدّد لغتنا العربية «لغة القرآن الكريم»، راح القادة يقدمون جملة من المبادرات المهمة للارتقاء بنظام التعليم في وطننا العربي وجعله قادراً على تلبية الطموحات. وكان أبرزها مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، التي اقترحت إنشاء معهد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها عن طريق جامعة زايد، فضلاً عن إنشاء كلية للترجمة تحت مظلة كلية محمد بن راشد للإعلام بالجامعة الأميركية في دبي، بالإضافة إلى مبادرة إلكترونية لتعزيز المحتوى العربي على الإنترنت.

وكان سموه قد أكد أن «رؤية الإمارات2021 تهدف لجعل الدولة مركزا للامتياز في اللغة العربية، باعتبارها أداة رئيسية لتعزيز هويتنا الوطنية لدى أجيالنا المقبلة، لأنها المعبرة عن قيمنا وثقافتنا وتميزنا التاريخي». والقضية المطروحة عن اللغة العربية تهدف لكشف النقاب عن المبادرات الأخرى في وطننا العربية، لأنها قضية أمة، وأمانة أجيال، وصراع حضارات، ومساع حثيثة لتعزيز الهوية لخير أمة أخرجت للناس.

 

 

فلسطين.. تراجع مخيف ومقاومة في حقل ألغام لإثبات الوجود

 

يؤكد العديد من الأكاديميين والتربويين والكتاب الفلسطينيين على أهمية تعزيز مكانة اللغة العربية في المجتمع الفلسطيني، والحفاظ عليها من خطر الاندثار من خلال إطلاق المزيد من المبادرات التشجيعية التي تعززها وتنمي استخدامها بشكل سليم لدى كافة شرائح المجتمع، وفي مختلف جوانب الحياة، في وقت تتراجع فيه نسبة استخدامها وتتدنى نسبة تحصيل طلبة المدارس والجامعات لها لأسباب عدة.

يقول التربوي ومدرب الكتابة الابداعية تحسين يقين: الفضائيات العربية لا تشكل خطراً على اللغة كون المواد المستهلكة فيها يتلقاها المشاهد غالباً باللغة العربية الفصحى أو ببعض اللهجات المحلية، فاللغة ليست نحو وصرف وقوالب لغوية جاهزة، بل هي حياة تعبر عن الواقع وروح العصر، لذا المطلوب إيجاد مواد لغوية مناسبة تتلاءم ومستوى أعمار من يتلقونها.

والعربية عنصر من عناصر الهوية المحلية والوطنية والقومية وأي مجتمع يجب عليه أن يعزز عناصر هويته من خلال المستويات الشعبية والرسمية المختلفة كوزارة التربية والتعليم والجامعات ووسائل الإعلام، واللغة ليست منقطعة عن الفكر وعندما نسعى إلى الفكر الناقد تصبح طيعة، ونحن أمام تحدي الفكر وهذا المهم، فاللغة العربية يسر لا عسر، والجميع يستطيع التحدث بها إذا منح فرصة تعلمها واكتسابها.

أما مدير دائرة النشاط الثقافي الطلابي في وزارة التربية والتعليم محمود عيد إن فكان طرحه واضحا، حيث قال ان واقع اللغة في المدارس والجامعات لا بد ان يكون افضل مما هو عليه بكثير، فاللغة تعاني على ألسنة أصحابها وعند الإعلاميين أيضاً، وما نلاحظه في الكثير من المؤتمرات واللقاءات وورش العمل التي تنظم في فلسطين أن الحديث يتم باللغة الأجنبية مع ان لغة المؤتمر بالعربية ظنا ممن يتحدث بالأجنبية أن ذلك يعكس وجهه الثقافي ومستواه الأكاديمي.

ولكن الحقيقة أن الحديث باللغة الأصيلة مؤشر قوي على الاعتزاز بها. وبشأن السبل الكفيلة بإعادة الاعتبار للكتاب والقراءة وتعزيز اللغة والحفاظ عليها، فالمسألة تقع مسؤوليتها على الأسرة والمدرسة، فإذا تكاتفت وتكاملت جهودهما المشتركة في هذا الإطار وتم توجيه الطلبة نحو البرامج المفيدة والمهمة في الفضائيات سيكون هناك تحول نحو الكتاب والقراءة.

