لم يكن إعلان رئيس حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس راشد الغنوشي الأحد الماضي موافقته على تشكيل حكومة انتخابات من كفاءات وطنية مستقلة غير متحزبة ولا تترشح للموعد الانتخابي المقبل إلا لعبة جديدة لترسيخ الحكم، بحسب مراقبين، وهو ما زاد من تعميق الهوّة بين «النهضة» والمعارضة المنضوية تحت إطار جبهة الإنقاذ الوطني والتي تصرّ على حل الحكومة الحالية والمجلس التأسيسي وتشكيل حكومة كفاءات ولجنة خبراء تشرف على الانتهاء من وضع الدستور، في حين تتضمن مبادرة الاتحاد العام للشغل دعوة إلى حل الحكومة الحالية وتعويضها بحكومة كفاءات مستقلة وبالإبقاء على المجلس التأسيسي لمدة محددة ينتهي خلالها من وضع الدستور والقانون الانتخابي والهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وحكومة الانتخابات التي اقترحها الغنوشي جاءت ضمن مبادرة أطلقها الاتحاد الوطني للفلاحين الخاضع لهيمنة حركة النهضة، وأعلن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الموافقة عليها، وهي مبادرة مرفوضة من قبل المعارضة والاتحاد العام للشغل، نظرا لأنها تتعارض نهائيا مع مطالب جبهة الإنقاذ.

بدون صلاحيات

وبحسب مصادر تحدثت لـ«البيان»، فإن «الهدف من حكومة انتخابات هو تشكيل حكومة بدون صلاحيات تمارس وظيفة شكلية لمدة شهر قبل الموعد الانتخابي، ولا يحق لها إجراء تعديلات في مستوى القيادات الأمنية والسياسية أو تعيينات في مستوى الإدارات المركزية والوظائف السامية والحكم المحلي والسلك الديبلوماسي، ولا إصدار مراسيم ولا أوامر ولا قوانين، وهي في كل الحالات ستكون تحت سيطرة حركة النهضة وخاضعة لاختياراتها من خلال ما بلغه مشروع الأخونة» والتمكين، وبالتالي، لن تضمن إجراء انتخابات نزيهة وديمقراطية، كما لن تفلح في الخروج من بوتقة الحكم الحالي».

«جبهة الإنقاذ»

ويرى المراقبون أن الهدف من تشكيل حكومة انتخابات الإطاحة بمطالب «جبهة الإنقاذ» التي ترى فيها حركة النهضة مشروعا لإقصائها من الحكم، وإغلاق الطريق أمام الاستفادة مما سعت خلال حوالي العامين لتكريسه في صلب مؤسسات الدولة من حضور لضمان البقاء في الحكم لعقود متتالية، حيث أن الحركة التي تقود الائتلاف الحاكم حاليا اتخذت نفس الأساليب التي كان يعتمد عليها الحزب الحاكم في مرحلة ما قبل 14 يناير 2011، من التغلغل في مؤسسات الدولة واستقطاب أنصارها والمحسوبين عليها لشغل الوظائف المهمة والمؤثرة، إلى العمل على تشكيل مراكز للتحكم والقيادة الحزبية داخل الوزارات والمؤسسات الكبرى، فضلاً عن الاعتماد على نفس المخطط الذي اعتمدته جماعات الإخوان في مصر.

حزب عقائدي

غير أن أخطر ما في المقارنة أن حركة النهضة تعتبر حزبا عقائديا غير قابل لفكرة التراجع أو التخلي أو الاعتراف بالفشل عكس حزب الحكم سابقا الذي كان حزبا ليبيراليا سرعان ما انحل بعد سقوط النظام، مثله مثل الحزب الوطني المصري الذي كان يتزعمه الرئيس الأسبق حسني مبارك، في أن حركة النهضة لا تختلف في التنظيم والعقيدة والمشروع على حزب الحرية والعدالة الذي لا يزال يقود مواجهة ضد الشعب المصري بعد الإطاحة به من الحكم.

حل الحكومة

وقوبلت فكرة «حكومة انتخابات» برفض المعارضة، وخاصة جبهة الإنقاذ، وبرفض الاتحاد العام التونسي للشغل، حيث أصبح الطلب الملح حاليا هو حل الحكومة الحالية وتكليفها بتصريف الأعمال في انتظار تشكيل حكومة إنقاذ وطني، غير أن رئيس الحكومة التونسية علي العريّض أعلن رفضه الاستقالة. كما أكدت القيادات الراديكالية في حركة النهضة مثل عبد اللطيف المكي ومحمد بن سالم والحبيب اللوز أن لا مجال لحل الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة، فالمسألة بالنسبة اليهم دخلت في إطار التحدي المعلن والمواجهة المفتوحة. الانقلاب الحقيقي

يرى القيادي في حركة نداء تونس الأزهر العكرمي أن الانقلاب الحقيقي قادته حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم في البلاد عندما انقلبت على مدة ووظيفة المجلس التأسيسي وتحويله من مهمة تأسيسية إلى مهمة برلمانية ،

وتحويل المدة الانتقالية الى مدة حكم راسخ وتمكين فالشعب التونسي عندما ذهب الى الانتخابات في 23 أكتوبر 2011 كان ينوي انتخاب من سيضع الدستور وليس من سيحكم تونس ويطوّعها لمشروعه الفكري والأيديولوجي. البيان