وصف نائب رئيس الوزراء المصري الأسبق يحيى الجمل الأوضاع السياسية في بلاده بأنها «ارتجالية»، متوقعاً، في حوار مع «البيان» فتح فيه ملفات شائكة، ألا يبقى مسؤول في منصبه حتى نهاية مدته القانونية، في حين انتقد علاقة الرئيس محمد مرسي بجماعة الإخوان المسلمين، مؤكداً أن المجلس العسكري لم يشهد أي انقسام بين أعضائه خلال المرحلة الانتقالية، حيث انتقد الدعوات المطالبة بمحاكمة أعضاء المجلس عن الفترة الانتقالية، في وقت شدد على تحميل كافة الأطراف السياسية مسؤولة الاوضاع السياسية المتأزمة في مصر. وتالياً نص الحوار:
من المسؤول عن مآل الأوضاع إلى ما وصلت عليه في مصر؟
المسؤولية لا يتحملها فصيل واحد. فكل الأطياف مسؤولة عن الصراعات والاضطرابات والانقسامات، سواء المجلس العسكري أو جماعة الإخوان المسلمين أو ما يسمى بالقوى الثورية وشباب 25 يناير، الذين اتسم أداؤهم بالفرقة أكثر من التوحد حول أهداف محددة والتصدي بكل قوة لمحاولات القضاء على مدنية الدولة وظهور نوع جديد من عصر الاستبداد لكن بصورة مختلفة وفي ثوب جديد وهو ثوب ديكتاتورية التيار الديني.
هل تعتقد أنه بإمكان الرئيس محمد مرسي تعديل المسار الخاطئ بعد فترة وجيزة؟
لا أستطيع التنبؤ بأن الرئيس قادر على تصحيح المسار على نحو صحيح، فكل المؤشرات تنبه بضبابية الرؤيا بشأن طرق تعامله المختلفة مع العديد من الملفات التي لم تظهر على السطح بعد. دعونا ننتظر ما هو قادم لنقف بشكل محايد عند تقييم مثل هذه الأمور.
هل تتوقع أن تشهد مصر حالة من الاستقرار حتى نهاية فترة الرئاسة؟
لا أظن أن أحدًا سيستمر في منصبه حتى نهاية المدة التي يكفلها له القانون، خاصة في الفترة الحرجة المقبلة التي تتسم بالتوتر والارتباك وعدم الاستقرار، ولا سيما أننا نشهد ارتجالية واضحة في إدارة المشهد، وفي ظل غياب الرؤى والتخطيط الملائم لطبيعة المرحلة يكون حجم الضبابية المعتمة التي تقودنا إلى طريق مجهول الهوية.
كيف ترى علاقة مرسي بـ«الإخوان» الآن؟
الرئيس شخص بسيط لديه الكثير من الصدق، لكنه بالقطع سيظل أسيرًا للجماعة التي تربى في أحضانها منذ مهده، وإن أراد أن يستقل عنها مهما كانت قناعاته وإيمانه بالاستقلال عن الجماعة ليكون رئيسًا لكل المصريين، فلن يستطيع.
«الإخوان» و«العسكري»
ما هو تقييمك لأداء الإخوان السياسي؟
لدى الإخوان فلسفة قاتلة ربما اكتسبوها في فترة ما بعد الثورة، خاصة أنهم اعتبروا أنفسهم وكأنهم الشعب وهم من يمثلونه ويتحدثون باسمه. فعندما ينظمون مليونية للدعم أو التأييد يقولون إن هذه إرادة الشعب ويتناسون أنهم جزء وليس كل الشعب، وإن أرادوا دعم المصريين لهم فعليهم جيدًا أن يتنبهوا لذلك، وإلا فالسقوط سيكون أقرب إليهم مما يتصورون. ولو أعيدت الانتخابات لن تأتي الصناديق مرة أخرى بالرئيس مرسي؛ لأن الناس تبينوا حقائق الأمور بأن الأداء لم يكن على المستوى المطلوب والمنتظر أن يكون.
تقييمك لأداء المجلس العسكري؟
الخطأ الفادح الذي لا يمكن تجاهله للمجلس العسكري في إدارته للفترة الانتقالية هو استجابته لضغوط جماعة الإخوان في تجاهل مطالب الجميع بضرورة عمل الدستور أولاً، فيما وقف المجلس العسكري موقف المهادن الذي لا يريد الاصطدام بالواقع برغم أنه الأقوى. وكان بمقدوره أن يفعل ذلك والكل وقتها كان سيقف بجواره حتى لا تتوه مصر في طرق غير معلومة كالتي نعيشها الآن. وكان عليه أن يدرك أن حرصه على عدم الصدام بالإخوان هو في حد ذاته شيء مهم وشيء يحسب له، لكن الأهم هو أن يعي الفارق بين عدم الصدام وبين لغة الحسم التي لم يمارسها المجلس العسكري في إدارة هذه المرحلة، حيث كان هذا الحسم مطلوبًا في ذلك الوقت، إلا أن الأمور أخذت منحى آخر.
هل كانت هناك انقسامات داخل المؤسسة العسكرية خلال المرحلة الانتقالية؟
المشير محمد حسين طنطاوي بطبيعته رجل متزن وملتزم بالحكمة وسعة الأفق ويحمل وطنية مفرطة لا أحد يستطيع أن ينكرها. وأنا شاهد حقيقي على أن المجلس العسكري تحت قيادته وبكامل أعضائه ضرب مثلًا رائعًا في الوحدة وعدم الانقسام على نفسه، والحفاظ على وحدة الصف، وهذا ما لم يحدث في دول أخرى، ولم تظهر يومًا فوق السطح أي علامات لأي خلاف بين هؤلاء الأعضاء. الكل كان يتفق في الرغبة الأكيدة في عدم الصدام مع أي فصيل، للحفاظ بأي طريقة على هذه الوحدة وعدم الاستجابة لبعض المحاولات التي تهدف للاحتكاك بين الجيش والشعب.