ويرى رئيس قسم الصحافة والإعلام في وزارة التربية والتعليم جبريل حجة، أن اللغة هي الأساس الذي جمع الأقوام المختلفة قديما في الجزيرة العربية رغم بعدهم القبلي، وهذا لم يكن من فراغ فاللغة تاريخياً تعتبر النقطة المركزية بعد الدين التي تجتمع عليها القبائل، فهي متينة ولها تعابير مرتبطة بمضامين وأبعاد ثقافية.

ودعا إلى وجود استراتيجية وطنية ملزمة للجميع لاستخدام اللغة العربية الفصحى في كافة نواحي الحياة (الشارع، المدرسة ، البيت، العمل .....)، لأن هناك كما يرى تهديد للبعد الثقافي والوطني والحضاري، لذا هناك ضرورة لوجود منهجية ومرجعيات لنظام التعليم في الوطن العربي ليقوم بدوره المطلوب، وتوفير ميثاق شرف لتعزيز اللغة العربية كلغة أم والعمل على تشجيع القراءة .

واكتساب المعرفة، لافتاً إلى وجود مبادرات فلسطينية وعربية خلاقة للحفاظ على اللغة كالمسابقات الأدبية التي تنظم في المدارس والجامعات، ومبادرة الهام فلسطين، وكذلك مسابقة قطار المعرفة التي نظمت في الإمارات ابريل الماضي و فازت فيها طالبة من رام الله، حيث طلب من المشاركين فيها قراءة 80 كتابا للدخول في المسابقة.

تراجع مستمر

من جهتها، قالت طالبة الدكتوراه في اللغة العربية ونائب مدير التربية في أريحا بسمات جعفري ان واقع اللغة في تراجع كبير ولم تعد هي الأولى، فاليوم أي وظيفة تطلب ممن يتقدم للحصول عليها إتقان اللغة الانجليزية مهما كان نوع الوظيفة، وأصبح الناس يتساءلون هل هناك من يتعلم العربية اليوم؟

فاليوم الجميع يلحق أبناءه في مدارس لغتها الرئيسة الإنجليزية، ومعلمو اللغة العربية لا يتحدثون في المدارس بالعربية، وقد عملت وزارة التربية والتعليم على إحياء المهرجانات واللقاءات الأدبية ولكن كانت مبادرات محدودة وجدواها قليلة، والآن نجد العامية والانجليزية منافسان قويان للفصحى.

وللأسف لا توجد لدينا مبادرات جادة لتعزيز اللغة وهناك تراجع في استخدامها والعديد من الفضائيات تستخدم لهجاتها المحلية، حتى أصبحت العربية معيار التخلف أما الانجليزية فهي التقدم فرسائل الموبايل بالانجليزية وأسماء المحال التجارية كذلك. وسلبيات الفضائيات على العربية أكثر من إيجابياتها فهي بكل تأكيد أبعدت الكثيرين عن القراءة وجعلتهم أسرى لشاشتها.

 

متخصص بحريني: لغتنا ستحافظ على عراقتها وهويتها رغم محاولات التأثيرأ

 

كد المتخصص في شؤون اللغة العربية خالد عمر الرميحي أنه وعلى الرغم من انتشار لغات أخرى في العالم ومحاولتها التأثير في اللغة العربية إلا أنها تظل محافظة على عراقتها وهوية منتسبيها، فبقاؤها مرهون ببقاء العرب وكتابهم المقدس القرآن الكريم الذي تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه، وهناك العديد من المبادرات التي تهدف إلى تقويتها وجعلها الأولى وألا تزاحمها الأخريات.

ومبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هدفها ان تظل لغتنا مشعلا للحضارة كما كانت دوما. ونظام التعليم العربي قادر على تلبية طموحات منتسبيه في حفظ اللغة وتطويرها، وإن كان هذا الأمر لا يخلو من صعوبات، ولكن ومع ذلك ستظل قادرة على المنافسة والبقاء عبر التطوير البناء والمدروس في مناهجنا التعليمية بما يحقق طموحاتنا.

ووسائل الإعلام خاصة الفضائية عليها دور كبير وبناء في تعزيز وتمكين اللغة العربية. ومن خلال القراءة وتوحيد الجهود في نشر الكتاب وتيسير توفيره للجميع وخاصة الناشئة نسهم في نشر وتقوية العربية في ظل انتشار وسائل الاتصال الحديثة ومواقع الاتصال الاجتماعي.

وأسهمت ظاهرة العولمة التي غزت العالم بأسره، ووطننا العربي أواخر القرن الماضي بشكل كبير في إضعاف الهوية القومية للعرب، على رأسها اللغة العربية، ودخلت في صراع قوي مع اللغات الأخرى، والإنجليزية تحديداً، فهي اللغة العالمية المتداولة في جميع المواقع الإلكترونية، إلا أن العربية محافظة على عراقتها وهوية منتسبيها، والأجيال المتعاقبة أسهمت على مر الزمن في حفظ اللسان العربي من الاندثار.

والعربية باقية وستظل قوية لترسخ هويتها القومية. وأعتقد أن نظام التعليم العربي قادر على تلبية طموحات منتسبيه في حفظ وتطوير اللغة، رغم التغريب الذي يجرى في بلداننا مشرقها ومغربها، ورغم سطوة الانجليزية في مشرقه، والفرنسية في مغربه، الا أنها قادرة على المنافسة والبقاء عبر التطوير البناء والمدروس في مناهجها .

ويقع على وسائل الإعلام وخاصة الفضائيات دور كبير في بناء وتعزيز وتمكين لغتنا، وبعض القنوات أصبحت تنافس العالمية في المصداقية والانتشار، ما دفع العديد من البلدان الأجنبية لإنشاء فروع لقنواتها ناطقة بالعربية بما يسهم في تعزيز مكانة لغتنا عالمياً. ويمكننا إنقاذ شبابنا وصغارنا من سطوة التلفزيون وتقوية لغتهم بالقراءة لا المشاهدة.

وذلك من خلال العمل على توحيد الجهود بنشر الكتاب وتيسير الحصول عليه، خاصة بالنسبة إلى الصغار، إلى جانب العمل على تشويق الناشئة وجذبهم نحو الكتاب بتبسيط المفردات وتضمينه الرسوم الإيضاحية التي تغري على القراءة، بالإضافة إلى ذلك فإن معارض الكتاب التي تقام بين الفينة والأخرى لها دور كبير في نشر الكتاب وتقوية اللغة.

ولا ننسى في هذا الشأن وسائل الاتصال الحديثة ودورها في نشر الكتاب والقراءة. ويمكن القول ان تدريب المعلمين مسألة لا تنفصل عن اعداد الطلاب فذلك يمكننا في مدارسنا وجامعاتنا من تجويد اللغة وإتقانها حتى نحسن التعامل معها ونتفاخر بأنها لغة القرآن الكريم. والأهم ان تكون البداية من رياض الأطفال، فالصغار لديهم القدرة على الاستيعاب الجيد.

 

 

تربوي فلسطيني: التركيز على اللغة يحمل المعنى الأكاديمي لا التعبيري

 

عند المقارنة بين الأجيال السابقة واللاحقة في مسألة التعامل مع اللغة قراءة وكتابة، وحفظا وفهما، واقبالا واستمتاعا، وسعيا لإدراك معانيها وفك شفرة مضامينها، نجد البون شاسعا والفارق كبيرا. فهل لذلك أسبابه وخفاياه ؟ أم انه الفارق المتمثل بين جيل يقرأ ليتعلم وآخر يقرأ ليتخرج بشهادة أيا كانت؟.

