فيما تواصل تركيا إصرارها على إنشاء ما تسميها «المنطقة الآمنة» في سوريا، تستعد موسكو، في المقابل، لمواجهة التداعيات الخطيرة التي ستنجم عن هذا القرار، الذي يتعارض مع مواقفها بخصوص وحدة الأراضي السورية، وعلى أن أي حل أو تحرك عسكري، لا يجب أن يمر إلا عبر بوابة التفاهم والتنسيق مع الحكومة المركزية في دمشق.

الموقف الرسمي الروسي جاء واضحاً على لسان الناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا، التي شددت على أن «سوريا دولة ذات سيادة تملك الحق الكامل بتحديد ما يجري على أراضيها، وأن موسكو لا تقبل أية محاولة للاستيلاء على أراضي هذا البلد تحت أية ذريعة». وهذه رسالة واضحة وموجهة لأنقرة، التي تقول إن «المنطقة الآمنة» يجب أن تكون تحت إدارتها، وإلى واشنطن كذلك، التي تريد بالتوازي إقامة منطقة عازلة بدعم من حلفائها في التحالف الدولي، وبتنسيق مع تركيا.

مراقبون يعتبرون أن اللهجة التي حملها تصريح الخارجية الروسية يعكس أن موسكو قد ضاقت ذرعاً بمسلسل المراوغة التركي الذي لا ينتهي، والذي لم يكن آخر فصوله تنكر الرئيس رجب أردوغان لمخرجات وتفاهمات جولات سوتشي، وأستانا تحديداً، والتي لم تمر أيام على نهاية جولتها الأخيرة، حتى أعلنت الجماعات المدعومة تركياً أنها غير ملزمة بالهدنة التي تم التوصل إليها، وجرى استهداف قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية بطائرات مسيرة وقذائف من قبل العصابات المسلحة ذاتها.

ويبدو أن مروحة التطورات الأخيرة، وحسم تركيا لموضوع «المنطقة الآمنة»، تأتي في سياق محاولاتها إعادة خلط الأوراق، ما يمكن أن يؤدي إلى انهيار كل التفاهمات السابقة في سوتشي وأستانا، كما يؤكد الباحث في قضايا الشرق الأوسط سيرغي بيرسانوف.

الخبير الروسي قال لـ«البيان» إنه «لا يمكن الحديث عن أي تقدم في العملية السياسية في سوريا، مع تواصل التعطيل التركي عبر مواصلة دعم الجماعات الإرهابية، وإثارة ملف إشكالي كالمنطقة الآمنة، وهو ما ترفضه موسكو بحزم».

وهنا يلفت بيرسانوف إلى تأمين روسيا الغطاء الجوي لعمليات الجيش السوري في جنوب إدلب، التي استأنفت بوتيرة لافتة، ما يشير إلى أنه أحد أشكال الرد غير المباشر على النوايا التركية في الاعتداء على وحدة الأراضي السورية، عبر «المنطقة الآمنة».

ويوضح في هذا السياق، أن تمكن القوات السورية من حصار الفصائل المدعومة من تركيا بريف حماة الشمالي وتطويقها من كل الجهات، سيدفعها إلى أحد الخيارين: فإما القتال حتى الموت أو الانسحاب باتجاه إدلب، ما يشكل ضربة لأذرع أنقرة في سوريا.

«القضم التدريجي»

وحول موقف موسكو من معركة خان شيخون التي تتأهب لها القوات السورية، وتأثير ذلك على مشروع «المنطقة الآمنة»، أوضح الخبير الروسي أنها تأتي في سياق تكتيكات «القضم التدريجي»، تمهيداً لعزل المناطق الجنوبية للمنطقة الاستراتيجية، وقطع شريان الإمدادات عن المجاميع الإرهابية، قبل إحكام السيطرة بشكل كامل على ما تبقى من عناصر هيئة تحرير الشام وجيش العزة الموجودة هناك.

وتابع أنه «في حال تمكن الجيش السوري من قطع خطوط الإمداد ما بين الجنود الأتراك، ومركز المراقبة التابع لهم في شمال مدينة حماة، فإن ذلك سيخلق وقائع جديدة على الأرض، ستدفع تركيا لإجلاء جنودها عبر الجو من الأراضي السورية، والطلب من موسكو المساعدة في تأمين طرق آمنة لمرور القوات التركية»، وهو ما لن يتم - برأي بيرسانوف - دون صفقة، تديرها موسكو وتكون في مصلحة حليفها السوري.

وختم أن مصير «المنطقة الآمنة» سيتحدد بناءً على التطورات الميدانية، حيث ستشكل ورقة الضغط العسكري القاضية على أحلام أردوغان، المعرقل الرئيسي لتسوية الأزمة السورية، لأنه - حسب برسانوف - يضع طموحاته وأطماعه التوسعية في هذا البلد العربي فوق كل اعتبار.