كثر الحديث عن «نزاهة القضاء العراقي». وفي كل مناسبة سلبية أو أزمة، تنبري الأصوات المستحوذة على الساحة السياسية، لاعتبار النيل من القضاء العراقي، أو انتقاده «خطاً أحمر»، حتى صار الحديث «على المكشوف» بأن القضاء «سينقض» هذا القرار أو القانون أو ذاك الذي يشرعه مجلس النواب، لأنه لا يتماشى مع رغبة الائتلاف الحاكم.

كانت أصابع الاتهام تشير إلى جهات معينة مسيطرة، تلعب بورقة «الملفات». وكل من يعترض على أمر ما، فإن هناك ملفات ستخرج أو تفبرك، لإدانته وإقصائه وحتى محاكمته. وهذا ما ينطبق، في رأي الكثير من السياسيين والمراقبين، على رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية مدحت المحمود وعلى الكثير من القضاة والقادة الأمنيين، الذين تم استثناؤهم من الاجتثاث أو من محاسبتهم في قضايا النزاهة وغيرها. والملفات التي تدين المحمود وغيره كثيرة، ومنها ما يدخل في باب «جرائم ضد الإنسانية»، إلا أنه بقي من دون محاسبة، لكي يمرر ما تريده السلطات المتنفذة.. وإلا فإن «الملفات جاهزة». وتؤشر كل تلك التطورات إلى أن العراق بصدد مزيد من التدهور في أزمته السياسية.

قرار «الإنتربول»

وكانت الشرارة التي أشعلت الفتيل، قرار الشرطة الدولية «الإنتربول» بعدم التعامل مع المذكرات التي يصدرها القضاء العراقي، باعتبارها «مسيّسة» أو تأتي من منطلقات شخصية. وجاءت الوثائق التي تم إبرازها في الإعلام العراقي، والتي تشير إلى أن رئيس الحكومة نوري المالكي كان على علم بكل الملفات التي تخص رئيس القضاء منذ العام 2005، لتؤكد أن القضاء مجرد أداة سياسية لتنفيذ سياسات مطلوبة. ومن أبرز تلك السياسات، حجب أحقية تشكيل الحكومة من قبل الكتلة الفائزة بالأغلبية، ومنحها لتكتل صوري تشكل بعد الانتخابات.

ملفات مخبأة

وعندما صوّت البرلمان على قانون مجلس القضاء الأعلى الجديد، وعلى تحديد ولايات الرئاسات الثلاث، بدورتين فقط، بدون رغبة ائتلاف دولة القانون، صدرت من الائتلاف ومن المالكي شخصياً، تأكيدات بأن «القضاء سينقض القانونين»، لأن رئيس المحكمة الاتحادية ورئيس القضاء تابع للمالكي، وإذا خالف، فإن «الملفات» تنتظره ويتم الكشف عنها، وفي مقدمتها المصادقة على أحكام الإعدام السياسية في عهد النظام السابق، والفتوى من قبله، ومن قبل المستشار طارق حرب، بقطع صوان الإذن بحق كل من يهرب أو يتخلف عن الخدمة العسكرية، وكذلك تملك المحمود قطعة أرض عائدة إلى زوج حلا ابنة صدام حسين. وبحسب محللين سياسيين، فإن تهمة «التستر» يمكن توجيهها إلى رئيس الوزراء العراقي بشأن قضية المحمود، وعشرات، وربما مئات القضايا، ذات «الملفات» المخبأة.

سيرة

 

يبدو أن سيرة مدحت المحمود تنحصر بين إرادتين تحكمتا بشؤون العراق منذ 1968 وإلى يومنا هذا، ألا وهما إرادتا الرئيس المخلوع صدام حسين ورئيس الوزراء الحالي نوري المالكي. ولا يختلف المحمود عن العديد من رموز السياسة والإدارة في الدولة العراقية الحالية الذين كان أغلبهم أدوات بيد النظام السابق والحالي. وتبدأ سيرة المحمود منذ تخرجه من كلية الحقوق العام 1958 وهي سنة الإطاحة بالحكم الملكي، وتعيينه قاضياً في 1968 وهي سنة انقلاب حزب البعث وسيطرته على العراق طيلة أربعة عقود.