الدكتور جهاد زكارنة الوكيل المساعد للشؤون التعليمية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية له رأيه الصريح والواضح، إذ يقول بلاشك ان التركيز الذي يتم على اللغة في وطننا العربي تركيز يحمل المعنى الأكاديمي لا التعبيري، وهذا الأمر أوجد مشكلة حقيقية، وان احدى مشكلات اللغة العربية ناجمة عن التركيز أكثر على القواعد اللغوية فيها، «حالات النصب، الجر، الرفع، الجزم ،المبني والمعرب.. إلخ».

وليس على التعبير، وأنا من انصار مدرسة التعبير أكثر من أولئك الذين يركزون على القواعد، لأن وضع اللغة في قوالب «القواعد» لا يخدمها بقدر ما يضر بها الى حد ما، لأن الطالب وخاصة في مرحلة الأساس اصبح ينظر الى اللغة العربية كمعادلات حسابية مثلها مثل الرياضيات.

ولذلك اصبح ينفر منها، وعليه يجب السعي لمعرفة أهمية وضرورة التفريق بين اللغة القادرة على التعبير بطريقة سليمة وسهلة ومبسطة ليستوعبها العقل ويدركها الفهم، وبين تعليم الطالب كل تفاصيل القواعد التي لا يتقنها حتى بعض معلميها، وكل ما نتمناه من كل وزارات التربية والتعليم والمسؤولين في المعاهد والكليات المختلفة في اوطاننا العربية ان يفرقوا بين اللغة التعبيرية وتعليم كل القواعد اللغوية التفصيلية للطلبة.

وسبق لنا في لقاء جمع معظم الزملاء المعلمين أن اكدنا لهم على أهمية التركيز على تعليم الطلبة القراءة والكتابة والفهم السليم، والقدرة على التعبير الشفوي والمكتوب، وليس الحفظ المبني على التلقين.

واكد زكارنة وجود العديد من المبادرات والتجارب لحماية اللغة العربية، وهي خارج الإطار المنهجي، لأن الطالب يشعر بأن تعلمه اللغة الهدف منه نيل العلامة الكاملة والثناء والتقدير من معلميه وبعد التخرج يكون قد نسي كل حرف حفظه، لأنه لم يركز على فهمه، ولم يتقن اللغة، لكن يمكن أن يتذوق معانيها، فكيف يتذوق القصيدة وهو لايدرك بأي لغة كتبت؟ ولا ماذا تعني كلماتها؟، والطلاب لا يحبون المنهاج الرسمي الذي يقيدهم بقواعده.

ولاشك ان الفضائيات زادت من ثروة الطالب اللغوية المكتسبة، سواء كان ذلك من خلال مشاهدة الأفلام او بعض البرامج الملتزمة بالقواعد، إلا أنها أيضا أبعدت الطالب عن الكتاب المدرسي، رغم اكسابه ثروة جديدة ومعرفة، وان لم تكن مقننة دقيقة وموثقة بالحقائق. والحال أيضا بالنسبة للكمبيوتر والإنترنت.

حيث وقفا حائلا دون تطوير لغة الطالب، لأنه لم يستغلهما الاستغلال الأمثل والأفضل، فجعلهما أداة ترفيه لاتثقيف. وأضاف ان اللغة العربية هي عنصر من عناصر الهوية المحلية والوطنية والقومية، وأي مجتمع يجب عليه أن يعزز عناصر هويته من خلال المستويات الشعبية والرسمية المختلفة، كوزارة التربية والتعليم والجامعات ووسائل الإعلام، واللغة ليست منقطعة عن الفكر.

وعندما نسعى الى الفكر الناقد تصبح اللغة طيعة، ونحن امام تحدي الفكر، وهذا هو المهم، فاللغة العربية يسر وليست عسرا، والجميع يستطيع التحدث بها إذا منح فرصة تعلمها واكتسابها خلال فترة زمنية ليست طويلة. ودعا الوكيل المساعد الى انقاذ الأطفال من سطوة القوالب الجاهزة في اللغة والإعراب والصياغات، ويجب ان تكون لغة تواصل بشكل أكثر سهولة ويسراً. واللغة أولا وأخيرا هي جرس موسيقي تألفه الأذن قبل مخاطبته العقل.