ما هو تعليقكم على الدعوات المطالبة بمحاسبة أعضاء المجلس العسكري؟
إذا ثبتت أي مخالفات مالية تنال من الذمة المالية لأعضاء المجلس فهذا يعتبر من قبيل المخالفات الجنائية التي لا يمكن التغاضي عنها وعلى الجميع الالتزام بذلك، أما إذا كانت الأصوات المنادية بمحاسبة أعضاء المجلس تهدف إلى التشفي وتصفية حسابات قديمة تحت زعم مخالفات إدارية اقترفها المجلس في إدارة الفترة الانتقالية فهذا أمر مرفوض تمامًا بالنسبة لي، وأعتقد أن الغالبية العظمى من المصريين موافقون على هذا، ومن الممكن جدًا تحت قاعدة الضرورات تبيح المحظورات التي أقرتها كل قواعد الفقه الإسلامي وفي كل الدساتير العالمية أن نتغاضى عن أي انحرافات جنائية أو مخالفات مالية للمجلس العسكري حتى حال ثبوتها إذا ارتأينا أن محاكمتهم من الممكن أن تؤثر أو قد تؤدي إلى هدم وتفتيت أوصال المؤسسة العسكرية، فالعقل أولى في هذا الأمر إذا كانت هناك أبعاد ستضر بالبلاد من قبل تلك المحاسبة.
استقرار وشاهد
متى ستستقر الأوضاع من وجهة نظركم؟
لن تقوم لمصر قائمة بهذا الشكل الهمجي في تنظيم المليونيات من قبل الجميع، سواء بسبب أو بغير سبب، وخاصة من التيارات الإسلامية، ولابد أن نتوقف عن الثرثرة والغوغائية التي نعيشها كل يوم، فلا يمكن لفرد واحد، سواء مرسي أو غيره أن يعلي من شأن وطن بحجم وقيمة ومكانة مصر، ولن يستطيع بناء الوطن سوى بسواعد الكل معًا مجتمعين وليس متفرقين بهذه الطريقة.
أنت شاهد على كل العصور كيف ترى شكل المقارنة بينها؟
الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان زعيمًا للنوايا الحسنة، فقد كانت أهدافه رائعة، لكن ما كان يمتلكه من وسائل لم يعنه على تحقيق هذه الطموحات، حيث كان يعتمد على شعاراته القوية وعلى خطابه المباشر، وكان غير قادر على تبني قضية الديمقراطية تبنيًا حقيقيًا لا هو ولا مجلس قيادة الثورة. أما خلفه أنور السادات فكان «معلم السياسة الأول» ربما على مستوى العالم.
وإذا أردنا أن نعرف قيمته لابد أن نعرف كيف ينظر إليه الغرب والعالم الخارجي، وهو الذي حاول أن يصنع انفراجة ديمقراطية حقيقية، لكنه اضطر إلى التراجع شيئا فشيئا عندما وجد المجتمع سيغرق في بوتقة التظاهرات والاضطرابات بسبب الفهم الخاطئ للديمقراطية لدى الكثير من الناس. أما خلفه حسني مبارك فكانت مهمته تدمير كل ما صنعه سابقوه، واستطاع أن ينجح في ذلك بقصد أو بغير قصد. ورغم أنه أكثر الحكام بقاءً في الحكم إلا أنه أسهلهم سقوطا وانهيارا.
فوارق ثورتين
ما هي أهم الفوارق بين ثورتي يوليو 1952 و 25 يناير؟
ثورة يناير بدأت ثورة حقيقية بكل المقاييس قام بها مجموعة من أنبل الشباب، لكن بعد ذلك وبعد أن كسرت حاجز الصوت وقضت على النظام القديم، وعندما كان من المفترض أن تقضي على بقاياه تشرذمت وتقطعت أوصالها وأصبح كل فريق يبحث عن مكاسب شخصية، بالإضافة إلى الخطأ الفادح الذي وقعت فيه كل القوى المسماة بـ«الثورية» وهو عدم الالتفاف حول قائد أو مجلس قيادة حقيقي للثورة.
أما ثورة 23 يوليو فلم تبدأ ثورة فقد بدأتها مجموعة تنظيمية من داخل القوات المسلحة وبعض الشباب المخلص للاستيلاء على السلطة، استطاع من خلالها العسكر الهيمنة على الحكم في مصر، لكن بعد فترة وعندما تقبلها الشعب وأحاط بها نجحت في ذلك، وهي تختلف تمامًا عن ثورة يناير فقد كان زعيمها جمال عبدالناصر رجلاً يتمتع آنذاك بكاريزما قوية وقدرة على اجتذاب الناس وعلى الحشد فالتف المصريون حوله كما لم يلتف حول أحد من قبله.
نفي
نفى يحيى الجمل صحة الأنباء التي ترددت عن دفاعه عن نجلي الرئيس السابق علاء وجمال مبارك في قضية البورصة. وقال: «لم أدافع عن علاء وجمال إطلاقًا ولست موكلًا عنهم في أي قضية، والذي كان يحضر وكيلًا عنهم هو فريد الديب، لكن إثارة هذا الكلام ضدي ليس غريبًا في ظل المشهد المرتبك والمحبط الذي نعيشه الآن ونتمنى ألا يستمر».
