تعيش تونس هذه الأيام على صفيح ساخن شأنها شأن دول الربيع العربي التي تحاول لملمة جراحها وتصحيح أخطاء ترسّخت جذورها في ظلّ أنظمة سابقة عمدت إلى تغليب مصالحها على مصلحة البلاد، ما أثر بشكل واضح في عمليات التحول الديمقراطي في هذه الدول، حيث لم تستطع حتى الآن التحرُّر بشكل كامل من قيود الماضي وإرثه الكبير. وانسحب نواب المعارضة من الجلسة العلنية للمجلس الوطني التأسيسي احتجاجا على غياب رئيس الحكومة حمادي الجبالي عنها و كان من المنتظر أن تخصص لمساءلة الحكومة حول الغليان في ولاية سليانة وسط تحذير من «صوملة» الأوضاع في تونس وثورة ثانية في البلاد.
وحذر رئيس كتلة حركة النهضة الإسلامية الحاكمة بالمجلس الوطني التأسيسي الصحبي عتيق من «صوملة» الأوضاع في تونس، قائلا إن «الوضع خطير، وأمامنا حلان لا ثالث لهما: إمّا أن نحافظ على الدولة، أو نجعل من تونس صومالا أخرى». ووجّه قياديون من حركة النهضة اتهامات مباشرة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل والجبهة الشعبية، تحالف القوى اليسارية والقومية بالتحريض على إطلاق ثورة ثانية والتورّط في أحداث العنف التي شهدتها ولاية سليانة وتسبّبت في حرق عشرات المؤسسات الحكومية، إضافة إلى نحو 300 إصابة في صفوف المحتجين.
انسحاب المعارضة
وفي إشارة إلى عمق الأزمة التي تعيشها تونس، انسحب نواب المعارضة أول من أمس من الجلسة العلنية للمجلس الوطني التأسيسي احتجاجا على غياب الجبالي عن الجلسة التي كان من المنتظر أن تكون مخصصة لمساءلة الحكومة حول الأوضاع الراهنة في ولاية سليانة. وقال رئيس الهيئة التأسيسية للحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي إن المعارضة اختارت الانسحاب بسبب «استهانة الحكومة بمطالب نواب الشعب ورفضها النظر بجديّة للوضع المتأزم».
في المقابل، قال رئيس الحكومة إن هناك من يسعى إلى إسقاط حكومته، مضيفا أن أحزابا تنتمي إلى تحالف الجبهة الشعبية «تقود العنف الثوري». وأردف أن «زمن شعارات (ارحل) انتهى إلى غير رجعة، والحكومة لن تخضع لهذا الشعار، ولن تعزل والي سليانة الذي يطالب المحتجون برحيله»، مشيرا إلى أن «من ينجح اليوم في عزل والي سليانة، سيعمل غداً على عزل ولاة آخرين ثم على عزل الحكومة، ولن يتحقق ذلك إلّا عبر صناديق الاقتراع».
اتهامات لجهات
وكشف الجبالي أن «أطرافا تتخفّى وراء الاتحاد العام التونسي للشغل تعمل على إسقاط الحكومة»، في إشارة إلى الأحزاب اليسارية الراديكالية التي تجد تعاطفا كبيرا من نقابات العمال.
وكان وزير الداخلية علي العريض اتهم زعيم حركة الوطنيين الديمقراطيين، ذات المرجعية اليسارية الراديكالية، شكري بلعيد بالوقوف وراء الاحتجاجات وأعمال العنف التي شهدتها ولاية سليانة، فيما قال القيادي في حركة النهضة الحبيب اللوز إن بلعيد كان يتعامل مع الأمن في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ويقبض أموالا من وزارة الداخلية من أجل ذلك، ما دفع زعيم حزب العمال، الحليف لحركة الوطنيين الديمقراطيين، حمّة الهمامي إلى مطالبة القيادي في «النهضة» بفتح أرشيف الأمن وكشف كل الحقائق.
عجز الحكومة
وكذّب الهمامي تصريحات المسؤولين في الحكومة حول حرق عدد من المؤسسات العمومية بولاية سليانة، مؤكدا ان الاتحاد العام التونسي للشغل هو من دعا إلى الإضراب.
وقال في تصريحات صحافية إن «استمرار العنف في سليانة وقبلها في عدد من الولايات الداخلية يمثّل علامة أزمة الوضع السياسي الراهنة لأن الحكومة عاجزة عن حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يدعو إليها أهالي المناطق الداخلية»، مبينا أن «هناك مساعي لوضع اليد على مفاصل الدولة، بحسب اعترافات عدد من قياديي حزبي التكتل والمؤتمر من اجل الجمهورية الذين ينتميان إلى الائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة».
وجددت الجبهة الشعبية في بيان رفضها الشديد للاتهامات التي وجهها إليها رئيس الحكومة بالتورط في أحداث سليانة، وأعربت عن «يقينها من أن الاتهامات لن تنطلي على الرأي العام الذي سئم من التجاء الحكومة إلى إلقاء أخطائها وفشلها على شماعة هذا الطرف أو ذاك في كل مرة تتحرّك فيها الجماهير للدفاع عن حقوقها المشروعة». وأردف البيان: «لن تنجح الحكومة في التغطية على مسؤوليتها فيما آلت إليه الأوضاع نتيجة اختيارها اللجوء للقمع الوحشي في مواجهة التحركات الاجتماعية عوض الاستجابة لمطالبها المشروعة»، على حد تعبير البيان. وأضافت الجبهة أنها «تعتبر مثل هذه التصريحات هي التي أدت إلى تفاقم الاحتقان في سليانة لما فيها من تهرّب سافر من المسؤولية واستخفاف بمعاناة أهالي سليانة».