 

 

 

الأردن.. شباب يطبعون «العربية» على مفاتيح حواســيبهم بـ«أحرف لاتينية»

 

كان مدعواً على العشاء مع مجموعة من الأصدقاء في أحد المطاعم في عمان. وأحضرت قائمة الطعام مكتوبة باللغة الإنجليزية فاختار الأصدقاء الطعام الذي يرغبون بتناوله، وعندما جاء دوري لم أفهم شيئاً من المكتوب. وهنا علق أستاذ اللغة العربية الدكتور رائد الطل على الحدث قائلاً لا أدري لماذا القائمة مكتوبة بالإنجليزية. فأنا عربي، والمطعم عربي.

والنادل عربي، فلماذا الإنجليزية. لم يكتف بذلك بل أبلغ النادل انزعاجه لما حدث، رغم أن آخرين يخجلون من الإفصاح عن انزعاجهم خوفاً من دمغهم بالتخلف الحضاري. والسؤال الذي يطرح نفسه هل باتت لغتنا نظيرة للتخلف؟ فتوطين العربية لا يعني اعتمادها لغة أمّاً فحسب، بل أيضاً اعتمادها لغة للمجتمع بكل ألوان طيفه.

في الأردن تعاني كما تعاني في باقي المجتمعات العربية، وكما تعاني لغات العالم اليوم في عالم يحاول أن يشكل له خصوصيات ثقافية دون جدوى. فأين شوارعنا ولافتاتها من لغتنا؟ وأين الحرف العربي من أصابع شبابنا وهم يطبعون على مفاتيح حواسيبهم لغة عربية ولكن بأحرف لاتينية؟

يروي أستاذ اللغة الإنجليزية الدكتور ناصر عبدالفتاح، أنه كان في أحد المقاهي فجاءت النادلة تسأله عن طلبه، فانتبه إلى كلماتها المكسرة أثناء حديثها، فسألها إن كانت عربية؟ فأجابت بالإيجاب وسبب ذلك أنها كانت تعيش في الخارج. إنها موضة أن تحكي الفتاة بلسان الأجنبية التي لا تتقن العربية «تقليداً».

وبالطبع لا غاية من ذلك سوى عدم احترامنا لهويتنا ونريد بأي طريقة التخلي عنها أو التخلص منها، ومن بين أدوات الهوية وصورها اللغة. وكلما اهتز مفهوم الهوية للفرد اهتزت لغته. من هنا يمكن فهم عزلة العربية وابتعاد الناس عنها بدعوى صعوبتها، وهو جدار يركن إليه البعض، لتبرير جهله بها.

ووصل أمر مناقشات القضية إلى الحد الذي ناقش فيه حراك العقبة الشعبي في مؤتمره الأول قبل فترة إعادة إنتاج الخطاب الثقافي والتركيز على قضية اللغة العربية وأهمية الحفاظ عليها، وأن يتم تفعيل دورها في المؤسسات التعليمية والإدارية.

وكانت ندوة «اللغة العربية وهمزة الوصل المفقودة بين الأحزاب القومية والاسلامية»، قد أوصت بإعادة الاعتبار للغة العربية في الجامعات والمدارس. وقال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور همام سعيد، إن الرد المناسب على من يقول إن العربية تأخرت في حمل العلوم أن «السبب ليس في اللغة بل في اهلها، وأن الذين لا يتطورون لا يستطيعون استخدام لغتهم إلا إذا واكبوا التطور.. فلا زلنا مجرد ناقلين للعلوم التي ابدع فيها العرب». ومطلوب قناعة الرسميين العميقة بأهمية اللغة لمجتمعنا وما تؤديه من دور إيجابي وعليه يجب البحث عن وسائل لتوسيع قاعدتها في حياتنا.

