أعلنت السلطات التونسية أمس حزمة إجراءات لمواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه غداة الهجوم الدامي في سوسة الذي طال سياحاً وأودى بـ38 شخصاً، معظمهم أجانب، وتبناه تنظيم داعش، في وقتٍ يلتئم مجلس الأمن القومي التونسي اليوم الأحد لبحث التطورات بُعيد لقاء الحكومة بالأحزاب السياسية لتدارس الأوضاع.

وقال رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد في تصريحات صحافية أمس، إن »مواجهة الإرهاب مسؤولية وطنية«، ودعا التونسيين إلى »التنسيق مع الحكومة ومساعدتها«. وشدد على أنه »سيتم اتخاذ إجراءات قانونية ضد الأحزاب والجمعيات التي تخالف الدستور قد تصل إلى الحل«، قائلاً: »كل حزب أو جمعية تكون غير محترمة للمبادئ الأساسية للدستور التونسي الجديد سيقع التنبيه عليها وإذا لزم الأمر حلها«.

وأردف الصيد أنه »ستتم إعادة النظر في المرسوم المنظم للجمعيات، خصوصاً فيما يتعلق بالتمويل وإخضاعه للرقابة القانونية للدولة، فتمويل الإرهاب يأتي أحياناً من جمعيات تساند الإرهاب«. وأوضح أنه »تمت دعوة جيش الاحتياط لتعزيز التواجد العسكري والأمني في المناطق الحساسة، والمواقع التي فيها خطر إرهابي وتكثيف الحملات والمداهمات لتتبع العناصر المشبوهة والخلايا النائمة وتخصيص مكافآت للذين يقدمون معلومات عن تحركات الإرهابيين ومخططاتهم«.

وأعلن رئيس الحكومة التونسية »وضع مخطط استثنائي لمزيد من تأمين المواقع السياحية والأثرية بنشر وحدات مسلحة من الأمن السياحي على كامل السواحل وكذلك داخل الفنادق بداية من مطلع يوليو المقبل«.

كما قررت الحكومة التونسية فتح تحقيق بشأن ملابسات هجوم سوسة والكشف عن نقاط الخلل الأمني، وأعلنت عدد من المرتفعات الجبلية الغربية وهي جبال سمامة ومغيلة وللا عيشة وبرينو و توشت وورغة مناطق عسكرية مغلقة لاجتثاث الجماعات المسلحة منها، فيما قررت إغلاق 80 مسجداً خارج سيطرة السلطات خلال أسبوع، على خلفية مساهمة القائمين على هذه المساجد بالتحريض على العنف.

حصيلة وجنسيات

وأعطت الحكومة حصيلة جديدة للضحايا وهي 38 قتيلاً، مشيرة إلى أن »أكثرهم بريطانيون، وبعضهم ألمان وبلجيكيون وفرنسيون«، ولافتة إلى أن آثار الاعتداء الإرهابي في سوسة »ستكون ثقيلة علي الاقتصاد التونسي بصفة عامة وعلى القطاع السياحي«. وبالتوازي، أعلنت وزارة الصحة التونسية تحديد هوية عشرة من بين الضحايا الـ 38 للهجوم الدموي، حيث قال مدير مصلحة الطب الاستعجالي في وزارة الصحة نوفل السمراني: »تم تحديد هوية 10 جثث من أصل 38 هم ثمانية بريطانيين وبلجيكية وألماني«.

اجتماع ومؤتمر

وينعقد اليوم الأحد مجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس الباجي قايد السبسي وبحضور رئيسي الحكومة والبرلمان ووزراء الدفاع والداخلية والعدل والخارجية وقيادات الجيش والأمن والاستخبارات. وأجرت رئاسة الحكومة التونسية لقاءات أمس مع قيادات 21 حزباً سياسياً للتشاور بشأن مستجدات الوضع، في حين دعت الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني إلى عقد مؤتمر وطني بشأن الإرهاب خلال شهر سبتمبر المقبل.