وإذا أردنا أن نطورها فلابد أن يكون لها دور على المستوى العلمي، لأنها الأقدر على حمل الأفكار التجريدية والإنسانية، فهي لغة الابتكار والاختراع والإنتاج. والعرب هم أصحاب أعظم حضارة عرفها التاريخ الإنساني، لأنها تعبر عن الفكر، فكانت اللغة الإلهية التي اختارها المولى عز وجل لحمل رسالة الإسلام.

والعربية الفصحى تعتبر من أكبر عوامل الوحدة ولولاها لأصبحت أمتنا أمماً عدة وشعوباً مختلفة لصعوبة فهم اللهجات المحلية المحكية في كثير من البلدان، وهي التي تنقلنا إلى آفاق عالمية، لذا لابد من الاهتمام بها وتدريسها لأبنائنا دون أن تزاحمها أخرى وبالأخص في مراحل الدراسة الأولى. والعربية تواجه الآن هجمة شرسة من اللغات الأجنبية التي يشترط تعلمها لنيل الدرجات العليا أو الحصول على وظيفة، وفي بلادنا يجب ان تكون الأولوية في التوظيف لمتقني العربية وليس غيرها.

وقال أمين عام حزب البعث العربي التقدمي، فؤاد دبور، إن الحملة على العربية الفصحى تشتد لصالح العامية أو المحكية المحلية في الأقطار بدلاً منها. وهذا الاستهداف تشارك فيه قطاعات واسعة من الناطقين بها، والحملة تتجسد في المدارس والجامعات والمؤسسات غير الحكومية بشكل خاص باعتمادها اللغات الأجنبية في التعليم على حساب العربية.

 

 

مصر.. طلبة الجامعات يستخدمون هجيناً من إفرازات عصرهم

 

 

مصر التي تحتضن الأزهر الشريف ومجمع اللغة العربية، ومقر جامعة الدول العربية وبمفكريها وكتابها مناط بها أن تكون الدولة الحارسة للغتنا والحريصة على سلامتها، والحافظة لقواعدها، والمبادرة لطرح كل ما من شأنه أن يجعلها الأولى في العلم والتعامل. لذا أدرك مرشحو الرئاسة كافة على وضع التعليم في مقدمة أولوياتهم، والعربية لغة رسمية يجب تنميتها.

كما تتنافس القوى السياسية والأحزاب الجديدة أيضاً على ذلك. وأبرز الأطروحات كان المقترح الذي قدّمه الدكتور شعبان عبد العليم، رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب، بضرورة تعديل قوانين التعليم في مصر، بحيث يضع اللغة العربية على رأس أولوياته. ومن المبادرات الشعبية الهادفة إلى تعزيز وضع اللغة العربية في مصر؛ مبادرة تبناها مجموعة من الشباب، وتهدف إلى كتابة التعليقات على الملابس باللغة العربية، بدلاً من الإنجليزية، في محاولة لدعم اللغة وتعزيز وضعها والتفاخر بها.

وقال رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور حسن الشافعي، المجمع وإن كان لديه بعض القوة القانونية، للحد من محاولات طمس هويتنا ولغتنا، إلا أنه لا يريد أن يمسك سيف القانون، بل اللجوء إلى الترغيب مهم وذلك بتخصيص جائزة لأحسن صحافية ولأحسن صحافي ولأحسن صحيفة تلتزم باللغة، ليست الفصحى إنما الفصيحة السليمة، بالإضافة إلى جهود أخرى تتعلق بعقد الصلة بين المجمع والمجتمع الثقافي ومع الرأي العام والإعلام بوجه عام.

وذلك بعد أن أصبح جزءاً من المنظومة الثقافية، ويسهم بشكل أو بآخر في القضايا الثقافية واللغوية والحضارية. وأوضح أنه ليس ضد تعلم وإتقان الطلبة العرب للغات الأجنبية الأخرى، خاصة والعلم المعاصر انتقل إلى اللغات الأجنبية، لكنه ضد شغل الطالب منذ نعومة أظفاره بلغات أجنبية على حساب اللغة الأم؛ والحاجة تقتضي التوسع في تعريب العلم، وايجاد مجلات عربية علمية تنشر علماً ينطق بالعربية، كما طالب بحماية الخط العربي.

ومن الحلول الأخرى التي يطرحها، أن تقوم المجامع اللُغوية العلمية العربية بوضع العديد من الخطط والبرامج، عن طريق التعاون مع النقابات وجمعيات المجتمع المدني اللغوية؛ لتدريب الصحافيين والمذيعين والمصححين والمدققين اللغويين وتشجيعهم بشتى الحوافز على الاستمرار في التدريب المستمر. إلى جانب قيام المجامع العربية المختلفة بالعمل على وضع تخطيط لسياسة لُغوية عربية تقدَّم إلى اتحاد المجامع العربية، وتكون معنيةً بالشباب خاصة، وبوسائل الاتصال الجديدة. وأبدى ثقته وتفاؤله بمستقبل اللغة العربية.

في ضوء ما يشهده الحاضر من إقبال واسع على تعلمها لدى الشعوب العربية والإسلامية والأجنبية، وقيام عدد كبير ومتزايد من جامعات العالم بتدريس اللغة والثقافة العربية ضمن مقرراتها الرئيسية، فضلاً على ازدهار حركة الترجمة من اللغة العربية وإليها. وأشارت دراسة أجرتها شركة أميركية متخصصة في التعليم الدولي إلى ان اللغة العربية أصبحت هدفاً لطلاب الولايات المتحدة عقب ثورات الربيع العربي، إذ تولدت رغبة كبيرة لديهم في تعلمها.

أما أمين عام مجمع اللغة العربية الشاعر فاروق شوشة، أشار إلى أن التلوث اللغوي بات يملأ الشوارع المصرية وبعض العواصم العربية دون أن يلتفت إليه أحد وخاصة في المجال الإعلامي، فللأسف لدينا الآن قنوات فضائية باللغة العامية بالكامل، وهذا مخالف للدستور وللقانون وللأعراف وللمهنة؛ لأن اللغة العامية كسيحة ومحدودة ولا تعبّر تعبيراً جيداً عن وقائع الحال.

وطالب بتوجيه المزيد من العناية إلى وسائل الاتصال المختلفة، تلك التي نشأت في سياق ثورة التقنية الحديثة. ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمكتوبة مطالبة أيضاً بتبني العربية الصحيحة والميسرة كلغة لها وتوجيه الجهود إلى نشرها وتعميقها وإغراق الساحة اللغوية في العالم بها تربوياً وإعلامياً واجتماعياً وإبداعياً ودينياً.

الترغيب مهم

وعلى الرغم من اعترافه بأهمية مثل هذه المبادرات، إلا أن أستاذ التاريخ الدكتور محمود متولي، يرى أن وسائل الإعلام الغربية هي أخطر ما يهدّد لغتنا في الوقت الراهن، حيث تسهم في زعزعتها عند الطلبة العرب، وتدميرها من خلال مجموعة من الألفاظ والتعبيرات الخارجة عن نطاق العربية، ما أدى إلى انتشار لغات شبابية موازية في الشارع المصري، تحمل ألفاظًا غريبة جداً.

وشدّد على أهمية تعديل منظومة التعليم في مصر بما يجعل اللغة العربية مستهدفاً رئيسياً للطلبة، وبما يعزز انتماءهم الفكري والثقافي، من خلال تدريس جملة من الروايات والأعمال الأدبية القوية التي تسهم بشكل مباشر في تنمية قدرتهم على استخدامها.

وكيل كلية الإعلام في جامعة القاهرة، الدكتورة نجوى كامل أكدت تأثيرات الإعلام في اللغة، قائلة: إن ما تقدمه تلك الوسائل قد يكون له تأثيرات سلبية وخيمة في الأداء اللغوي نفسه للجمهور، إلا أنها تقوم بمخاطبة الفئات كافة، ومن ثم لابد أن تكون رسائلها المقدمة للبسطاء والمهمشين بسيطة مثلهم؛ كي يستطيعوا فهمها بشكل سهل.