إجلاء الآلاف

ونقل مئات السياح الأجانب بحافلات إلى مطار النفيضة الواقع في منتصف الطريق بين سوسة والعاصمة لإجلائهم، كما أعلن عن قيام 13 رحلة. أما شركة السياحة »تومسون«، فأعلنت إرسال عشر طائرات إلى تونس لإعادة نحو 2500 سائح بريطاني، وإلغاء جميع الرحلات في الأسبوع المقبل.

»داعش« يتبنى

وتبنى تنظيم داعش الإرهابي الاعتداء الدموي الذي نفذه شاب تونسي مسلح برشاش كلاشنيكوف كان يخفيه تحت مظلة أطلق عليه لقب »أبو يحيى القيرواني«، واسمه الحقيقي سيف الدين الرزقي (24 عاماً). ونشر التنظيم صورة للإرهابي منفذ العملية وهو يتوسط قطعتي سلاح.

 

استنفار جزائري على الحدود

سادت حالة من الاستنفار، الحدود الجزائرية التونسية، مباشرة بعد الهجوم في سوسة، حيث عزّزت الجزائر مواردها وقدراتها على الحدود، بسبب الاضطرابات في تونس.

وطبقاً لإفادات لـ »البيان«، فإنّ سكان الشريط الحدودي على حدود تونس »لاحظوا تنقّل وحدات عسكرية مجهزة بالمدفعية، وتحليق طلائع حربية على طول ولايات الطارف وسوق أهراس وتبسة المحاذية لتونس، ما أثرّ نسبياً في حركة التنقل عبر المعابر«.

وربط متابعون هذه الإجراءات الأمنية الاستثنائية، بما حدث في سوسة، وتنامي المخاوف الجزائرية من محاولات توغل مجموعات مسلحة عبر الجزء الجنوبي من الحدود، وتحديداً سلسلة جبال الشعانبي.

ورفع الأمن الجزائري درجة التأهب الأمني، عقب استخلاص معلومات من إرهابي موقوف بشأن تحركات إجرامية لتفخيخ الشريط الحدودي للجزائر وتونس. وتضمنت الاعترافات، أنّ ما يسمى »كتيبة عقبة بن نافع«، وهي الفصيل الذي واظب على تهريب السلاح عبر محور الجزائر وتونس وليبيا، تعتزم شن هجمات على مواقع استراتيجية ومقرات حساسة، ما فرض خطوات استباقية لإجهاض أي محاولات تسلسل جماعات إرهابية أخرى على طول الحزام الغابي الحدودي بين الجزائر وتونس.

وكشف تقرير استخباراتي، عن »مساع يقوم بها إرهابيون لشن هجمات على الشريط البحري الحدودي بعد التضييق عليهم في الشريط البري الغابي الذين يحد البلدين«، وأفيد أنّ السلطات الجزائرية أبلغت نظيرتها التونسية، بضرورة »تشديد الرقابة على الحدود البحرية لمحاصرة أي محاولة تسلل أو هجوم إرهابي«، بينما عزّزت القوات البحرية الجزائرية في الآونة الأخيرة من إجراءات حماية الساحل، لا سيما أن ذلك تزامن مع موسم الاصطياف.

وقدّمت الحكومة الجزائرية لنظيرتها التونسية، مؤخراً، مساعدة فورية وعاجلة لتمشيط المحيط الجبلي الحدودي، الذي تتمركز به مجموعة إرهابية في الشعانبي، في إطار التنسيق الأمني والتبادل الاستخباراتي للمعلومات، بشأن تحركات المجموعات الإرهابية التي تتخذ من الحزام الحدودي حصناً لنشاطها.

 

موقفان

دعا حزب نداء تونس إلى تأسيس أطر شعبية لمكافحة الإرهاب، وتطبيق القانون على من يخالف الإجماع الوطني في الحرب ضد الإرهاب، فيما اعتبر ائتلاف الجبهة الشعبية اليساري أن التقصير الأمني كان صارخاً، محملاً الائتلاف الحاكم مسؤوليته.